حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران وواشنطن..و«عقدة السقوف العالية»!

النووي
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تدرك واشنطن، ان المتاح امامها في المرحلة الحالية من تعاملها مع ايران، هو التوصل الى اتفاق حول برنامجها النووي، بعد ان استطاعت طهران، ابعاد ملفي البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي، عن طاولة التفاوض.

وعلى الرغم من ان طهران اكدت في الاسابيع الماضية، ان كبير مفاوضيها علي باقري كني، لديه الصلاحيات التامة باتخاذ القرار السياسي المناسب، مع المصالح الايرانية في المباحثات، التي من المفترض ان تشهدها فيينا في الجولة الجديدة، وصفت بانها جولة القرار السياسي، الذي يفتح الطريق للتوقيع على النص الجديد، للاتفاق بين ايران وواشنطن ومعها الترويكا الاوروبية، الا ان واشنطن تدرك ايضا ان الطرف الايراني، الذي سيكون حاضرا على طاولة التوقيع، ليس سوى المرشد الاعلى للنظام، الذي يمسك بهذا القرار الاستراتيجي.

العقوبات الاقتصادية واطلاق يد ايران في التعامل التجاري والاقتصادي مع العالم وحرية الوصول الى عائدات بيع النفط والغاز اكثر ما يقلق النظام

وفي هذا الحالة، من غير المنطقي ولا القانوني، ان تذهب الى توقيع اتفاق او تفاهم، مع شخصية او قيادي في دولة اخرى، سبق ان ادرجته مع رئيس الجمهورية على لائحة العقوبات، ما يعني ان احد الشروط الاساسية، التي تمسكت بها طهران وتمنعت واشنطن عن اعلان موافقتها الصريحة عليها، بالغاء العقوبات عن الشخصيات القيادية للنظام، سيتم تنفيذه وستعمد واشنطن الى حذف اسمائهم، عن لائحة العقوبات وانتهاك حقوق الانسان، من بوابة الضرورات السياسية التي تسمح بتمرير الاتفاق، خاصة وان الانتهاء من جدل البرنامج النووي، وما يترتب عليه من استنزاف سياسي واقتصادي، بات حاجة لكلا الطرفين. 

هذه الحقيقة، تعني ان احد شروط طهران للعودة الى الاتفاق، او القبول باعادة تفعيل صيغة السداسية الدولية (5+1)، قد تم التواطؤ على تمريره بشكل موارب، وما يجعل العقدة الاساسية التي تحول دون التوقيع على الاتفاق الجديد، الذي تجمع كل الاطراف المشارفة في فيينا انه بات قاب قوسين او ادنى، او انه بات في مراحله الاخيرة، هي عقد الاتفاق على مفهوم العقوبات التي من المفترض ان تلغى او ترفع، والآلية التي سيتم اعتمادها وضمانات التنفيذ والالتزام بها، وعدم العودة الى سياسة الانسحاب وفرض العقوبات. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: عندما «يلغو» الإيراني والأميركي والروسي .. بالأوكراني!

وتعتبر مسألة العقوبات الاقتصادية، واطلاق يد ايران في التعامل التجاري والاقتصادي مع العالم، وحرية الوصول الى عائدات بيع النفط والغاز، من اهم وابرز مصادر القلق لدى النظام والحكومة الايرانيين، خاصة وان البرنامج الحكومي الذي وضعه رئيس الجمهورية، خلال حملته الانتخابية وبعد تشكيل حكومته، هو برنامج يقوم على مادة وحيدة، هي الغاء العقوبات واعادة انعاش الاقتصاد الايراني، لادراك النظام خطورة ما وصلت اليه الاوضاع الداخلية، والاثار السلبية للعقوبات على الحياة اليومية والمعيشية للمواطن الايراني، بالاضافة الى الازمات التي تواجهها المؤسسات الرسمية، نتيجة عجزها عن النهوض بواجباتها، وعدم قدرتها على تلبية المطالبات اليومية، التي اوصلت الامور الى حافة الانهيار، في ظل معاناتها من شح الموارد المالية والجمود الاقتصادي الذي تعاني من البلاد. 

