لبنان يكشف المتورّطين بعملية تهريب الكبتاغون للسعودية

الطوائف الشرقية عيد الفصح

بمعزل عن الـ «لا نتائج» الحاسمة التي ستنتهي إليها زيارةُ وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان لبيروت الأربعاء والخميس المقبليْن، فإنّ هذه المحطة ستعاود بالتأكيد وضْعَ أزمةِ تأليف الحكومة الجديدة في الواجهة السياسية الداخلية بعد انكفاءٍ لأكثر من أسبوعيْن شكّل خلالهما هذا الملف محور حركة لبنانية في اتجاه الخارج وتحديداً الفاتيكان وموسكو قبل أن تدخل عليه باريس مُطْلِقةً ما يشبه «الرصاصة في الهواء» عبر إعلانها بدء تنفيذ «إجراءات تقييدية» على الوصول إلى الأراضي الفرنسية ضدّ الشخصيات اللبنانية المتورطة في الانسداد السياسي الحالي أو المتورطة في الفساد.

ورغم الوقْع السياسي والمعنوي لانطلاق «الجناح الفرنسي» من العقوبات على شخصيات لبنانية، فإنّ أوساطاً سياسية لا تبني توقعاتٍ عالية على ما بدا «طريقاً مختصَرة» لجأت إليها باريس التفافاً على التعقيدات التي تحول دون توفير حاضنة أوروبية إجماعية لهذا المسار الذي يتطلّب ديبلوماسية مكثّفة وتالياً وقتاً لا يحتمله واقع «بلاد الأرز» التي تُسابِق السقوط المريع ولا «هيْبة» فرنسا ورئيسها الذي انزلق إلى «المستنقع» اللبناني من دون أن يملك «أدوات التأثير» اللازمة منذ إطلاق مبادرته قبل نحو 8 أشهر ووقوعها أسيرة موازين القوى في بيروت وصراعات المنطقة التي تتحكّم بخيوطها أطراف اقليمية ودولية لها امتدادات مباشرة في الوضع اللبناني.

وفي رأي هذه الأوساط أن إبقاءَ لودريان أسماء المدرَجين على لائحة «التقييد» ورقة مستورة يعكس «تَخَبُّطاً» فرنسياً في مقاربة الملف اللبناني الشائك الذي يرتّب التقدّم غير المحسوب فيه بعصا العقوبات الغليظة والمعلَنة تكبيد باريس ومبادرتها المستنزَفة أصلاً «جِراحاً» قاتِلة، في حين أن أكلاف أي خطوات تَراجُعية ستكون من الرصيد الخارجي الذي يحاول الرئيس ايمانويل ماكرون مراكَمته والذي باتت مآلاته، انتكاساتٍ أو مكاسب، جزءاً لا يتجزّأ من المعركة الرئاسية في بلاده (انتخابات 2022).

إبقاءَ لودريان أسماء المدرَجين على لائحة «التقييد» ورقة مستورة يعكس «تَخَبُّطاً» فرنسياً في مقاربة الملف اللبناني الشائك

ولا تستبعد هذه الأوساط أن يشكّل وَضْع فرنسا العقوبات على الطاولة ما يشبه «الغطاء الناري» الذي يتيح لها انسحاباً، مع حفْظ ماء الوجه، من الملف اللبناني متى استشعرتْ بأن مسعاها وَصَلَ الى «خط النهاية» في ضوء «تَعدُّد الرؤوس» الخارجية في هذا الملف والاستشعار المتعاظم بعدم «حاجة» الأطراف الوازنين داخلياً لتسليف فرنسا «فوزاً» في الساحة اللبنانية فيما المنطقة على مشارف «توزيع الخسائر والأرباح» بين اللاعبين الكبار انطلاقاً من «النووي» الإيراني ومآلات المفاوضات حوله.

