مداخلة للدكتور عصام خليفة في ندوة «لبنانيون من أجل الكيان الوثيقة الوطنية».. بين الأزمات والحلول!

الدكتور عصام خليفة

في ندوة “لبنانيون من أجل الكيان الوثيقة الوطنية”، شارك الدكتور عصام خليفة بمداخلة ناقش فيها الأزمات التي تعصف بلبنان والحلول الواجب طرحها.

وجاء في المداخلة التالي:

“عندما تمر الشعوب بكوارث كبرى تسارع نخبها الفكرية والثقافية إلى بحث أسباب وخلفيات هذه الكوارث وتشريح عناصرها وتوضيح السبل التي تمكن المجتمع ان يتخطاها وينطلق في دروب التقدم والانماء.

فشكراً للأصدقاء من المثقفين الذين وضعوا هذه الوثيقة الوطنية للخروج من الكارثة التي يعاني منها شعبنا.

ينطلق واضعوا الوثيقة من التسليم بأن الأزمة الحالية التي يمر بها شعبنا تتجاوز جميع الأزمات الماضية بحجمها وعمقها. وان لا خروج من الافلاس الحاصل إلا بلبنان آخر.

وإذ يشدد اصحاب الوثيقة على ان لبنان ليس خطأ تاريخياً أو جغرافياً، وان وحدة الدولة وارتكازها على الحرية والمشاركة واحترام التعددية والعيش معاً على قاعدة المواثيق والالتزام بالدستور والقوانين، فانهم يعتقدون ان الخروج من هذه الأزمة يرتبط بتحقيق ما يلي:

1- اصلاحات دستورية تتحدد فيها بعض الصلاحيات.
2- انشاء مجلس للشيوخ له صلاحيات واضحة.
3- النقاش في الدولة المدنية.
4- ادخال اللامركزية في صلب الدستور.
5- استعادة سياسة الحياد التي نهجها لبنان منذ الاستقلال.

على هامش النقاط الواردة أرى من واجبي ان اورد بعض الملاحظات:

1- من وجهة نظري اخطر ما يجري حالياً هو الوضع المالي والاقتصادي

والحل السريع يجب ان يبدأ من وضع خطة خلاص شاملة يكون مدخلها ايجاد الحلول القريبة والمتوسطة والبعيدة الأمد لهذه الكارثة. ومع استمرار انهيار العملة الوطنية يجد اللبنانيون انفسهم امام ثلاثة احتمالات:
أ- إما الهجرة الكبيرة وقد بدأت طلائعها الخطيرة (200 الف هاجروا مؤخراً).
ب- وإما الموت بسبب المجاعة
ج- والمجاعة ترتبط بالفوضى والعنف والمساعدة في انحلال الدولة.
لقد خسرت العملة الوطنية 93% من قوتها الشرائية، وتزايدت اسعار السلع الاستهلاكية 2000% وتصاعدت تكاليف النقل 1200%، والنظام التعليمي بمختلف حلقاته يترنح. وما يقارب 90% من شعبنا تحت خط الفقر! فهل يستطيع شعبنا ان يتحمل هذه المآسي حتى حصول الانتخابات؟

وهل ستُحسن الحكومة التفاوض مع البنك الدولي، وهي لا تجتمع؟ وهل ان من مصلحة القوى الدولية ان ينهار لبنان ويعلن دولة فاشلة. وهل يمكن اعادة المال للمودعين؟ ومن سيتحمل الخسائر؟ وهل ستوضع موازنة متقشفة؟ وهل سيُوحّد سعر صرف الليرة مع زيادة فاعلة للايرادات الحكومية ولماذا لم يفرض الكابيتول كونترول منذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة؟ ولماذا لا يوضع موضوع استعادة الاموال المهربة على رأس الاولويات؟ وهل ستستمر احتكارات المحروقات والادوية والغاز والاسمنت وغيرها وهل سيتم التغاضي عن استيلاء اكثر السياسيين على الاموال المرصودة لشبكات المجارير ومشاريع السدود وانتاج الكهرباء وخوات وعمولات الاشغال العامة والانترنت والسلبطة على قلب بيروت وعلى الاملاك العامة وعلى الاملاك البحرية والنهرية، والنفايات وخدمات البريد والمرفأ وقطاع الاتصالات والمرفأ والتهرّب الجمركي.

