الخلل القانوني ينخر المحكمة الجعفرية: فتشْ عن «التفتيش القضائي»!

المحكمة الشرعية الجعفرية

في خضم حديثنا عن إصلاح المحاكم الشرعية الجعفرية ينبغي الإضاءة على دور “التفتيش القضائي” وواقعه، وتطلعاتنا للأدوار التي ينبغي أن يضطلع بها، مع جملة مقترحات تمثل رؤيتنا لدور أميز للتفتيش.
ولايضاح مرادنا يفترض أن نعرّج على المراحل التاريخية التي مرّ بها التفتيش لدى المحكمة الجعفرية، إلى أن وصل به الأمر لما هو عليه اليوم.

اقرأ أيضا: الخلل القانوني في المحكمة الجعفرية (٢٣): لماذا لا يُعين «الثنائي» رئيساً للمحاكم؟


في البداية كانت هذه الأمور مناطة بغرفة التمييز الجعفرية، ففي المرسوم 4818 المؤرّخ في 8 نيسان سنة 1929: [تتألف الغرفة الجعفرية في محكمة التمييز بمثابة مجلس تأديبي لمحاكمة قضاة المحاكم الجعفرية والمساعديين القضائيين الملحقين بها] ولمعرفة ممن تتألف غرفة التمييز الجعفرية يمكننا الرجوع للمادة الثانية من القرار رقم 3503 تاريخ 27 / 1 / 1926 التي تتحدث عن الاعتراض على قرارات قضاة الشرع الجعفريين، وبنفس الوقت يستفاد منها بمعرفة هيكلية الغرفة التمييزية الجعفرية: [وأما الاعتراض على الأحكام التي يصدرها القضاة الشيعيون فيقدم إلى غرفة تمييزية خاصة، يكون مركزها بيروت.وتتألف من رئيس ومساعدين اثنين يختارون من علماء الشرع الشيعيين].


وبعد أن كانت الأمور مناطة بمحكمة التمييز الجعفرية فقد جاء “قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري” في العام 1962 ليجعلها بيد رئيس المحكمة العليا، وفقاً لما ورد في المادة 461،: 

[1- يتولى كل من رئيسي المحكمتين الشرعيتين العليين تفتيش ومراقبة حسن سير القضاء الشرعي التابع له وأعمال سائر القضاة وموظفي المحاكم الشرعية.

2- لفت نظر مرجع القضاء الشرعي الى ما يراه من خلل في الاعمال وتقديم الاقتراحات الرامية الى اصلاحه.

3- الصلاحيات التأديبية المنصوص عنها في القانون تجاه القضاة وموظفي المحاكم] 
ثم صدر المرسوم الاشتراعي رقم 158 تاريخ 16 / 9 / 1983 التي أعطت صلاحية التفتيش لمفتش يتبع رئيس الحكومة مباشرة، فقد جاء في المادة 2 منه: [تلغى المواد 461، 462، 463، من قانون 16 / 7 / 1962، ويستعاض عنها بالمواد التالية: المادة 461 الجديدة: تخضع المحاكم السنية والمحاكم الجعفرية على اختلاف درجاتها لمراقبة مفتش من مذهبها ويكون تابعاً لإشراف المرجع الأعلى للمحاكم الشرعية] 
ثم صدر القانون رقم 65 تاريخ 8 / 6 / 1991 الذي ألغى المرسوم السابق: [مادة وحيدة: يلغى المرسوم الاشتراعي رقم 158 تاريخ 16 / 9 / 1983 المتعلق بتعديل بعض أحكام “قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري” ويعمل بهذا القانون فور نشره].


وبعدما ألغى القانونُ 65 / 1991 المرسومَ الاشتراعي 158 / 1983 فقد عادت صلاحية التفتيش لرئيس المحكمة العليا؛ وبقيت صلاحية التفتيش مع رئيس المحكمة العليا حتى صدور القانون 350 في العام 1994، الذي عدل المادة 461، وليعطي صلاحية التفتيش لمفتش خاص، فجاء التعديل ليصبح النص: [يتولى التفتيش العدلي مراقبة حسن سير القضاة وموظفي المحاكم الشرعية بواسطة مفتش عدلي واحد متفرغ لكل من المحكمتين ومن مذهب كل منهما, يتم انتدابهما بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل، ويحدد تعويضهما الشهري المقطوع بمرسوم الانتداب، ويحتفظ كل منهما بوظيفته الأصلية في الملاك التابع له، ويرفع كل منهما تقاريره الشهرية لمجلس القضاء الشرعي الأعلى، وله حق اقتراح العقوبات المسلكية والتدابير المناسبة].

قضاة الشرع لم يتقبّلوا فكرة وجود شخص “مدني” يتولى مهام التفتيش ضمن المحاكم الشرعية!


ثم حصل تعديل آخر، بموجب القانون 452، الصادر في 17 / 8 / 1995، التي نصت على: [يتولى مراقبة حسن سير القضاء الشرعي السني والجعفري والعلوي واعمال القضاة وموظفي المحاكم الشرعية مفتش واحد غير متفرغ من الدرجة الثامنة على الاقل لكل من المحاكم يتم انتدابه من القضاة العدليين من مذهب المحكمة المختصة وذلك بمرسوم بعد استطلاع رأي مجلس القضاء الشرعي الاعلى, ويكون عضوا في مجلس القضاء الشرعي الاعلى, ويحدد تعويضه الشهري المقطوع بمرسوم الانتداب ويحتفظ كل منهم بوظيفته الاصلية في الملاك التابع له, ويرفع كل منهم تقاريره الشهرية الى مجلس القضاء الشرعي الاعلى وله حق اقتراح العقوبات المسلكية والتدابير المناسبة]
المهم، نلحظ بأن وظيفة التفتيش بقيت مدار نقاش وجدال، حيث كانت مناطة بكبار قضاة المحاكم الشرعية، ثم أعطيت الصلاحية لمفتش عدلي مدني – إن صح التعبير – ينتدب من قبل وزارة العدل بعد موافقة “مجلس القضاء الشرعي الأعلى”.


ومن ناحية أخرى، فإن قضاة الشرع لم يتقبّلوا فكرة وجود شخص “مدني” يتولى مهام التفتيش ضمن المحاكم الشرعية!! على أننا سنتولى متابعة الكلام حول المفتش، ودوره وصلاحيته، في مقالنا اللاحق.

السابق
«الممثل اللبناني ما بيبيع».. تراشق بين بديع أبوشقرا ويوسف الخال على تويتر
التالي
أيمن زيدان يعدِل عن خريف الغياب من أجل العشق