لكن هذه القراءة لا تعني وفق الأوساط نفسها التقليل من أهمية الأبعاد التي تعبّر عنها «الغضبة» الفرنسية بإزاء الوضع اللبناني وسلوك غالبية الطبقة السياسية والتي تشاطرها فيها عواصم عربية وغربية، وسط اقتناعٍ بأن استئناف مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل بعد غد بوساطةٍ أميركيةٍ ورعاية أممية وبدفْعٍ من واشنطن ليس مؤشراً إلى رغبة الأخيرة بـ«تعويم» هذه الطبقة أو إدارة الظهر لمرتكزات موقفها من حكومة الإصلاحات ومن تمكين «حزب الله» لبنانياً بمقدار ما أنه تَقاطُعٌ مع محاولةٍ لبنانية لكسْب الوقت وتفادي الظهور في موقع معرْقِل إحياء مسار تفاوُضي صارت له امتداداتٌ تتصل بحسابات أفرقاء محليين (مثل الوزير السابق جبران باسيل) لجهة معاودة «ترسيم العلاقة» مع واشنطن التي انقطعت «خطوطها» مع العقوبات التي فُرضت عليه في نوفمبر الماضي.

المنطقة على مشارف «توزيع الخسائر والأرباح» بين اللاعبين الكبار انطلاقاً من «النووي» الإيراني ومآلات المفاوضات حوله.

وفي موازاة ذلك، بقي الاهتمام بملف حظْر الرياض دخول إرساليات الخضار والفواكه الآتية من لبنان لأراضيها بعد ضبْط شحنة رمّان ملغومة بمواد مخدّرة توّجت مسلسل «استهداف ممنْهج»أعلنت المملكة العربية السعودية بإزائه «انتهى وقت اللعب بأمننا».

وكان لافتاً أمس تأكيد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي (كُلف متابعة الملف مع الرياض) أنه «لا يمكن لأيّ دولة أن تضبط حدودها مئة في المئة، ولكن بدأنا بمتابعة الموضوع وسنفعّل ضبط الحدود استناداً إلى توجيهات رئيس الجمهورية ميشال عون والأوامر التي أُعطيت من المجلس الأعلى للدفاع، وستتمّ محاسبة أيّ مسؤول عن أيّ فساد أو تهريب».

وأبلغ فهمي لتلفزيون «ام تي في» انه «تمّ الكشف عن المتورّطين في عملية تهريب الكبتاغون، ومتابعة الموضوع جارية، والدولة اللبنانية ستتّخذ الإجراءات اللازمة بحقّ المتورّطين بهذا الملفّ ولا يمكن تأكيد تورّط(حزب الله)»، وأضاف: «التواصل لم ينقطع مع السعودية وبدل استجدائنا بالوضع الاقتصادي الصعب لرفع الحظر عن المنتجات اللبنانية، يجب أن نعمل يداً بيد وأن نكون حازمين أكثر في الموضوع (التهريب)».

وجاء موقف فهمي على هامش جولة قام بها على نقاط العبور الحدودية مع سورية والخط الممتد من الشمال الى البقاع حيث تفقّد المعابر وعاين النقاط التي تستخدم للتهريب في هاتين المنطقتين.

وقد نوّه بـ«تعاون الجيش مع الأجهزة الأمنية لضبط الحدود، وإعادة بث ثقافة أضرار التهريب، وهنا تأتي مسؤولية الدولة بتنشيط الاقتصاد في كل المناطق خصوصاً الحدودية، لأن التهريب مشكلة مزمنة يعود تاريخها الى ما قبل العام 1975».

وفي موازاة ذلك، كان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يوجّه في عظة الأحد الشكر لـ«قادةَ المملكةِ العربيّةِ السعوديّةِ على إعادة السماحِ للشاحنات اللبنانيّة (كانت على حدودها) عالقة بالدخول إلى أراضيها ونتمنى أن تعيدَ النظرَ أيضاً بقرار حظر المنتجات الزراعية نظراً لانعكاساته السلبية على الشعب اللبناني تحديدا».

