«قصيدتها صيدا»..الشاعرة الجنوبية ليلى عساف لـ«جنوبية»: أتناسى الأشياء المؤلمة لأعيش بسلام!

الشاعرة الجنوبية ليلى عساف

تكتب الشاعرة ليلى عساف عن مدينتها صيدا القديمة بقلمها الصارم، وتوجت باللوحة ما رسمته بالكلمات٠ وهي اليوم مع قصيدتها تدخل مدار الترجمة والظهور بحروف وكلمات انغلوساكسونية، مما يضيف الى افقها الشعري بريق الوجد والتواجد .
كلماتها ولوحاتها تروي حكايتها بكل صدق وعمق :”كان علي ان اقف قليلا اتسلق ظلا يهيم كروحي القديمه لكنه لم يتاخر عن اللحاق بي/ يتلصص مثلي على مدينه افلتت مني في غياهب زواريب كعمق مدمى”.
تسعى الشاعرة عساف الى كتابة القصيدة الصافية، وتصل الى مفترقات وتقاطعات اللغة والمعنى، ولا تكترث لمعوقات في دربها الشعري. لذلك هي على أهبّة الشعر، والقصيدة هدفها الجميل، مهما كان صعباً. أصدرت عساف العديد من الكتب الشعرية، وفي كل كتاب قالت خبراً وصورة ومعنى… وكان ل “جنوبية” معها هذا الحوار.

