سنة التراجع والتضخم والإفقار..سروع لـ«جنوبية»: لبنان نحو الإنهيار الشامل!

ازمة اقتصادية كبيرة
يمكن القول أن العام 2020 كان عاما إسثنائيا على الاقتصاد اللبناني لجهة الازمة المالية والمصرفية التي ضربته.

وكان من علاماتها توقف لبنان عن سداد ديونه باليوروبوند، وحجز المصارف لأموال المودعين بالدولار الاميركي وتقنين في سحوبات الليرة اللبنانية، وإرتفاع أسعار الدولار في السوق السوداء مقابل الليرة ووصوله إلى حدود 9000 آلاف ليرة ، ناهيك عن خلق سعر مواز للدولار على منصة مصرف لبنان أي 3900 ليرة للدولار الواحد إلى جانب السعر الرسمي أي 1500 ليرة ووصول حجم الدين العام إلى 150 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي ليكون بذلك من أعلى معدلات المديونية في العام .

ما يمكن تسجيله في هذا الاطار أن القطاعات الاقتصادية في لبنان أصابها الضرر خلال العام 2020  كانت لأسباب مختلفة، فهي أولا تضررت لأسباب لبنانية بحتة، أي إنهيار العملة اللبنانية والاقتصاد وتراجع الاستهلاك.

أما القطاع السياحي الذي كان يمكن أن يستفيد من إنهيار العملة لأن الاسعار تكون أرخص مقارنة مع الدول الاخرى، فإنه تضرر لأسباب أخرى أبرزها عدم الاستقرار السياسي في لبنان وبسبب إنتشار الكورونا، بمعنى آخر تعرض لبنان لعاصفة متعددة الجوانب أي أن القطاعات الاقتصادية في لبنان تعرضت لضربة قاسية بسبب إنهيار العملة وتراجع الاستهلاك المحلي وزيادة البطالة وإنهيار الاقتصاد والقطاع السياحي تضرر بسبب الكورونا والإنكماش الذي أصاب الاقتصاد العالمي ناهيك عن فشل الحكومة اللبنانية في تحقيق أي تقدم في مسار إصلاح الاقتصاد وعمل الإدارات الحكومية بما يمهد للحصول على المساعدات المنشودة من صندوق النقد الدولي.

سروع: يجب إعادة هيكلة المصارف ذات معنى وإتخاذ كل الإجراءات المطلوبة لعودة عملها الطبيعي

أما ذروة الضربات القاسية التي تلقاها لبنان خلال العام 2020  فهو إنفجار مرفأ بيروت الدمار الكبير الذي نجم عنه خسائر قُدرت نحو 7 مليارات دولار أو ما يعادل 14 في المئة من الناتج المحلي للعام 2019 ، بالاضافة إلى الخسائر البشرية الكبيرة والعدد الكبير من السكان (300,000) الذين تضررت منازلهم، وهذا ما أدى إلى انكماش الاقتصاد ما بين 15 إلى 24 في المئة هذا العام أي من 52 مليار دولار في العام 2019 إلى 33 ملياراً في العام 2020 بالاضافة إلى التراجع الكبير في القيمة الحقيقية للأجور وارتفاع معدل التضخم بنسبة 110 في المئة حتى شهر تموز/يوليو الماضي.

ثلاثة أسباب للانهيار

ويرى الخبراء أن الافق الاقتصادي للعام 2021 سيئ لأسباب عدة أولها الوضع السياسي غير المستقر، فمنذ إندلاع الازمة في 17 تشرين 2019 مرت 13 شهرا بينها 7 أشهر من دون حكومة، أي من دون إستقرار وخطط حكومية لدعم الاقتصاد مع وضع مالي صعب جدا مما يعني أن خلق أفق إقتصادي للعام 2021 لا يزال غير ملموس لأن الوضع السياسي لا يزال مسدودا.

أما السبب الثاني فهو الشح في السيولة والعملات التي يعاني منها لبنان، فالمصارف لا يمكنها التمويل وإحتياطي المصرف المركزي تراجع ووصل إلى درجات منخفضة جدا وهو في الاصل لا يمكنه (أي المركزي) إستخدام هذا الاحتياط وهو دين تجاه المودعين، إذا المصرف المركزي لا يملك السيولة اللازمة، كما أن التحويلات من الخارج التي يمكن أن تؤمن هذه السيولة في إنخفاض مستمر، ودون سيولة مالية تموّل عجلة الاقتصاد من المستحيل أن يكون هناك أفق إقتصادي جيد.

هذه السيولة لا يمكن أن تتأمن في الوقت الحالي إلا من عملية دعم من صندوق النقد الدولي والدول المانحة، وليس هناك مصدر آخر يوفر السيولة المطلوبة ويضع الامور على سكة الحل.

إقرأ أيضاً: رزق ينعى عبر «جنوبية» النظام الديمقراطي في 2020: ما أحوجنا إلى رجال دولة!

أما السبب الثالث لإنعدام الافق الاقتصادي في العام المقبل فهو غياب خطة إقتصادية متكاملة لتحسين مالية الدولة وإعادة هيكلة المصارف ولتحفيز الاقتصاد، ولا يبدو أن هناك أفق واضح في لبنان لوضع هكذا خطة أوحتى مناقشة تفاصيلها، فمن الضروري جدا تحسين مالية الدولة وتخفيض العجز وتحسين  الانفاق وإعادة هيكلة المصارف لأنه”من دون مصارف  سليمة لا يمكن تحريك عجلة الاقتصاد و من دون حوافز وإصلاحات لا يمكن تحفيز الاستثمارات في الاقتصاد ومساعدة الشركات ودعمها ضريبيا وتأمين الحوافز لها لكي تتمكن من النهوض ولا يمكن أن يحصل أي تحسن إقتصادي.

