من «الطيونة» إلى «كنيسة النجاة»: هل بدأ سيناريو «إعادة الإبن الضال».. إلى السجن!

ياسين شبلي

بعد هزيمة عام 67 العربية أمام إسرائيل التي سميت تخفيفا ب ” النكسة”، برز شعار عربي – وما أكثر الشعارات في تلك الفترة – يقول بإزالة آثار العدوان، أي إسترجاع الأراضي العربية التي أحتلت في تلك الحرب، تمهيدا لإعادة إطلاق حرب ” تحرير” فلسطين المحتلة عام 1948.

اقرأ أيضاً: «بعدسة جنوبية».. أهالي ضحايا المرفأ يجددون دعمهم للبيطار: لا الصواريخ ولا الارهاب يقوى على العدالة!

يحضرني هذا الشعار – إزالة آثار العدوان – لأنه يبدو أنه هو الذي يتحكم بتصرفات حزب الله والمحور الذي يمثله في لبنان، منذ ما بعد زلزال 14 شباط 2005 وما تلاه من إرتدادات.
فحزب الله وهو رأس حربة محور الممانعة، يعتبر على ما يبدو أن ما جرى في لبنان، منذ ثورة الأرز، وفرض خروج قوات النظام السوري من أراضيه وما تلاه من تطورات ، نوعا من العدوان الذي وقع عليه وبالتالي فإن من واجبه إزالة آثار هذا ” العدوان ” والعودة بالأمور إلى ما كانت عليه قبل ذلك التاريخ .

إزالة آثار العدوان شعار يتحكم بتصرفات حزب الله منذ ما بعد زلزال 14 شباط 2005 وما تلاه من إرتدادات


أولى الإرتدادات كانت ردة الفعل على الجريمة التي كان مخططا لها أو كان يُعتقد ربما أنها ستمر كغيرها، من الجرائم الكثيرة التي إرتكبها هذا المحور، الذي كان لا يزال في ذلك الوقت تحت قيادة النظام السوري، الذي كان ممسكا بالأرض وبالحياة السياسية والأمنية في لبنان.

تَجاهَلَ النظام السوري وأذرعه السياسية والأمنية في النظام الأمني اللبناني – السوري، سواء عن جهل أو عن غرور، نتيجة فائض القوة التي كان يستشعرها على الأرض في لبنان يومها، تَجاهَل اللحظة السياسية الحساسة في المنطقة بعد الغزو الأميركي للعراق، والتطورات في الأراضي الفلسطينية من حصار لياسر عرفات ومن ثم إغتياله بالسم، وغيرها من التطورات وتأثيرها على الوضع اللبناني، حيث كان الصراع مع القوى السياسية المعارضة، قد وصل إلى نقطة اللا عودة، وكذلك أساء تقدير ردة فعل الناس على جريمة من هذا النوع، ضد شخصية كبيرة ووازنة وإستثنائية في تاريخ لبنان والمنطقة كرفيق الحريري، فكانت أولى التداعيات هي إتهام هذا النظام الأمني بالجريمة، والمطالبة بتحقيق دولي لجلاء الحقيقة، ونزول الناس إلى الشوارع مطالبة بالعدالة، وبرحيل قوات النظام السوري من لبنان، وهو المطلب الذي كان قد وُضِع في التداول بعد الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، وكان السبب في تصاعد الصراع السياسي، ما حدا بالنظام السوري يومها إلى فرض التمديد لإميل لحود، الأمر الذي شكَّل الصاعق الذي فجَّر الأوضاع، وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه.

