حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هل تدس إيران السم في عسل العرب؟!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

بموازاة الاشارات الصادرة عن الادارة الامريكية الجديدة التي تحمل بعض الايجابية، حول آليات العودة الى تفعيل الاتفاق النووي الموقع بين السداسية الدولية وايران، بدأت طهران جهوداً دبلوماسية حثيثة وواضحة مباشرة، وبالتنسيق مع الحليفين الروسي والصيني، لتفكيك بعض الالغام التي قد تواجهها على طريق ملاقاة واشنطن على طاولة التفاوض، لاحياء هذا الاتفاق والحدّ من شبح التغييرات التي تضغط بعض العواصم الاوروبية والعربية بالتنسيق مع الادارة الامريكية، لفرض مبدأ توسيع دائرة السداسية الراعية او المشاركة في الاتفاق النووي. 

اقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: العصبيات الضيقة من هاني فحص الى قاسم قصير

الحدّ من المخاوف العربية

الحراك الذي بدأه الرئيس الامريكي جوزيف بايدن، ان كان باتجاه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، او الروسي فلاديمير بوتن والتباحث حول الازمة الايرانية وامتداداتها الاقليمية، ان كان في لبنان عبر الشريك الفرنسي، او سوريا والخليج عبر الجانب الروسي، تزامنت مع حراك دبلوماسي للخارجية الايرانية، يقوده فريق الوزير محمد جواد ظريف شخصياً باتجاه موسكو والعاصمة التركية، ومساعده عباس عراقتشي باتجاه سلطنة عمان ودولة الكويت، من اجل توفير الارضية المساعدة لاستيعاب اي ضغوط امريكية وعربية واوروبية، قد تمارس مع ارتفاع احتمالات اعادة اطلاق عملية التفاوض حول تفعيل الاتفاق النووي، وما تتضمنه من رغبة قد تتحول الى ارادة امريكية لتوسيع الدول المشاركة فيه، لتضم دولاً عربية معنية بالازمة الايرانية نووياُ وصاروخياً واقليمياً، كمدخل للتخفيف من هواجسها وقلقها من الطموحات الايرانية بمختلف مستوياتها.

بدأت طهران جهوداً دبلوماسية حثيثة لملاقاة واشنطن على طاولة التفاوض لاحياء الاتفاق النووي

باب سعوي موارب

الضوء الاصفر الذي صدر عن وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، حول استعداد المملكة لفتح باب الحوار مع النظام الايراني ضمن الشروط العربية والدولية، تلقفته طهران بكثير من الترحيب الذي لا يرقى الى مستوى تهدئة المخاوف العربية والسعودية تحديداً، بل كمدخل لفتح مسار مواز لمسار اعادة تفعيل الاتفاق النووي وابعاد شبح الضغوط التي تمارس لتوسيع الدول المشاركة فيه. وفي اطار هذه المخاوف الايرانية ومحاولات قطع الطريق على اي تعديل، قد يؤدي الى دخول عربي على المجموعة الدولية المعنية بالاتفاق النووي، تأتي الزيارة التي يقوم بها ظريف الى موسكو، والمباحثات التي اجراها مع نظيره الروسي سيرغي لافروف،  الى جانب المسائل المتعلقة بالدور والموقع الايراني في تطورات منطقة القوقاز الجنوبية، بعد نتائج الحرب الارمنية الاذربايجانية في اقليم ناغورنو قره باغ. وهي رغبة ايرانية تتوافق مع رغبة روسية ايضاً لاعادة تفعيل دورها في الوساطة بين ايران والدول الخليجية، الذي بدأته منذ عاد 2015 وارتفعت وتيرته خلال السنتين الاخيرتين، مع ارتفاع حدّة التوتر بين واشنطن وطهران واقتراب منطقة الخليج من حافة الحرب والمواجهة العسكرية، بالاضافة لما في ذلك من تأثير على الازمة السورية، والدور الذي تحاول موسكو تكريسه على هذه الساحة، بين القوى الفاعلة فيها سواء ايرانية او تركية او عربية او امريكية او اسرائيلية. 

استعداد المملكة لفتح باب الحوار مع النظام الايراني ضمن الشروط العربية والدولية تلقفته طهران بكثير من الترحيب

انعاش فكرة روسية في الخليج

العودة الى التذكير بالمشروع او الطرح الذي تقدم به الكرملين قبل نحو سنة ونصف، حول اقامة تفاهم عربي ايراني يساعد على توفير الامن في الخليج ومضيق هرمز، يعتبر على نحو ما تطويراً للطرحين اللذين تقدمت بهما طهران على لسان ظريف، حول تشكيل منظومة محلية تحت عنوان “سلام او امن هرمز” و”معاهدة عدم الاعتداء” بينها وبين الدول الخلجية، تؤسس لمرحلة من التنسيق والتعاون من اجل بناء قوة مشتركة، تقوم على تأمين استقرار المنطقة وامن الطاقة بعيداً عن اي وجود لقوى خارجية سواء كانت امريكية او من حلف الناتو. 

