كالنار في العجين.. أبو فادي يُغادر النبطية الى راحته الأبدية!

فهمي حسن صبّاح

كان هذا الرجل الطّيب، فهمي حسن صبّاح، قبل أن أهتدي إلى اسمه بأشواط، نجمي الحرفيّ العذب، إذ صوّرته مرّات ومرّات، من دون أن يسألني لماذا أصوّر؟ لمن؟ أو: ماذا ستفعل بهذه الصور؟

كان كثير العطاء، قليل الضوضاء، مخلص لعمله منكبّ عليه، يعرف مكانته بين أبناء جلدته، إذ بقي النموذج الأمثل للخبّازين والفرّانين الصادقين، من الرعيل الأول، أو ربّما الثاني، ممّن يدركون المعنى الحقيقيّ لأقراص “سفيحة النبطية” وغيرها من “مشاطيح” رمضان، والمناقيش و”فطاير” (فطائر) الخضار واللحم، ناهيك عن الخبز البلديّ الأبيض…

إقرأ أيضاً: سنة التراجع والتضخم والإفقار..سروع لـ«جنوبية»: لبنان نحو الإنهيار الشامل!

ظلّ فرن “اللّوز” إلى الأمس القريب، صورة عن المدينة البلدة، التي كانت أشبه بقرية مترامية، تكثر فيها المحطّات التراثيّة وأوجهها المختلفة، من البناء الحجري الصّامد، إلى صفاء الانتاج والتقيّد بمكوّناته الأساس، إلى الحِرف العتيقة وبعض العادات والتقاليد. لم يتخلَ فرن “اللّوز” بإدارة أبي فادي عن مواصفات الفرن التقليديّ المتواضع، الذي طلى جدرانه “شحتار” الحطب والمازوت، لكأن علّق كلّ رغيف وفطيرة وقرص “لحم بعجين” صورته على الجدار قبل أن يغادر إلى البيوت التي تهواه وتؤثره…

إنها الأصالة التي واظب على ممارستها أبو فادي، متسلّحاً بطيبة واسعة الأفق وابتسامة ترسم إطلالة وجهه أو كلامه، هو الذي نخّل الطحين ليكون الأنقى، وطوّع العجين ليرسم وجهته، وكابد النار حتى أضحت جزءاً من محيّاه الأسمر المحبوب…

أكتب فيك “أبا فادي” لأن النبطية تستحق أن تكون واحداً من أسمائها الطيّبة الحسنة.

تغادرنا اليوم إلى راحتك الأبدية، تاركاً صفحة من “عجقة” الحياة، خلقتها أنت، عند مدخل “حيّ السراي”، لتبقى عنواناً لا يتأرجح من ذاكرتنا، وصورة خالدة في كتبنا وفي قلوبنا…

توفي يوم الأحد في الثالث من كانون الثاني 2021…

السابق
ليس بالمقاومة وحدها يُشفى من الكورونا!
التالي
إلياس الرحباني.. وداعاً لموسيقار لبنان الإنسان والفنان