ربحت المعارضة معركة التحقيق الدولي والخروج السوري من لبنان


ربحت المعارضة معركة التحقيق الدولي والخروج السوري من لبنان، وكانت ردة فعل أنصار النظام السوري تظاهرة تحت عنوان شكرا سوريا، كان الرد عليها سريعا بمظاهرة مضادة كما هو معروف ومن ثم دخل الطرفان في تسوية وتحالف إنتخابي رباعي، دعمته القوات اللبنانية من الجانب المسيحي، وضمنت بذلك دخولها إلى مجلس النواب بستة أعضاء، وبخروج قائدها سمير جعجع من السجن في تموز 2005 بعد 11 عاما، بموجب تعديل قانون العفو في مجلس النواب الجديد، ليخرج بموجبه جعجع ومساجين إسلاميين آخرين. وكان هذا الخروج بمثابة صفعة أخرى لمناصري النظام السوري وشوكة في حلقهم، لم يستطيعوا هضمها حتى اليوم، كما تدل الأحداث والتطورات المتلاحقة منذ ذلك الحين، وهو ربما يمثل ثاني أقسى إرتداد لجريمة إغتيال الشهيد رفيق الحريري عليهم، بعد الإنسحاب العسكري للنظام السوري من لبنان. بالتوازي كان أنصار هذا النظام يعقدون صفقة، تمهد لعودة ميشال عون من منفاه في باريس، في محاولة ذكية منهم لإقامة توازن مسيحي، يغطيهم في معركتهم لإعادة الأمور إلى ما قبل جريمة الإغتيال، وقد نجحوا في ذلك عندما عاد ميشال عون وبدأ الإنقلاب على فريق 14 آذار، الذي كان يتعرض يومها لسلسلة إغتيالات وتصفيات، على خلفية المطالبة بالمحكمة الدولية لكشف حقيقة جريمة الإغتيال .

يعتبر إتفاق مار مخايل في العام 2006 بين حزب الله والتيار الوطني الحر بداية الطريق لتطبيق شعار “إزالة آثار العدوان”


يعتبر إتفاق مار مخايل في العام 2006 بين حزب الله والتيار الوطني الحر، بداية الطريق لتطبيق شعار “إزالة آثار العدوان”، وذلك عبر شق فريق 14 آذار بداية وكسب ظهير مسيحي قوي، ساهم في تغطية الحزب إبان حرب تموز 2006، ثم كانت أحداث 7 أيار 2008، التي تخللها حصار كل من سعد الحريري ووليد جنبلاط (قطبا 14 آذار) بمثابة الضربة الرئيسية التي قطعت نصف الطريق، نحو تحقيق الهدف في معركة إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل ثورة الأرز ، وذلك عبر توقيع إتفاق الدوحة الذي فرض ميزان قوى عسكري هذه المرة على الأرض، وعطَّل مفاعيل الأكثرية النيابية التي كانت في صف 14 آذار، وأدخل التيار الوطني الحر إلى الحكم ظهيرا مسيحيا قويا لحزب الله، والأهم من كل ذلك هو بداية نهاية قوى 14 آذار، كتنظيم حيث بدأ أطرافه العمل تكتيكيا كل حسب مصالحه السياسية الذاتية، بعد أن خسروا إستراتيجيا بمجيء إدارة أوباما، بديلا لإدارة جورج بوش الإبن ، بحيث إنسحب وليد جنبلاط متخذا له موقعا ” وسطيا “، في حين إنهمك سعد الحريري بإعادة ترتيب بيته الداخلي، ولملمة صفوفه بعد “هزيمة” 7 أيار ، فيما بات الهم الأكبر لسمير جعجع، هو البحث عن سبل لمواجهة دخول غريمه التيار الوطني الحر السلطة، ما جعله يصبح أكثر حذرا وأكثر تشددا، في مطالبته بالمقاعد الوزارية بداية، وفي سلوكياته الداخلية تجاه حلفائه السابقين، مدفوعا بهذا الصراع الماروني – الماروني مع التيار، الذي راح يزايد في الحديث عن حقوق المسيحيين وضرورة إستعادتها، ما جعله يدخل معه في سباق على التشدد في العلاقات مع الأطراف السياسية الأخرى، الأمر الذي دق المسمار الأخير في نعش قوى 14 آذار، وأدى في النهاية للإنقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى التي شكلها بعد إنتخابات 2009، وذلك بداية عام 2011 في حركة بدت وكأنها “7 أيار سياسي”، لتكون بذلك قوى 8 آذار قد قطعت شوطا إضافياً كبيرا، في طريق تنفيذ مخططها ل ” إزالة آثار العدوان “.

بالإنقلاب على حكومة الحريري الأولى تكون بذلك قوى 8 آذار قد قطعت شوطا إضافياً كبيرا في طريق تنفيذ مخططها ل ” إزالة آثار العدوان