هل ستستمر الدولة الزبائنية النهابة – كما يقول الباحث د. البير داغر – حيث يكون دأب النخبة السياسية “تجيير الموارد العامة لتوزيع منافع خاصة؟ ثم أليست دولتنا، بتركيبتها الفاسدة، دولة باتريمونيالية كما وصفها ماكس فيبر. أي يتعاطى اغلب السياسيين معها وكأنها ارث لهم، أي ان الاولوية هي خدمة المصالح الخاصة وليس الالتزام بالخير العام. وبالتالي اليس هذا النمط يكون معادياً للنمو الاقتصادي ووسيلة لديمومة الزعماء في السلطة. والصراعات بين هؤلاء الزعماء هي البنية الفوقية لنظام الاستزلام. وهؤلاء السياسيون يعتمدون العنف مدخلاً للعمل في السياسة وممارسة الشأن العام.
لقد انهارت ادارة الدولة لأن اغلبية اهل السياسة تحكموا بالتعيينات الادارية في كل مواقع الادارة، وحولوها الى محاصصة المحاسيب. تنانشوا هذه الادارة تحت ستار التوازن الطائفي وعملوا على تغييب الكفاءات لمصلحة الولاء والتنفيعات وترقية المرتكبين وتعطيل الاجهزة الرقابية واضعاف ادارة المناقصات واغراق الادارة بالمياومين (في التعليم والجامعة اللبنانية ومصالح المياه والكهرباء والريجي واوجيرو والميدل ايست والكثير من المرافق). لقد اكد ماكس فيبر ان الادارة العامة القانونية – العقلانية هي الشرط لفعالية الدولة في دعم النمو الرأسمالي. الم تؤمن التجربة الشهابية من خلال مجلس الخدمة المدنية التوازن بين الاكفياء من كل الطوائف؟ ثم الم تؤمن استقلالية وحيادية الادارة لمتابعة الخير العام؟ اليس ان انتزاع الادارة من يد السياسيين هو محتوى الاصلاح وهدفه؟

هل ستسمح الانتخابات القادمة للشعب اللبناني ان يوصل قوى جديدة تجعل السياسيين وعلى الاخص الاقطاب، تحت سلطة القانون؟ وتفعيل الآليات التي تتيح المحاسبة العمودية والافقية والمجتمعية؟ واللامركزية هي توجه انمائي صحيح اذا كانت لا تؤدي الى تفتيت المناطق اللبنانية الى مقاطعات يسيطر عليها “المقاطعجيون الجدد” ويتعطل فيها القانون بما يناقض مبدأ المواطنة.

وبالنسبة للدولة المدنية، دولتنا ليست محكومة بالشريعة الدينية فهي مدنية لكنها محكومة بالمحاصصة الطائفية. والتحدي المطروح كيف يمكننا الانتقال تدريجياً:

