حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: عندما «يلغو» الإيراني والأميركي والروسي .. بالأوكراني!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

بغض النظر عن الاصوات الايرانية الداخلية، المعارضة او المتحفظة او المؤيدة، لعملية التفاوض التي تستضيفها العاصمة النمساوية فيينا لاعادة احياء الاتفاق النووي، الا ان المسلمة الاكيدة، هي ان منظومة السلطة في ايران، بكل ومختلف مستوياتها المؤثرة في القرار الاستراتيجي للنظام، قد حسمت موقفها وكلمتها، بالسير في التفاوض من اجل الوصول الى اتفاق، يعيد احياء الاتفاق، ويضع حدا لازمة العقوبات الاقتصادية، ويخرج ايران من دائرة الخطر، الذي بات يهدد استقرار النظام، وينذر بانفجار داخلي، اقل نتائجه الاطاحة بالنظام ومنظومته الحاكمة.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران بين «الزوجة الروسية» و«الضرة الأميركية»!

اجماع النظام والدولة العميقة، على ايصال المفاوضات الى نتيجة ما، مع الرغبة بان تكون ايجابية، تتوضح من خلال تأكيد طهران، ومعها الجهات المعنية بالعملية التفاوضية، ان الفريق المفاوض قد عاد الى فيينا لاستئناف الجولة الثامنة، يحمل في جعبته تفويضا، في اتخاذ القرار السياسي المناسب، والمتناسب مع المصالح الايرانية في التفاوض، واعادة احياء الاتفاق والغاء العقوبات الاقتصادية، وهو قرار سياسي محكوم بالسقوف التي وضعها للنظام، بالغاء جميع العقوبات التي تضمنها اتفاق عام 2015 وما بعده، والحصول على ضمانات، تشكل ارضية لطمأنة طهران، بعدم الانسحاب لاحقا من الاتفاق، واخضاع الاتفاق الجديد لمرحلة اختيار ،تتعلق الجانب التنفيذي لما يتم الاتفاق عليه. 

منظومة السلطة في ايران بكل ومختلف مستوياتها المؤثرة قد حسمت موقفها وكلمتها بالسير في التفاوض من اجل الوصول الى اتفاق

وفي مقابل الصمت المحسوب، في التعامل مع مجريات التفاوض، والتسريبات والمواقف المدروسة، التي تصدر عن جهة محددة في طهران، والمحصورة بالمجلس الاعلى للامن القومي، ومعه وزير الخارجية ورئيس الوفد المفاوض، كونهما مشاركين في نقاشات وقرارات هذا المجلس، يبدو ان الطرف المقابل، وهنا لا يعدو كونه الجانب الامريكي، الذي مازال يشارك في فيينا بصفته غير المباشرة، يعاني من ارباك وتعدد في الجهات التي تتولى التعبير عن توجهات ومواقف الادارة الامريكية، بين وزارة الخارجية والبيت الابيض، فتارة تكون منسجمة وتارة اخرى يشوبها نوع من عدم التنسيق، ما يجعل من الصعب الوقوف على حقيقة التوجه والموقف الامريكي، من المفاوضات وآلية التعامل مع الطرف الايراني، وحدود الايجابية ومدى التشدد في التعامل مع المطالب الايرانية والتمسك بالسقف الامريكي، في ظل مطالبة الدائمة من الجانب الايراني، بتقديم تنازلات من اجل انجاح المفاوضات في اسرع وقت ممكن. 

على الرغم من الاجواء الايجابية الا ان جميع الاطراف تتفق ضمنا بصعوبة الجزم بالنتائج النهائية

وعلى الرغم من الاجواء الايجابية، التي اشاعتها المواقف الاخيرة للاطراف المعنية بالمفاوضات، خاصة مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزيف بوريل، والمندوب الروسي ميخائيل اوليانوف، والدخول في ما يشبه التوقيتات، لموعد التوقيع على الصيغة النهائية للاتفاق النووي الجديد، الا ان جميع الاطراف تتفق ضمنا، بصعوبة الجزم بالنتائج النهائية، لمثل هذا النوع من المفاوضات، التي تبقى ايجابيتها او سلبيتها، مرهونة باللحظة التي يتم فيها الاعلان عن التوقيع او عدمه.