كانت نتيجة هذا الإنقلاب هو “النفي الطوعي” لسعد الحريري الذي غادر لبنان، وخروج القوات اللبنانية من الحكومة لأول مرة منذ العام 2005، وإنكفائها لإعادة ترتيب أوراقها، بمواجهة تمدد نفوذ التيار الوطني الحر في الساحة المسيحية، عبر إمساكه بغالبية المراكز المسيحية في الدولة بدعم من حليفه القوي حزب الله، ودخول وليد جنبلاط “الوسطي” حكومة نجيب ميقاتي تحت ضغط “القمصان السود”، وبهذا إستطاع حزب الله وحلفاؤه السيطرة نسبيا على الرئاستين الثانية والثالثة، ولم يعد أمامه من عقبة سوى الرئاسة الأولى، التي كان يتولاها الرئيس “المسيحي” – بحسب العُرف اللبناني – ميشال سليمان الذي لم يكن “متعاونا”، وكان يتعرض لهجومات متكررة من النائب ميشال عون وتياره السياسي، بالتوازي مع الهجوم الدائم من قِبَل نفس التيار على القوات اللبنانية، التي تُعتبر بنظر حزب الله وحلفائه بأنها تمثل الطرف المسيحي “المشاكس” في المعادلة السياسية القائمة، ما جعلها عرضة للهجوم الدائم أيضا من حلفاء حزب الله، من الشخصيات والأحزاب المعروفة بولائها للنظام السوري، أمثال اللواء جميل السيد والعميد مصطفى حمدان والحزب السوري القومي الإجتماعي، وغيرهم من الأفرقاء الذين يجمعهم دائما وفي كل المناسبات عداءهم القديم للقوات اللبنانية وقائدها الذي خصوه بشعار “صهيوني صهيوني سمير جعجع صهيوني” الذي بات عنوانا لأي تحرك سياسي لهم في الشارع.

إنتهت ولاية ميشال سليمان وإنتهت معها الهدنة التي وفرتها مؤقتا حكومة تمام سلام تحت شعار ربط النزاع

إنتهت ولاية ميشال سليمان وإنتهت معها الهدنة، التي وفرتها مؤقتا حكومة تمام سلام تحت شعار ربط النزاع، والتي لم تشارك بها القوات اللبنانية، بسبب الخلاف المستمر حول سلاح حزب الله مع تدخله في سوريا، وبسبب تغول التيار الوطني الحر وإستحواذه على الوزارات المهمة من حصة المسيحيين في الحكومة، وبدأ الكباش حول الإنتخابات الرئاسية، وكان النظام السوري قد إلتقط أنفاسه، بعد أن وافق على تسليم مخزونه من الأسلحة الكيميائية بعد وساطة روسية مع إدارة أوباما، وكان النظام الإيراني منخرطا في المحادثات النووية مع أميركا والغرب، وكانت التغييرات في السعودية ودخولها حرب اليمن بالمباشر، وبعدها جاء التدخل الروسي المباشر بالحرب السورية وإنجاز الإتفاق النووي عام 2015، كل ذلك أعطى دفعا لحزب الله في الداخل، وجعله في الموقع الأقوى بالنسبة لفرض مرشحه للرئاسة ميشال عون، حتى بعد أن طرح سعد الحريري إسم سليمان فرنجية وهو حليف حزب الله، كحل وسط جوبه بالرفض من قبل المكونين، الشيعي ممثلا بحزب الله والمسيحي ممثلا بالقوات اللبنانية، في إلتقاء مصالح نادر بين الطرفين، فكان أن كُسرت الجرة بين سعد الحريري والقوات اللبنانية، التي لم تكتفِ برفض خيار فرنجية، بل إندفعت للإتفاق مع التيار الوطني الحر على دعم ترشيح ميشال عون للرئاسة، مقابل تقاسم المراكز المسيحية في الدولة بينهما، في أكبر خطأ إستراتيجي داخلي ترتكبه بإختيارها أكبر “الشرين”، لتكون مرة أخرى القوات اللبنانية في نفس الخندق مع حزب الله، الأمر الذي رجّح كفة ميشال عون، فكانت التسوية الرئاسية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، وتم إنتخاب عون رئيسا ليكتمل بذلك عقد مراكز السلطات الثلاث، التي باتت في عهدة حزب الله عبر حلفائه، خاصة بعد قانون الإنتخابات الذي جعل الأكثرية النيابية بيده، وهو ما جعله بموقع صانع رئيس الحكومة، أو على الأقل المتحكم بتشكيل الحكومة ومسارها، وكانت هذه الضربة القاضية لمسار ما بعد جريمة شباط 2005، بحيث تمت إستعادة كل مراكز القرار السياسي والأمني.