المسؤولون الايرانيون بمختلف مستوياتهم ينظرون الى مفاوضات فيينا بعين العقوبات وكيفية الوصول الى هدف إلغاء جميع مندرجاتها

من هنا، فان المسؤولين الايرانيين بمختلف مستوياتهم، ينظرون الى مفاوضات فيينا بعين العقوبات، وكيفية الوصول الى هدف إلغاء جميع مندرجاتها، بما فيها تلك التي تضمنها اتفاق عام 2015، والعقوبات التي تلت قرار الرئيس السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق عام 2018. 

من هنا، يبدو ان طهران على استعداد لتقديم جميع التسهيلات المطلوبة، من اجل الوصول الى هذا الهدف، او اقناع الادارة الامريكية بذلك، واعلان استعدادها للتفاوض المباشر، على لسان وزير خارجيتها حسين امير عبد اللهيان، اذا ما استدعت الحاجة الى ذلك، لتحقيق الهدف الايراني، فضلا عن مطالبته واشنطن ،باطلاق جزء من الاموال الايرانية المجمدة، لاظهار حسن نواياها لانجاح الاتفاق، الى جانب ما تسعى له، بالحصول على ضمانات لا تسهل قرار الانسحاب لاحقا، بوضع آليات تساعد على ذلك وتحافظ على مصالح كلا الطرفين. 

طهران تدرك جيدا، بان اي انفراج اقتصادي، مرتبط ويرتبط بالغاء العقوبات، وان الغاء العقوبات مرتبط باعادة احياء الاتفاق النووي، ما يعني ان على المفاوض الايراني، الاخذ بعين الاعتبار جميع هذه المعطيات، من اجل الوصول الى هدف الغاء العقوبات، التي تمسك واشنطن بناصية انهائها او استمرارها، ولن تكون كل الدول، بما فيها الترويكا الاوروبية والصين وروسيا، مستعدة لمد يد العون لايران في هذا الاطار. 

عقدة السقوف العالية للطرفين الايراني والامريكي، تشكل العائق الابرز امام الخطوة النهائية لاعلان الاتفاق، اي رفض واشنطن تقديم اي ضمانات مكتوبة، تلزم الحكومات المقبلة بعدم الانسحاب او فرض عقوبات، لاسباب تتعلق بالاليات الداخلية الامريكية القانونية والدستورية والسياسية، وتمسك ايران بمطلب الغاء جميع العقوبات النووية، وحقوق الانسان والارهاب، من المفترض ان تدفع الطرفين للبحث عن تسوية، تكون مقبولة لدى كل منهما، وتساعد على تجاوز هذه العقدة، والانتقال الى مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاق.

واشنطن تدرك ايضا ان الطرف الايراني الذي سيكون حاضرا على طاولة التوقيع ليس سوى المرشد الاعلى للنظام، الذي يمسك بهذا القرار الاستراتيجي

وفي هذا الاطار، يدور جدل داخل ايران حول الحدود، التي يمكن ان تقبل بها في موضوع رفع العقوبات، وان احدى المخارج التي قد تذهب اليها، تقوم على مبدأ تنفيذ التزاماتها، بالعودة عن الخطوات التي لجأت اليها في الانشطة النووية، بما يتناسب مع حجم العقوبات التي الغتها واشنطن، اي انها لن تذهب الى التخلي عن جميع الانشطة التي طورتها، مقابل الغاء جزء من العقوبات. بالاضافة الى رفض اي شرط، باخراج اجهزة الطرد المركزي من ايران، وتخرينها في دولة ثالثة، لان القبول بهذا الامر يرفد ايران، ورقة المبادرة السريعة، بالعودة الى انشطتها النووية، في حال لم تلتزم اي حكومة امريكية بالوفاء بتعهداتها. 

وفي ازاء التفاؤل، الذي تبديه جميع الاطراف المشاركة في فيينا، ومعهم ايران بقرب التوصل الى اتفاق، والتأكيد بعدم وجود اي انسداد في المفاوضات، فان عدم قدرة هذه الاطراف، التوصل الى تسوية حول هذه العقد، فان امكانية فشل هذه المفاوضات ،او تأجيل وعرقلة التوصل الى اتفاق وحلول، قد يكون اقرب الاحتمالات. 

السابق
خاص «جنوبية»: أسبوع حاسم بملف المرفأ..ودعاوى جديدة متوقّعة من «المتضررين»!
التالي
خاص «جنوبية»: رفوف تعاونيات السجاد «تُصوفر» لولا «المدعوم» و«المُهَرّب الإيراني»!