الا ان الحقيقة الوحيدة، التي يمكن الركون اليها في هذه المرحلة من الجولة الثامنة، ان المفاوضات قد وصلت الى مراحلها النهائية، فاما ان تنقل المفاوضات الى مستوى من التعاون وبناء الثقة والانفتاح، واما تذهب الامور باتجاه تفجير ازمة جديدة، سيعود فيها كل فريق الى خلف الاسوار التي خرج منها، وبالتالي العودة الى التصعيد المفتوح على جميع الاحتمالات. 

ما يسجل على هذه المرحلة من التفاوض، ان الطرفين الامريكي والايراني، استطاعا اخراج ازمة التفاوض المباشر بينهما، وامكانية التفاهم حول النقاط  الخلافية من دائرة الاستغلال الروسي، الذي حاول لعب دور الوسيط بين الطرفين، مستغلا تمسك المفاوض الايراني برفض عودة واشنطن الى طاولة التفاوض المباشر ، وتفعيل دورها الكامل في مجموعة 5+1، قبل الغاء جميع العقوبات التي نص عليها اتفاق 2015. 

المفاوضات قد وصلت الى مراحلها النهائية فاما ان تنقل المفاوضات الى مستوى من التعاون وبناء الثقة والانفتاح واما تذهب الامور باتجاه تفجير ازمة جديدة

المندوب الروسي اوليانوف، وبتوجيه من ادارته الدبلوماسية في موسكو، حاول توظيف العلاقة بين بلاده وايران، لتسويق رؤيته بتمرير “اتفاق مؤقت” لمدة سنتين، من خلال اقناع الطرف الامريكي بقدرته على جر الصديق الايراني الى هذه الدائرة، مستفيدا من حاجة طهران له، وبالتالي الحصول من واشنطن على تفاهمات حول الازمة الاوكرانية وتخفيف الضغط عن موسكو. الا ان الخطوة الايرانية وعبر ممثل الاتحاد الاوروبي، باللجوء الى دبلوماسية الرسائل المكتوبة مع المفاوض الايراني، استبعدت واخرجت الوسيط الروسي من دائرة الفعل، خاصة بعد الضوء الاخضر الذي اضاءه المرشد الاعلى من طهران، والذي كسر حاجز الحرمة او المنع، حول امكانية التفاوض مع العدو (الامريكي)، اذا ما كانت مصحلة النظام تقتضي ذلك. 

عدم التوصل الى اتفاق او تفاهم مع واشنطن يعني انها ستكون في مواجهة موجة جديدة من العقوبات المشددة والخانقة

يمكن القول ان توقيت الليونة الامريكية والايرانية حول التفاوض المباشر، ساعدت في اخراج الطرفين من دائرة الابتزاز الروسي، وافقدت موسكو ورقة كانت تحاول توظيفها، لتمرير مشاريعها وملفاتها الخاصة، على حساب مصالح ومواقف الطرفين. 

الارادة السياسية لدى الامريكي والايراني بالوصول الى اتفاق، ووضع حد لحالة التوتر والتصعيد القائمة بينهما، تأتي متسقة مع رغبة واشنطن، بعدم دفع الامور في الشرق الاوسط، نحو مرحلة جديدة من التصعيد من جهة، وحاجتها لتهدئة الجبهات من اجل التفرغ لخلافاتها مع روسيا حول الازمة الاوكرانية، والتي تعتبر المفتاح لمواجهة الطموحات الروسية المتزايدة، للقضم من الدور الامريكي على الساحة الدولية من جهة ثانية، في حين ان طهران تعمل على استغلال الحاجة الامريكية للتهدئة في الشرق الاوسط، للتفرغ لمشروعها في مواجهة الصين وروسيا، وهي تسعى لاستغلال الازمة الاوكرانية، التي تضغط على واشنطن، للحصول على اعلى قدر من مطالبها، وهي تدرك في الوقت نفسه، بان عدم التوصل الى اتفاق او تفاهم مع واشنطن، يعني انها ستكون في مواجهة موجة جديدة من العقوبات المشددة والخانقة، بالاضافة الى تزايد المخاطر، بمواجهة المزيد من التصعيد في الملفات الاقليمية، التي تشكل مناطق نفوذها، وبالتالي قد تدفع منطقة الشرق الاوسط نحو عدم الاستقرار. 

السابق
ورشة النهوض بمرفأ بيروت انطلقت.. هذا ما اعلنه ميقاتي
التالي
«بحثا عن عمل».. إسرائيل تلقي القبض على شخصين تسللا من لبنان!