هذا المسار السياسي الطويل خاصة بعد العام 2008، كان على حساب مصلحة البلد وإقتصاده وإزدهاره ورفاهية بنيه، بحيث تراجعت الإنتاجية وزاد الإنفاق السياسي على الأزلام، وإنتشر الفساد كرشاوى سياسية دون وازع أو رادع، حتى بلغ السيل الزبى وجاءت ثورة 17 تشرين، ضد هذه الطبقة السياسية بمختلف فئاتها، لتجدها القوات اللبنانية مناسبة للإستقالة من الحكومة مباشرة بعد إندلاع التظاهرات، قبل أن تعود الحكومة وتستقيل، ونأت بنفسها عن السلطة خاصة بعد أن وجدت نفسها وقد أصبحت شاهد زور في الحكومة، بعد أن إنقلب جبران باسيل عليها وعلى تفاهم معراب، بعد إبرامه التسوية الرئاسية مع سعد الحريري.
إتخذت القوات اللبنانية خيارها إلى جانب 17 تشرين برغم التباين مع بعض مكوناتها، وشاركت ولا تزال في تحركات الشارع بقوة وفعالية، لدرجة أن السلطة الفعلية بالبلد التي هي حزب الله، بات يتهمها بأنها المحرك أو بأقل تقدير بأنها تركب الموجة، لتحقيق أهدافها السياسية وأهداف داعميها الإقليميين، كالسعودية مثلا و”السفارات” ، وبدا ذلك واضحا، من طريقة تعامل القوى الأمنية مع التحركات في المناطق، التي يتحرك فيها مناصرو القوات اللبنانية ، بالتوازي رفضت القوات كل المحاولات السياسية لإعادة تركيب السلطة السياسية بالشروط السابقة، فأمتنعت عن تسمية أي شخصية لرئاسة الحكومة الجديدة، بإستثناء نواف سلام الذي كان ترشيحا رمزيا أكثر منه واقعيا، وطرحت الإنتخابات النيابية المبكرة حلا بهدف محاولة تغيير الأكثرية النيابية. هذه التحركات في الشارع وهذا الإستنكاف السياسي – إذا صح التعبير – وضع القوات اللبنانية بمواجهة السلطة السياسية، بموضع شبيه بما آل إليه الوضع في بداية التسعينات، حينما وقع الخلاف على طريقة تنفيذ إتفاق الطائف، بعدما تغيرت الظروف بعد حرب الخليج الأولى، وإطلاق يد حافظ الأسد في لبنان، فكان ما كان من تفجير كنيسة سيدة النجاة، التي أتخذت ذريعة لفتح ملفات الحرب الأهلية، التي كانت قد طالها العفو العام، ووسيلة ل “تأديب” سمير جعجع، ورسالة لغيره ممن تسول له نفسه الإعتراض، واليوم وبعد ” تحييد ” سعد الحريري ووليد جنبلاط كي لا نقول أكثر، يبدو سمير جعجع الوحيد من المكونات السياسية الرئيسية في البلد، الذي يقارع السلطة على طريقة “ما بقي بالميدان إلا حديدان”، خاصة بعد زلزال تفجير مرفأ بيروت، الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر أي تفاهم ممكن أن يستجد مع السلطة.

سقطت حكومة حسان دياب ذات اللون الواحد تحت أنقاض المرفأ وعجزت السلطة عن تشكيل بديل لها طيلة عام،


سقطت حكومة حسان دياب ذات اللون الواحد تحت أنقاض المرفأ، وعجزت السلطة عن تشكيل بديل لها طيلة عام، كما عجزت عن إدارة ملف التحقيق في قضية المرفأ إدارة سليمة، كما نرى حتى اليوم وموقف القوات من هذا الموضوع هو حازم وصارم، ما أعطى لمواقف القوات اللبنانية شرعية ومنطقية، وهو ما يبدو أنه بات يشكل إزعاجا شديدا للسلطة، فبدأت الأوركسترا الإعلامية تعزف على وتر “الإستثمار السياسي” لقضية المرفأ، المدفوع أميركيا وسعوديا وفي خدمة إسرائيل، ومن ضمن تصفية حسابات داخلية مع العهد، وبالتوجه بالحديث إلى أهالي الشهداء بأن “لا تسمحوا لبعض السياسيين ولبعض المجرمين، ولبعض أصحاب التاريخ في القتل وإرتكاب الجريمة أن يوظفوا دماء أبنائكم” ، ترافق ذلك مع ” غزوة ” الجميزة الشهيرة في ذكرى الإنفجار مصحوبة بالشعار الشهير، “صهيوني صهيوني سمير جعجع صهيوني ” ، وما جرته من ردة فعل قواتية عنيفة كادت أن تودي إلى ما لا تحمد عقباه، وبعدها إنفجرت قضايا إبراهيم الصقر دفعة واحدة، ما بين تخزين البنزين والمتاجرة بنيترات الأمونيوم، هذه القضايا التي سلطت عليها الأضواء بطريقة مثيرة أكثر بكثير، مما سلط على حالات مشابهة كحالة عصام خليفة وربيع حسونة وغيرهم.