وقال الراعي:«إن أجهزةَ الدولةِ باشَرت دهْم أوكارِ المهرِّبين وتجّارِ المخدرات»، معتبراً أنّ«من واجب الدولةَ أن تكافح بجدّية هذا الوباءِ الصِحيِّ والاجتماعيِّ، وأن تبسط سلطتها على المُربَّعاتِ والمناطق حيثُ السلاحُ المتَفلِّت يَحمي زراعةَ المخدّرات وتجارتها وتصديرها. وكم طالبنا الدولةَ أن تُقفِلَ جميعَ المعابرِ غيرِ الشرعيّةِ وتُراقِبَ بجدِّيةٍ المعابرَ الشرعيّة كذلك، وتَقبِضَ على عصاباتِ التهريب».

أما الملف الحكومي الذي ما زال«مقفلاً بالكامل»، فقاربه رأس الكنيسة المارونية من زاوية شاملة تتصل بمجمل الواقع اللبناني، إذ قال:«أيّها المسؤولون، الحكومةُ ليست لكُم بل للشعب. كفى شروطاً لا تخدم الوطن والمواطنين، بل مصالح السياسيّين»، مؤكداً أنّ «هذه هي الأسباب التي حملتنا على المطالبة بعقد مؤتمر دوليٍّ خاصٍّ بلبنان، وبإعلان حياد لبنان»، مضيفاً: «تؤكّد الممارسة السياسيّة أنَّ لبنان، مهما طال الوقت، لا يقوم من حالتِه من دونِ مؤتمرٍ دوليٍّ يعلن حِيادَه.

إقرأ ايضاً: المجاعة تزحف جنوباً.. ومنازل تتحول الى «دكاكين»!

وخارجَ هذا المسارِ سيبقى لبنان يَخرجُ مِن أزْمةٍ إلى أخرى، ومِن حربٍ إلى أخرى، ومن فشلٍ إلى آخر، ويعطي انطباعاً بأنّنا شعبٌ لا يِعرفُ أن يحكمَ نفسَه بنفسِه، وأصلاً هذا هو هدفُ الّذين يَمنعون تأليفَ الحكومةِ وإعادةَ بناءِ الدولة».

بيروت تنتظر لودريان و… تشاؤم حيال انفراج حكومي

واعتبر أنَّ«مسؤوليّةَ الأممِ المتحدة والدولِ الصديقةِ الذهاب إلى عمقِ القضيّةِ اللبنانيّة، وإلى جوهرِ الحلّ. صحيحٌ أنّنا بحاجةٍ إلى حكومة، لكنّنا بحاجةٍ إلى حلِّ القضايا والصراعاتِ التي تَمنع من أن يكونَ لبنانُ دولةً في حالة طبيعيّة»، وأضاف:«إن ما نشكو منه هو: منعُ تأليفِ الحكوماتِ وإجراءِ الانتخاباتِ النيابيّةِ والانتخاباتِ الرئاسيّة، ومنعُ تطبيقِ الدستورِ وتشويهُ مفهوم الميثاقِ الوطنيِّ، وتعطيلُ النظامِ الديموقراطيِّ، والحؤولِ دون تثبيتِ سيادةِ الدولةِ عبرَ جيشِها داخليًّا وعلى الحدود، كلِّ الحدود، ومنعُ إنهاء ازدواجيّةِ السلاحِ بين شرعيٍّ وغيرِ شرعيٍّ، وإعادةُ النازحين السوريّين إلى بلادِهم، وحلّ قضيّة اللاجئين الفِلسطينيّين الموجودين على الأراضي اللبنانية»، مؤكداً أنَّ«غالبية هذه القضايا تَستلزم مساعدةً دوليّةً لأنَّ مصدرَها ليس لبنانيًّا بل جاءتنا نتيجةَ صراعاتٍ عربيّةٍ وإقليميّةٍ ودوليّةٍ استغلَّت انقساماتِنا العبثيّة».

السابق
مفاوضات ترسيم الحدود المائية ستشهد تسريعاً بضغط أميركي وأممي
التالي
لبنان يصارع عصابات المخدرات بين حقبتي الحشيش المحلي والكبتاغون السوري