  • من دولة المحاصصة والفساد الطائفي الى دولة التوازن على قاعدة الكفاءة (نموذج الدولة الشهابية) اي الاستحقاق من خلال المباريات، ومبدأ التقاسم الذي يحفظ حقوق الجميع. في المرحلة اللاحقة العمل الى علمنة الدولة والمجتمع والتربية والثقافة ضمن أفق استراتيجي. وفي هذا السياق هل ان الاحزاب ذات العقائد المذهبية الدينية – لاسيما اذا كانت مسلحة- يمكن ان تسهل العمل بهذا التوجه ام انها ردة الى ما وراء دولة المحاصصة والفساد؟
  • وهل يمكن ان نستمر بالسكوت على جريمة الابادة الجماعية التي ترتكب بحق شعبنا؟ والى متى يسكت العالم عن هذه الابادة؟
    2-قضية النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين:
    في 19 ايلول 2016 اصدر امين عام الامم المتحدة بان كي مون تقريراً دعا فيه الى منح النازحين واللاجئين وضعاً قانونياً يتيح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنيس (الفقرة 86). وقد صرح السفير البريطاني في بيروت (4 آب 2015) “ان خطر توطين النازحين السوريين في لبنان ليس وهماً”. وكان الرئيس السابق للمخابرات الالمانية قد صرّح “ان النازحين السوريين دخلوا لبنان لكي لا يخرجوا منه”. واذا تخطينا تقرير البنك الدولي الذي لحظ ان كلفتهم على الاقتصاد اللبناني لا تقل عن 25 مليون دولار، فان استمرار وجودهم يهدد الهوية اللبنانية ويزعزع اساس الاجتماع السياسي والديمغرافي للشعب اللبناني.وهكذا فان الاولوية الثانية بعد معالجة الوضع الاقتصادي هي رفض ما ورد من اخطاء في مراسيم التجنيس وليس فقط العودة الفورية لهؤلاء الى بلادهم فوراً على نحو آمن.
    3- قضية الحدود البرية والبحرية للدولة:
    لن اتوسع كثيراً في هذه النقطة فقد كتبت عنها مئات الصفحات، ولكن اختصر فاقول:
    أ- بالنسبة للحدود مع اسرائيل:
    برياً: هناك اتفاق الهدنة 1949 يؤكد في المادة 5 على ان الحدود الدولية (بوله-نيوكومب) هي نفسها حدود الهدنة. وبعد ذلك بين 5-15 كانون الاول 1949 تم احياء ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل وتم توقيع الاتفاق مع خريطة ملحقة وقعها عن لبنان الكابتن اسكندر غانم، وعن اسرائيل الكابتن فريد لندر.
    وعلى الدولة اللبنانية التمسك بالاتفاقين وعدم فتح باب اعادة ترسيم الحدود. وبالنسبة لمزارع شبعا وقرية النخيلة وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، فهي لبنانية من خلال مئات الوثائق التاريخية التي طبعنا اكثرها.
    ب- حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة:
    لقد اكدت قيادة الجيش من خلال الوفد المفاوض، ان الخط 29 هو خط الحدود بين المنطقة الاقتصادية للبنان والمنطقة الاقتصادية لاسرائيل. وكل الخطوط الأخرى: رقم 1 ورقم 23 وخط هوف ليست علمية ولا قانونية لانها لم تنطلق من نقطة رأس الناقورة بل من شمالها (30 مترأ تقريباً) واعتبرت صخور تخليت جزيرة وهي ليست كذلك كما تنص المادة 121 من قانون البحار الصادر عن الامم المتحدة.
    وبدل ان يبادر وزير الاشغال – المنتمي الى حزب الله – الى طرح تعديل المرسوم 6433 في اول جلسة لمجلس الوزراء وارسال التعديل كما اقترحته قيادة الجيش الى الامم المتحدة، او يدعو الى جلسة استثنائية لذلك، نلاحظ وجود صمت مريب لموقف حزب الله في هذا المجال مع التعطيل غير المقنع لعمل مجلس الوزراء. مع التذكير بان الرئيس ميقاتي، عام 2011، اخفى عن مجلس الوزراء، الذي أقر المرسوم 6433، تقرير UKHO الذي اقر باحقية الدولة اللبنانية بالخط 29.
    وعلى صعيد أخر فان فساد المنظومة السياسية حملها ان تصدر المرسوم 43، المناقض لقانون النفط والغاز 132، والذي يحرم الخزينة الدولة من غالبية مردود الغاز والنفط ويحول جزءاً كبيراً منه الى شركات يملكها اغلب افراد زمرة السياسيين الفاسدين!
  • ومؤخراً ارسلت اسرائيل رسالة الى الامم المتحدة تحذر لبنان من تلزيم شركات التنقيب وراء الخط 1، أي وراء الخط 23 ب 870 كلم2. والدولة اللبنانية لم ترد على هذا الادعاء برسالة توضح حق لبنان حتى الخط 29!
    فاذا كان ذلك لا يوصف بالخيانة العظمى لمصالح الوطن العليا، فماذا تكون الخيانة؟
    ان عشرات مليارات الدولارات التي يمكن للبنان ان يستغلها من ثروته الغازية والنفطية هي احد الركائز الاساسية للخروج من الكارثة الاقتصادية التي يتخبط بها، فهل يعي الشعب خطورة ما يجري؟
    اضافة الى النقاط الاساسية التي ذكرنا هناك ملف السلاح غير الشرعي وتطبيق اتفاق الطائف بحل كل الميليشيات، وهذا موضوع يجب ان يحل على مستوى دولي واقليمي، وهناك ملف الاستشفاء والدواء وضمان الشيخوخة وملف الاسكان وتشويه البيئة والتلوث وملف البطالة وملف الواقع القضائي المأزوم ورجولة القاضي بيطار في جريمة مرفأ بيروت، وهناك ملف التربية على صعيد المدرسة والتعليم العالم وانعكاس ذلك على مستقبل ودور لبنان الاقليمي. وفي هذا السياق نلفت النظر الى الواقع الخطير للجامعة اللبنانية وضرورة اجراء اصلاحات جذرية على اوضاعها، والصمت المريب الذي قوبل به خبر كشف وجود 17 الف شهادة مزورة في العراق من بعض الجامعات في بينان هو امر يدعو الى الاستهجان؟!
    لقد انتفض الشعب اللبناني في تشرين الأول 2019 ويبدو ان هذه العامية كانت ولا تزال تحتاج الى برامج اصلاحية وافكار والى انخراط النخب من مختلف المواقع في صياغة هذه البرامج وتوسيع قاعدة الوعي الشعبي في فهم تفاصيل الفساد الذي اوصل شعبنا الى الكارثة الحالية. وبموازاة البرامج لا تزال هذه العامية الكبرى بحاجة الى تنظيم ائتلاف واسعة تتفق على الاسس الكبرى وتتخطى الخلاف على التفاصيل. لقد مرّت شعوب بكوارث وانهيارات، لكنها اعطت الاولوية للمسألة الوطنية وللاصلاح الجذري بما يؤمن القضاء على الفساد والفاسدين.
    والدولة اللبنانية اليوم في خطر وجودي والمطلوب من شعبنا ان يعلن التعبئة العامة للدفاع عن هويته اللبنانية ودولته التي يجب ان تؤمن حقوق الانسان وتستمر بكامل شعبها وارضها في المشرق العربي عامل انماء وتقدّم.
    وشكراً للاصدقاء الذي وضعوا الوثيقة الوطنية من اجل الكيان لانهم تحسسوا الزلزال الجيوبوليتيكي الحاصل وطرحوا موقفاً ملتزماً بقيم الاستقلال والحربية وحقوق الانسان”.

السابق
«حزب الله» يستغل النمر و«يتنمر» على لبنان والسعودية!
التالي
الغضب الشعبي لا يشد «العصب» السياسي!