عودة الى التذكير بطرح الكرملين حول اقامة تفاهم عربي -ايراني يساعد على توفير الامن في الخليج ومضيق هرمز

ايران تتمسك بسداسيتين

وفي مقابل الطرح الامريكي الاوروبي العربي لتوسيع السداسية الدولية الراعية للاتفاق النووية، فان الطرح الايراني للتعاون مع دول الخليج، يقوم على توسيع سداسية مجلس التعاون الخليجي لتكون ثمانية تضم كلا من ايران والعراق، وان المجموعة الجديدة التي من المفترض ان تكون مدخلاً لتكريس الدور الايراني، انطلاقاً من الصورة التي تحاول طهران تأكيدها من خلال تفوقها العسكري وامتداداتها الاقليمية، من المفترض ان تؤسس للتعاون في اطار مجموعة من البنود والشروط التي تساعد على تعزيز اطروحة او رؤية الرئيس الايراني حسن روحاني، التي قدمها بعد وصوله الى رئاسة الجمهورية 2013 من اجل بناء “منطقة قوية” لا تعتمد على القوى الخارجية في الامن والتعاون والتنسيق والتعاون.

الطرح الايراني للتعاون مع دول الخليج، يقوم على توسيع سداسية مجلس التعاون الخليجي لتكون 8 تضم كلا من ايران والعراق


المشروع الايراني للتعاون الاقليمي الذي عادت الدبلوماسية الايرانية لتسويقه مقابل توسيع السداسية الدولية، يحمل الكثير من النقاط التي تحاول طهران تحميلها للجانب العربي، في حين ان المأخذ العربي على الدور الايراني انه يضرب بعرض الحائط سيادة هذه الدول، من بوابة التدخل في شؤونها الداخلية وتعزيز القوى الموازية لمؤسسات الدولة فيها. 

رؤية ايران للتوافق في الخليجالجدل الداخلي الايراني حول ما يمكن ان يقوم عليه مشروع التعاون الاقليمي يدور حول ضرورة التوصل مع هذه الدول بالاضافة الى العراق للتوافق حول:

  • عدم تدخل هذه الدول في الشؤون الداخلية والامنية والدينية للدول الاخرى
  • عقد معاهدة عدم اعتداء بين الدول الثمانية وتقديم ضمانات امنية
  • التعاون السياحي بما يخدم مسألة تعريف شعوب هذه الدول بثقافات وعادات بعضهم البعض الاخر 
  • التعاون العلمي والجامعي والمؤسسات الثقافية والمؤسسات البحثية
  • الاستثمارات المشتركة بما يسمح لهذه الدول بالاستفادة من انجازاتهم االصناعية والعلمية والتحقيقية
  • الابتعاد عن الاختلافات الثقافية والتأكيد على المشتركات وتأسيس مراكز ثقافية مشتركة
  • التعاون المشتركة في مسألة الحفاظ على البيئة
  • تأسيس منظومة نقل بحري مشترك
  • التعاون في مجال الطاقة وتطوير حقول النفط والغاز 

هل ستكون طهران على استعداد لتقديم ضمانات لهذه الدول تؤسس لاقناعها في التصديق بتوجهها الجديد


العسل الايراني المقترح او الذي يعمل عليه، نتيجته ما تحاول ان تكرسه طهران من قناعة بان الحروب والنزاعات الطويلة في منطقة الشرق الاوسط، والخسائر الانسانية وتدمير البنى التحتية والهجرة وهدر المقدرات الوطنية والانسانية وغيرها، تشكل جزءا بسيطاً من نتائج الاختلافات المخربة القديمة بين دول الشرق الاوسط. وهو عسل يحاول استغلال الحقائق الجغرافية التي لا يمكن تغييرها او تعديلها، وبالتالي فهي تفرض على جميع هذه الدول التعايش السلمي الذي لا يتحقق سوى عن طريق التوصل الى سلام دائم وراسخ بينها. 

فهل ستكون طهران على استعداد لتقديم ضمانات ومحفزات لهذه الدول، تؤسس لاقناعها في التصديق بالتوجه الايراني الجديد، ام ان الهدف من هذا الطبق المحلى هو قطع الطريق على اي تطور تفاوضي مع واشنطن وابعاد شبح تحويل هذه الدول الى شريك دولي فاعل في تفاهمات مع واشنطن؟

السابق
بالفيديو.. من طرابلس الى بيروت: اعتصام في رياض الصلح احتجاجاً على تردي الأوضاع
التالي
توفي اثر مضاعفات كورونا.. اللقاء الروحي نعى القس نقولا ايوب