حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: العصبيات الضيقة من هاني فحص الى قاسم قصير

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

يقول الامام علي بن أبي طالب “أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم”
في الاسبوع الفائت، تحديداً مساء يوم السبت الخامس عشر من هذا الشهر يناير/ كانون الثاني 2021، فتحت رسالة سبق ان ارسلها لي الصديق والزميل علي مزرعاني مستخدما احدى منصات التواصل الاجتماعي وكنت قد تأخرت في الاطلاع عليها، فاذا بي أواجه هديّة قيّمة ووثيقة تاريخية تعود لتاريخ 22/11/1979 اخرجها من ارشيفه تتحدث ما نصه عن زيارة قام بها والدي السيد هاني فحص الى الجمهورية الاسلامية في ايران، والتقى مع صديقيه جلال الدين الفارسي ومحمد صالح الحسيني، “آية الله السيد علي خامنئي المشرف على وزارة الدفاع وممثل الامام آية الله الخميني ومجلس الثورة في الحكومة..”.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: تمثال سليماني..«مكروه» في إيران و«مستحب» في بيروت!

استحضار ذاكرة مغيبة

تقصدت عن سابق تصميم واصرار ان استفيد واستغل منصات التواصل الاجتماعي، التي قلما تفاعلت معها لمشاركة هذا الخبر الذي نشرته صحيفة السفير حينها، موطِّنا نفسي على ضرورة ضبط ردود افعالي ومشاعري امام ما يمكن ان يحصل من حملات تشويه او توجيه اهانات واتهام بالخيانة، او الخروج عن المسار والمسيرة والانتقال الى المعسكر المعادي. وفي اقل التقديرات ان انظر الى مشهديّة يسيطر عليها الصمت والذهول لاشخاص شاهدوا ما نشرته مفضلين اللوذ بالصمت والابتعاد عن التعليق سلباً او ايجاباً او تقديراً حتى لا تحسب عليهم.

واعترتني الحيرة من الخطوة التي قام بها الصديق المرهف واالدقيق والصادق في قناعاته واختلافاته وخلافاته قاسم قصير (اعانه الله) أن ينشر هذا الخبر على صفحته في منصات التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” تحديداً، وقلقت عليه من ردود الافعال التي سيجرها لنفسه جراء هذا، مع علمه بحساسية استحضار ذاكرة لم ولن يتنصل منها صاحبها، على العكس من البعض الذي يريد محوها من تاريخه من اجل تكريس حصرية العلاقة به، قافزاً على مسار تاريخي طويل ومعقّد ومتداخل لم يكن بداية صاحب تأثير فيه.

تتوزع هذه الجماعات التي تقف خلف هذه التعليقات بين طيف لا يرى للاخر حقًّا ان يكون صاحب دور تاريخي ومحوري الى حد الفرادة والتفرد!

ثلاثة اطياف تفاعلت مع الخبر – الاستعادة المنشور، كل من خلفيته الخاصة، الاّ أنّ اللافت في كل هذه التفاعلات او ما يسمى بلغة التواصل الاجتماعي التعليقات، انها جاءت محكومة بالخلفيات السياسية التي تحاول اسقاط مواقفها الأنية والحالية على التاريخ وتحاول تأطير الأخر في حدود فهمها الذي يقوم في كثير من الاحيان لا بل اكثرها على رفض ادوار تلك الشخصيات ومحاسبتها على التحولات التي طرأت على قراءاتها للاحداث والتحولات الاجتماعية والفكرية ضمن وحدة المنهج الذي اتّسمت به منذ دخولها معترك العمل العام السياسي والاجتماعي والفكري.

وتتوزع هذه الجماعات التي تقف خلف هذه التعليقات، بين طيف لا يرى للاخر حقًّا ان يكون صاحب دور تاريخي ومحوري الى حد الفرادة والتفرد، خصوصا في الحالة التي يتبناها هذا المتفاعل او يعتقدها، اما لقناعة او لمصلحة او لعداء او عناد مع جماعات اخرى مختلفة عنه ومتخالفه معه، وكأنه غير قادر على استيعاب ان يكون له شريك في هذه العلاقة التي يجب ان تكون حصرية به وبجماعته، خاصة وان ظهور ما يؤكد وجود مثل هذا الشريك سيصيب خطابه التحريضي ضد هذا الاخر، العائد الى الواجهة بارباك على مستوى الوعي الذي ضخّه في عقول جماعته، والقائم على استعداء وحتى تخوين هذا الآخر الذي لم يطمح يوماً ليكون شريكاً معه او له في المسار الذي اختاره، وذهب اليه في آليات تعامله مع الجهة التي اعتبر نفسه ممثلها الشرعي والوحيد.

التعددية وواقع الحال

لا بد لي هنا ان اؤكد على مسألة اساسية، وهي التمييز بين مستويين داخل هذه الجماعة، الأول يخص شريحة القيادات ومن يوصف بانه من الصف الاول تاريخيا وليس حديثا، وهي شريحة تعترف بريادة هاني فحص في العلاقة مع الارهاصات الاولى للثورة الايرانية منذ كان في النجف، واستقباله مع ثلة قليلة من اترابه للامام الخميني عند وصوله الى هذه المدينة، على الرغم من الموقف الحذر لحوزتها العلمية المتأتي بالدرجة الاولى من موقفها غير المرحب بالتداخل بين الدين والسياسية، انسجاما مع الدور التاريخي لهذه الحوزة التي بقيت على مدى اكثر من الف عام خارج السلطة، على العكس مما هي عليه الان والدور الذي تضطلع به على الساحة العراقية، وقد باتت اصوات وقع اقدام المرجعيات في النجف تسمع اصداؤها في شوارع السياسة البغدادية، وبين شريحة مستجدة على هذه المسيرة لاسباب علائقية، او بعد ان تقطعت بها السبل ولم تجد مكاناً تأوي اليه يوفر لها غطاء لاستمراريتها، الا انها مكشوفة لدى اصحاب القرار ويتعاملون معها بواقعية ووظيفية حرفية، بما يخدم المشروع السياسي ويعطيه نكهة تنوع وان كانت على نصاب مصلحي.

