حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الوكالة وايران.. و«الشيطان ثالثهما»

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لغة مختلفة لجأت اليها ايران في الملف النووي، تظهر فيها محاولة اعتماد لهجة التشدد والتصعيد، في مواجهة مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هي خلاصة الموقف، الذي عبر عنه، مدير الوكالة رافايل غروسي بعد زيارته الاخيرة والمفاجئة الى ايران، قبل نحو اسبوع واجتماعه مع رئيس الوكالة الايرانية محمد اسلامي، وبعد التقرير الذي اصدره واتهم فيه ايران، بعدم التعاون في ما يتعلق باعادة تركيب كاميرات المراقبة الدولية، في منشآة “نسا” في مدينة كرج (40 كليومترا غربي طهران).

الرد الايراني على تقرير الوكالة الدولية، جاء على لسان اسلامي من العاصمة الروسية موسكو، التي يزورها في اطار تنسيق الجهود لمواجهة المرحلة المقبلة، وآليات العودة الى مفاوضات فيينا، بالاضافة لبحث موضوع التعاون النووي بين البلدين، وفي مقدمته تفعيل العمل في المرحلة الثانية، من مفاعل بوشهر لانتاج الطاقة الكهربائية. واتهم الوكالة بتسريب المعلومات الى الجانب الاسرائيلي، الذي قام باستهداف عدد منها بناء على ذلك، خصوصا منشآة كرج، وان رفض ايران لاعادة تركيب كاميرات المراقبة، سيسمح للاعداء باعادة استهدافها، خصوصا وانها تقوم بالجزء الاكبر في عملية تصنيع اجهزة الطرد المركزي. وخلافا لكل التصريحات السابقة للمسؤولين الايرانيين، حول حجم الاستهداف الذي حصل قبل اشهر، فقد اعترف اسلامي باضرار كبيرة ما زال العمل مستمرا لاصلاحها واعادة نبائها.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: عرفَ الإيراني مكانه.. ماذا عن مكانته؟!

يبدو ان المجتمع، وتحديدا واشنطن وعواصم الترويكا الاوروبية المشاركة في الاتفاق النووي، لم تعد قادرة على الاستمرار في اللعبة التي تقوم بها طهران، في تعطيل عملية احياء الاتفاق النووي، في اطار ما سبق ان تم التوصل اليه قبل اربعة اشهر من تفاهمات، مع كبير المفاوضين السابق عباس عراقتشي. وما مسارعتها لاعلان تأييدها ودعمها، لتقرير مدير الوكالة الدولية، سوى مؤشر على تبني هذه العواصم، لمسار العودة الى سياسة الضغط والتهديد لايران، خصوصا وان مدير الوكالة، لم يأخذ في تقرير التفاهمات، التي توصل اليها في زيارته الايرانية حول آليات التعامل مع هذه المنشآة، التي تؤكد طهران انها لم تكن جزء من هذه التفاهمات. 

واشنطن وعواصم الترويكا الاوروبية المشاركة في الاتفاق النووي لم تعد قادرة على الاستمرار في اللعبة التي تقوم بها طهران

هذا الموقف الايراني من دور الوكالة، وما يمكن ان يتسرب من معلومات تحصل عليها، من كاميرات المراقبة او من خلال عمل المفتشين، الى الجانب الاسرائيلي لاستخدامها في استهداف وضرب المنشآت الحيوية والاساسية في البرنامج النووي، قد يدخل في دائرة الارتياب الايراني ، بغض النظر ان كان مشروعا او غير مشروع، من دور الوكالة الدولية. في المقابل، وبعد ان اصطدمت الوكالة بالرفض الايراني، بعدم السماح لها بالعودة الى بعض المنشآت، وتعطيل عمل آليات التفتيش المباغت، وعدم حصولها على اجابات واضحة من طهران، حول الاثار التي عثر عليها ليورانيوم مخصب، بمستويات تفوق المستوى الذي اعلنت عنه رسميا- اي 60 في المئة- فان من حقها اعلان ارتيابها المشروع ايضا في النوايا الايرانية، بالعمل على الاستمرار بنشاطات التخصيب، بعيدا عن اعين الرقابة الدولية، وانها تعمل للوصول الى مرحلة انتاج السلاح النووي، او على الاقل امتلاك القدرات التكنولوجية، للقيام بعملية التفجير النووي او الانشطار الذري، من دون الانتقال الى عملية التصنيع. ويزداد هذا الارتياب نتيجة ما تعتقده الوكالة وعواصم الترويكا، بان عدم الاستجابة الايرانية للدعوات الدولية، المطالبة بالعودة الى طاولة التفاوض لاعادة احياء الاتفاق النووي، يدخل في اطار الاستراتيجية الايرانية، القائمة على المماطلة في اعلان القرار الحاسم حول العودة الى التفاوض، وعدم تحديد موعد واضح لاستئناف المفاوضات، بهدف استغلال المزيد من الوقت، بما يساعدها في الوصول الى النقطة التي تسعى لها، في تطوير عمليات التخصيب، بحيث تعود الى طاولة التفاوض بشروطها. 