نحو الانهيار

يوصف  الخبير الاقتصادي والمالي جو سروع لـ”جنوبية” “الواقع الاقتصادي  في لبنان بأنه ليس فقط بعين العاصفة أو على بعد خطوات من الانهيار هو في سقوط حر نحو إنهيار حر ومتعدد وشامل الضرر، ولا سيما على الصعيدين الاجتماعي والانساني”، معتبرا أن ما “يزيد من منسوب القلق والخوف هو غياب كامل وشامل لمؤسسات الدولة وأيضا غياب القرارات الصائبة التي من شأنها أن تؤسس إلى  وقف الانهيار لذلك من المفيد ذكر المفاصل الاساسية المطلوبة لوقف هذا الانهيار”.

التلاعب بالدولار علة العلل
التلاعب بالدولار علة العلل

ويرى أن “المحور الاساسي لحل الازمة اللبنانية هو التعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي يعرف الوضع الإقتصادي والمالي والنقدي في لبنان بشكل كامل منذ سنوات عديدة سابقة، وهناك إستثمارات مؤثرة للبنك الدولي في لبنان من خلال باريس 1 و2 و3 وإستثمارات في البنى التحتية في لبنان”، مشيرا إلى “دور اساسي للبنك الدولي في المرحلة القادمة والدليل حضوره في كل الاجتماعات التي تعقد لمساعدة لبنان إنسانيا عبر الصندوق الذي إقترحه الرئيس إيمانويل ماكرون”.

يلفت سروع إلى أن “صندوق النقد كانت له ملاحظات حول الاسلوب الذي يدار فيه الوضع النقدي في لبنان وإقترح بعض الطرق التي لم تكن مقبولة من قبل السياسيين، مثل التخلي عن إستمرار دعم سعر الصرف وإعادة هيكلة القطاع لعام وترشيد الانفاق والقيام بإصلاحات مطلوبة”، شارحا أن”عدم الاستقرار السياسي في لبنان منذ العام 1993 لم يسمح بحصول إزدهار حقيقي على الصعيد الاقتصادي وحصول نمو حقيقي وتوزيعه بشكل عادل على عامة الشعب، و كانت هناك مقاومة لدخول صندوق النقد على الحالة اللبنانية إلى أن قاربنا على الانهيار في الحكومة الاخيرة للحريري”.

و يوضح  أن “شروط صندوق النقد هو إيجاد خطة شاملة وكاملة لإنقاذ البلد وهذا ما قامت به حكومة الرئيس دياب ولكن بطريقة حسابية مما أدى إلى خلق جدل واسع في البلد لجهة تقدير الخسائر والتي على أساسها ستوضع الخطوات للتعافي”.

جو سروع لـ”جنوبية”: المحور الاساسي لحل الازمة اللبنانية هو التعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي

ويلفت إلى أن “النقاش حول هذه الخطة تحول إلى جدل بيزنطي بعد وضع كل من جمعية المصارف ومصرف لبنان تقديرات مختلفة عن الخسائر، كما حصل الاختلاف بين وجهة نظر بين حكومة دياب التي أرادت إطفاء الخسائر دفعة واحدة وبين خطة مصرف لبنان والمصارف التي نادت بإطفاء الخسائر بشكل متدرج كما دخل مصرف لبنان على خط هذا النقاش هذه الخطة  الذي لا يزال قائما إلى الان”.

خطة من دون تشاور

يضيف:” للأسف تم وضع خطة للإنقاذ من دون التشاور مع الجهات المعنية وكذلك الامر بالنسبة للتحقيق الجنائي، الخطة المقبلة يجب أن تكون خطة نمو وليس كالخطة التي تم وضعها والتي هي عبارة عن زيادة للضرائب والحد من الانفاق الاستهلاكي ومن دون إنفاق إستثماري وبعد 4 سنوات النمو سيصبح 3 بالمئة “.

يشرح سروع أنه”عندما يدخل صندوق النقد الدولي على بلد ما يفضل مقاربة الخسائر بشكل رديكالي وهذا ما حدث في لبنان وبعد نحو 14 جولة مع الصندوق ما زلنا نراوح مكاننا علما أن فرنسا والولايات المتحدة وأوروبا متشددة بالنسبة الاصلاحات وضرورة تطبيقها ولذلك المطلوب حكومة أخصائيين وقادرة على الانجاز”.

ويختم:”صندوق النقد الدولي يطلب من لبنان الاصلاحات ومحاربة الفساد وتحقيق جنائي، ولكن القطاع المصرفي يعاني من ثقل كبير جدا ومن قلق مودعين خصوصا في ظل الإنتقاص  المتمادي لحقوقهم، لذلك يجب إعادة هيكلة المصارف ذات معنى وإتخاذ كل الإجراءات المطلوبة لعودة العمل الطبيعي للمصارف على صعيد التمويل ونمو الاقتصاد”.

السابق
دولار عطلة السنة الجديدة يرتفع..لامس الـ8500 ليرة!
التالي
2020 تفك عقدة «إسرائيل شر مطلق».. حلو لـ« جنوبية»: تعليق المفاوضات هدية إيرانية لبايدن!