وهذه الشريحة تلجأ الى المغالاة في مواقفها، في مواجهة كل من لا ترضى عنه الجماعة او ترى هي نفسها امكانية ان يشكل تحد اخلاقي وعقدي، فتذهب الى رفع سقف “التسقيط” – بالاذن من الاخوة العراقيين – والاتهام واعتبار اي موقف لا يتطابق مع موقفها وجماعتها، بمثابة خيانة وانقلابا على العقيدة والمذهب والشرع ودماء الشهداء والمقاومين، ولا ترضى من اي مختلف الا ان يكون تابعاً مثلها وفي الميزان نفسه، حتى تواري عملية المصادرة التي تحولت الى حتمية تنقاد لها وتريد للاخرين ان ينقادوا، متناسين القاعدة القرآنية في الاية الشريفة التي تكرس التنوع والتعدد، “يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”(الحجرات- 13).

التعددية التي اكدها النص القرآني لا تتسق مع ما يمارس من فعل مصادرة للتنوع وحرية الرأي

التعددية التي اكدها النص القرآني لا تتسق مع ما يمارس من فعل مصادرة للتنوع وحرية الرأي وليس الاعتقاد “لكم دينكم ولي دين” (الكافرون)، وهو ما يمكن تلمسه في بيئة مشابهة وتعتبر مثالاً يقتدى به من قبل الجماعة اللبنانية، هي البيئة الايرانية، التي جنحت الى قبول بعض الاخر والاعتراف به، وان على مضض في الكثير من الاحيان، من باب الواقعية والاعتراف بما هو قائم اجتماعيا وعمليا وصعوبة مصادرته او الغائه، وان كان هذا الاعتراف او القبول مقيّد بشروط ومحددات لا تسمح له بلعب دور اساس ومحوري في الحياة العامة، وترك هامش لتحركه تحت سقف المصالح القومية التي تحددها السلطة منفردة. وهي على هذا الاساس بنت كل علاقاتها في الداخل والخارج، خصوصاً مع الخارج، من خلال تغليب المصلحة في نسج تحالفاتها وعلاقاتها والتي تشمل مروحة واسعة من المتناقضات ان كان على مستوى الدول او الافراد، من بعض الدول المطبعة مع اسرائيل الى افراد تتهمهم بالوقوف وراء الارهاب في مناطق نفوذها ان كان في العراق او افغانستان او غيرهما..

جرس انذار!

عود على بدء، اما الفريق الذي يقف في المقلب الاخر او الضفة الاخرى للنهر، وفي تعاطيه مع ما نشر، كان كمن اصابته صدمة، لانه لا يريد ان يرى الهوية المركبة لهذه الشخصية وان مواقفها لا تأتي من منطلق القطع مع الذاكرة او الغائها، وانما هو مسار تكاملي اوصل الى قناعات لا تتعارض مع التاريخ وانما تصب في اطار نهج متسق مع الاهداف الانسانية التي هي اساس الايمان والاديان السماوية ويجب ان تكون المحرك في الحياة اليومية والسياسية. فلاذت بالصمت او اكتفت بالاندهاش.

المرحلة تتطلب من هذه الجماعة اخراج ما يدور من نقاشات داخلية تجري حول الاستحقاقات القادمة لا ان تسمح باتهام من يرفع الصوت بالخروج على المذهب والدين وتخوينه

خلاصة القول، ان ما طرح ويطرح من اراء ودعوات تصدر عن الوسط المعني بهذه الجماعة، او ما تم التواضع على تسميته بـ”البيئة الحاضنة”، قد تكون جرس انذار لتدارك المسوّغات التي ستقدم للاجابة على اسئلة هذه البيئة في مرحلة مقبلة، عندما تذهب هذه الجماعة الى تسويات تفرضها التطورات الداخلية والاقليمية. وان المرحلة تتطلب من هذه الجماعة اخراج ما يدور من نقاشات داخلية تجري حول الاستحقاقات القادمة، لا ان تسمح باتهام من يرفع الصوت بالخروج على المذهب والدين وتخوينه واتهامه بالعداء لدماء الشهداء والمقاومة، وتسمح لمن يتصدى للدفاع عنها ان يجرد الآخر القريب او البعيد من تاريخه ودوره والتضحيات التي قدمها، ان كان على المستويين اللبناني والوطني او القضية الفلسطينية وكل القضايا الانسانية الاخرى.

وكما بدأت بقول للإمام علي اختم بآخر ” لا يسود من لا يحتمل إخوانه”.

السابق
اتحاد بلديات صيدا – الزهراني يحذر: لا أسرة لمرضى كورونا في مستشفيات المنطقة!
التالي
الأمن الغذائي بخطر.. تحذير من فقدان بعض المنتجات منها حليب البودرة !