اقرأ أيضاً: فنانات تشكيليات لبنانيات يرسمن لوحات تحاكي الزمان والمكان والناس

  • التجربة الابداعية في الكتابة أو كتابة القصيدة، كيف تتبلور في قاموسك الشعري؟
    أحياناَ أشعر بوزن ثقيل فوق رأسي، ولكي أنجو أقفز في التجريب، أتبع حركة السباحة الحلزونية التي هي مقر الطاقة. تأتي الكلمات… ما تبقى من عملية صيد أو افتراس لكل هذا الألم الذي يحيط بنا. يتم ذلك بالتكييف والإيجاز أو باستقطار لحظات الحياة. الإنسان يكون المحور الأساس في لعبة التأليف. أحياناً أبدل وجود الإنسان ببعض مخلفاته أو أشيائه الحميمة، وأشرع في تقليب الأحاسيس والأفكار. تطبخ القصيدة على نار هادئة وأحياناً على نار عالية. الشعر يصون الحضارة والإنسان، فبقدر ما فيه من معنى أو تجدد في اللغة، يكون شعراً فتبقى المعاناة هي رحم الإبداع… في أحيان كثيرة يأتي الشعر محمولاً بالوجع ومشحوناً بالانفعال والقلق والرغبة ليسود المعنى كنتاج المحور والتقطير والحذف. دائماً أمنع القصيدة من أن تكون فضفاضة. لا مفر من الانغماس في معاناة الحاضر التي لا توفر أحداً من الناس لتعبّر عن روح الجماعة… لم أكن يوماً كائناً مكتملاً، أمتلئ بما تعانيه البشرية. أحزانهم وأوجاعهم تفد إليّ من كل زاوية، وعليّ أن أكتب على أمل نسيان ما أكتب. كل يوم هو جديد، نعيشه بطريقة جديدة، فيما رائحة الموت تزداد. عليّ أن أتناسى كثيراً من الأشياء التي تؤلمنا لأعيش بسلام قبل أن ينطفئ هذا الجسد، ويعطي قلبي اللمعان. البداية تكون في استيعاب المشهد اليومي وإعادة تأليفه وتركيبه بشكل إبداعي.
  • كأنك تعيشين في زمن مختلف… كيف هي علاقتك مع الزمن؟
    إنها الحياة سواء كنت في أولها أو في منتصفها أو في آخرها. دائماً أنا على استعداد للقفز من قشرة الأرض الى نواتها… تأمل ما قاله ماركيز: «ليس العمر بما يملكه المرء من سنوات، بل بما يملكه من أحاسيس». عليك أن تكون بسيطاً ومتخففاً من عبء السنين التي عشتها لتعطي صورة منعشة ورشيقة. الساعة رمز للوقت الذي عليه أن يمر باتجاه الآتي. الساعة في يدي، ملتصقة بمعصمي، مضبوطة مع صيحة ديك في داخلي. اليوم مقسم الى فترات روتينية، كممارسة وظيفة أو العمل في البيت… تمضي بك الى أقصاها. اللجوء الى العمل الفني كالرسم أو كتابة الشعر يشعرك بالبعد الثالث للزمن، كأنك داخل سمفونية تبدأ بهدوء وتتصاعد أحياناً الى حد الانفعال الشديد، ثم تهدأ وهكذا دواليك… أحياناً أنك في غاية المثالية، لكن سرعان ما تكتشف أن ثمة برغياً مفقوداً. أحياناً نقيس الزمن بالسنتيمترات. هناك نخلة في مكان عملي، عرفتها منذ عشرين عاماً، كانت بقياس قامتي، واليوم تخطت الدور الثالث من المبنى… أنظر اليها فأرى عشرين عاماً من العمل في المكان نفسه… «الزمن لمواجهته».
  • قراءة الشعر واجبة لتكتمل القصيدة في داخلك…
    هناك الكثير من الكتّاب والشعراء والروائيين الذين أقرأ لهم. أقرأ كل ما يقع بين يدي وأغوص في كتاب يستهويني. هذا ما علّمني إياه أستاذ اللغة العربية في المرحلة المتوسطة، الشاعر حسن عبدالله… كان يقول لي: «اقرئي أي شيء حتى لو كان قُصاصة من جريدة على الأرض». نعم، المعلم هو الأساس لإطلاق أي موهبة أدبية أو علمية، وقد يكون مدمّراً أحياناً. الأستاذ حسن هو الذي شجعني على الكتابة. اكتشف موهبتي الأدبية من خلال مواضيع الإنشاء. الكتابة الإنشائية سيطرت عليّ في الفترة الأولى، ثم اكتشفت مع الشاعر عباس بيضون كيفية الانتقال من الإنشاء الى الكلام، فكانت الكتابة أشبه بعبور بحرٍ كبيرٍ وعميقٍ لأجل الوصول الى شاطئ الذات بحريةٍ من دون ادعاءٍ أو إحساسٍ زائف… كيف تصغي الى الزمان والمكان؟ كيف تواكب التطور المستمر والمخيف وروح الشعر تسكنك؟ كيف تحول الفكرة الى كلمات أشبه بلوحة؟ كيف تملأ الحياة بالحاضر لا بالذكريات؟ الكتابة أكثر ما احتاج إليه، أتناوبها مع الرسم. للكتابة طقوس، لكي أكتب عليّ أن أنعزل عن كل مصدر للتشويش، وأحاول ألا ألفت نظر أي شخص الى ما أقوم به، اذا كنت وسط الجماعة… وأتساءل بمَ ينفع الشعر؟ مثل كل الفنون، هناك وظيفة نفعية بالإضافة الى الوظيفة الجمالية. إنها سيادة المعنى. هذا ما جعل المتنبي قائماً بيننا. إنه المعنى الذي يجعلك تنتصر على الإحباط وتحافظ على الانسان فيك. إنه فعل مقاومة وتجدد للذات. إنه الحب عند دوستويفسكي: أمل وارتقاء انساني… «ما هو الجحيم؟ معاناة ألا تكون قادراً على الحب». الحب والسعادة، عليك القتال من أجلهما، والإصرار على الوصول والانتماء اليهما من دون هوادة.
  • هل منحك الشعر ما يمكنك ذكره الآن ولو باختصار؟
    الشعر هو المنقذ. حين أشعر بأنني فريسة محتملة، ألجأ الى كتابة الشعر أو الرسم. منذ فترة وجيزة شجعني بعض الأصدقاء على النشر على «فايسبوك». لمجرد أن يهتم أحد بقراءة ما أكتب، أعتبر ذلك إنجازاً. وكأنك تتابع الحياة من قصيدةٍ الى أخرى. الآخر حين يسمعك أو يصغي إليك… حتى لو كان بينك وبينه زجاج الجهاز. أحياناً كثيرة أشعر بالملل لكوني مغتربة، مجهولة. ذلك على الأقل يعطيني معنىً لما أقوم به، خاصةً بعض التعليقات. كأن الكلمات هي ملاذنا الأخير في عالمٍ يتدحرج سريعاً نحو الهاوية، ربما آخر يرى أنه في صعود نحو القمة… الموت أمر جدّي لا أحب التحدّث عنه كثيراً… أسعى للهروب منه دائماً باعتباره مزروعاً في داخلنا.
  • ما هي أمنيات الشاعرة ليلى عساف في هذه الحياة؟
    ثمة أمنيات وأشياء كثيرة في الحياة الخاصة والعامة. كنت آمل ألا تسقط بغداد، لكن توالت الهزائم …

السابق
«الثنائي» يَتبرأ من فشل الحكومة..و«حزب الله» يَخسر جولة جديدة أمام بيطار!
التالي
سابقة في تاريخ الديبلوماسية اللبنانية.. «لقاء عائلي» «على شرف «يهود لبنان»!