هل نحن أمام سيناريو مماثل لسيناريو سيدة النجاة عام 1994؟

اليوم وبعد أن تصاعد التوتر على خلفية عمل القاضي طارق البيطار، وبعد التهديد الشهير ضده من قبل وفيق صفا، ومن بعده كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بضرورة تنحيته، والخلاف الذي إنفجر في مجلس الوزراء الذي وصل أيضا حد التهديد، وهو ما أعتبر بمثابة “7 أيار قضائي”، جاءت تظاهرة قصر العدل التي “إنحرفت” عن مسارها ودخلت عين الرمانة برمزيتها، بسيناريو شبيه بما حدث في الجميزة وبنفس الشعارات الإستفزازية والتي خلصت هذه المرة إلى ما لا يحمد عقباه، بمجزرة خلفت 7 ضحايا وأكثر من 30 مصابا، وإتهامات للقوات اللبنانية بتدبير كمين والقنص بإتجاه التظاهرة، وتجييش إعلامي وسياسي تخطى كل المحرمات، في الخطاب السياسي اللبناني ضد رئيسها سمير جعجع، وصل بعضها حد المطالبة علنا بإعادته إلى السجن وحل الحزب، وكل هذا قبل أن يبدأ التحقيق بالأحداث لمحاولة تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بشكل يذكر بما حصل بعد تفجير كنيسة سيدة النجاة التي أودت بسمير جعجع إلى السجن طيلة 11 عاما، وأدت إلى حل حزبه يومها، ما يدعو إلى التساؤل ومن دون أن يبدو هذا تبريرا أو تعاطفا مع القوات اللبنانية أو مع سمير جعجع، الذي لنا عليها وعليه ألف مأخذ ومأخذ كغيره من زعماء هذا البلد المنكوب، هل نحن أمام سيناريو مماثل لسيناريو سيدة النجاة عام 1994؟ وهل هناك محاولة لتدفيع سمير جعجع ثمن مواقفه السياسية المعارضة للعهد، والأهم المعارضة وبسقف عال لسلاح حزب الله وإمتداداته الإقليمية – ولا ننسى هنا في الخلفية قضية خطف الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة عام 82، والتي يُتهم بها سمير جعجع – وهو الوحيد تقريبا الذي لا يزال يتحدث هذه اللغة، الذي تجعل منه آخر العقبات في وجه الهيمنة الكاملة لحزب الله على البلد؟

القوات اللبنانية اليوم تعتبر محشورة سياسيا في ظل عزلتها وعلاقاتها الفاترة وشبه المقطوعة مع غالبية الطيف السياسي اللبناني


أسئلة كثيرة مشروعة بعد كل الذي جرى ويجري، خاصة وأن القوات اللبنانية اليوم تعتبر محشورة سياسيا، في ظل عزلتها وعلاقاتها الفاترة وشبه المقطوعة مع غالبية الطيف السياسي اللبناني، سواء على المستوى المسيحي أو الوطني. فهل يكون سمير جعجع والقوات اللبنانية الهدف الأخير لشعار “إزالة آثار العدوان” ليكتمل المشهد، وفي حال صح وُجود هذا التوجه هل ينجح في ظل الظروف الحالية في لبنان والمنطقة، حيث لبنان بوضعه الحالي المنهار هو تحت المجهر الدولي، من حيث الإصلاحات المطلوبة، أم أن العالم وفي ظل الحوارات القائمة في المنطقة بهدف تسوية الصراعات، سيعيد في حال نضجت التسويات، تسليم لبنان إلى محور الممانعة بوجهه اللبناني حزب الله، مقابل الإتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وتأمين الحدود البرية كما كان دأب النظام السوري سابقا ودائما؟ كله وارد في منطقة كمنطقتنا، شهدت الكثير من الحروب والتسويات، التي كانت دائما تنتهي لصالح الأقوى والأقدر على عقد التسويات، بغض النظر عن مصلحة شعوب المنطقة ومستقبلها.

السابق
بعدسة «جنوبية»: لبنان يستذكر الشهيد وسام الحسن.. 9 سنوات على خسارة «رجل المهمات الصعبة»!
التالي
خاص «جنوبية»: البيطار و«القضاء الأعلى».. كلٌ «إنصرف» إلى عمله!