تقرير الوكالة الدولية قد  يدفع ايران الى مستويات متقدمة من التشدد في التعامل مع موضوع المفاوضات

تقرير الوكالة الدولية، قد  يدفع ايران الى مستويات متقدمة، من التشدد في التعامل مع موضوع المفاوضات، ورفض التحذير الاوروبي شديد اللجهة، الذي صدر على لسان الشريك الفرنسي، الذي اكد ضرورة عودة طهران وواشنطن الى طاولة التفاوض في فيينا من دون شروط مسبقة، وهو ما تفرضه ايران وتعتبر انه يخدم الرؤية الامريكية، في حين ان العودة من وجهة نظرها مرتبطة بالقرار الامريكي، بالغاء جميع العقوبات التي تم فرضها، بعد قرار ادارة الرئيس السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق. وذهبت الى التصعيد في موقفها من خلال رفض اي تدخل امريكي في العلاقة بينها وبين الوكالة الدولية، والتأكيد على حقها في الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية والنووية في مواجهة الضغوط الامريكية. 

وسبق لرئيس الجمهورية قبل اسبوع، خلال استلامه لاوراق اعتماد السفير البريطاني الجديد لدى طهران، ان وجه رسالة الى الدول الاوروبية، بان بلاده لن ولا تخضع لظلم وجور اي دولة، ولا تقبل باي ضغوط تهدف الى حرمانها من حقها. الا ان المندوب الدائم لايراني في الوكالة الدولية كاظم غريب آبادي، حذر الدول الغربية والوكالة من مغبة التفريط بالاتفاق الذي عقده مدير الوكالة مع ايران. وذلك في موقف يحمل رسالة ايرانية واضحة، بان طهران متمسكة بالتفاهم مع الوكالة وفي الوقت نفسه باتفاق فيينا، وتحاول عدم الوصول الى نقطة اللاعودة في التصعيد المتبادل مع واشنطن، لانها تدرك ان انهيار هذا الاتفاق، يعني خسارتها لاخر فرصة في الخروج من العقوبات، والعودة الى علاقات طبيعية مع المجتمع الدولي، وما حصلته من اعتراف بالانشطة النووية وحقها في امتلاك هذه التكنولوجيا. 

تتخوف من ان تلجأ ايران الى اتخاذ خطوة تصعيدية باعلان الخروج من اتفاق فيينا

في المقابل فان الترويكا الاوروبية وواشنطن، تتخوف من ان تلجأ ايران الى اتخاذ خطوة تصعيدية باعلان الخروج من اتفاق فيينا، وبالتالي تفقد هذه الدول الفرصة الوحيدة المتبقية، التي تسمح لها بمراقبة ومعرفة حجم التقدم، الذي وصل ويصل اليه البرنامج النووي، ويضمن لها ان لا تتفاجئ باختيار نووي ايراني، ينقلها الى نادي الدول النووية العسكرية، وما يمكن ان يؤدي له من سباق تسلح نووي في المنطقة، وقد يدفع اسرائيل للقيام بعمل عسكري منفرد، قد يؤدي الى توريط هذه الدول في ازمة لا ترغب في ان تصل اليها. 

الضغوط السياسية والتقنية التي لجأت اليها الوكالة الدولية والترويكا الاروربية، قد يكون الهدف منها دفع ايران الى موقف تصعيدي، مبني على ردة الفعل من التفرير، وان تلجأ الى خطوات جديدة في محاصرة عمل الوكالة الدولية الرقابي، بحيث يصبح الطريق امام هذه الدول مفتوحا، لاحالة الملف الايراني مجلس الامن الدولي واعادة العقوبات الشاملة، وصولا الى البند السابع، وانهيار كل فرص الحل والحوار والتفاوض. 

وتراهن هذه الدول على المخاوف الايرانية المترتبة من الوصول الى مجلس الامن، خصوصا البند السابع والنتائج التي تترتب عليه، وامكانية الاطاحة بعضويتها في منظمة شنغهاي للتعاون، خاصة من العضوية التي حققتها مؤخرا ما تزال في مرحلة الاختيار لمدة سنتين، واي دولة تدخل تحت البند السابع، قد تخسر هذه العضوية، وهو الامر الذي اخر دخول طهران الى هذه المنظمة خلال السنوات الماضية، نتيجة وقوعها تحت شروط البند السابع. 

السابق
لماذا لا يريد «حسبالله» اتهام اسرائيل بتفجير المرفأ وماذا سيترتب عليه من نتائج لو كُشِفَت الحقيقة؟
التالي
خاص «جنوبية»: الشيخ بسام الطراس امام «العسكرية» بتهمة الارهاب.. وهذه «سيناريوهات» الدفاع عن نفسه!