حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران.. المصالح قبل المواقف

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لم يكن مستغربا او مستهجنا ان يخرج المتحدث باسم الخارجية الايرانية، ليؤكد ادانة بلاده لعمليات الاعتداء الصاروخي الذي تعرضت له السفارة الامريكية في العاصمة العراقية بغداد، وان يسارع العديد من قادة الفصائل المسلحة العراقية المحسوبة على ايران “الولائية” لاعلان براءتها من عمليات القصف ( قيس الخزعلي وهادي العامري …) والسعي من طرف واحد لارساء قواعد اشتباك مع القوات الامريكية تلبي الحاجة الايرانية، من خلال التمييز بين حق “مقاومة” الوجود العسكري الامريكي وبين الوجود الدبلوماسي الرسمي في السفارة.

إقرأ أيضاً: حسن فحص لـ«جنوبية»: خامنئي واعادة ضبط العقارب

فالقيادات الايرانية العسكرية على وجه الخصوص، والمرشد الاعلى للنظام والقائد الاعلى للقوات المسلحة، لا يتركون مناسبة لتأكيد “حق” ايران الانتقام لاغتيال رأس مشروعها الاقليمي وقائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني، وقد ارتفعت وتيرة هذه التهديدات في الاسابيع الاخيرة مع اقتراب الذكرى السنوية الاولى لعملية الاغتيال التي جرت بالقرب من مطار بغداد الدولي فجر الثالث من يناير/ كانون الثاني 2020. الا ان هذه التهديدات تأتي من باب تأكيد “الموقف” الايراني في اطار المعادلة الاستراتيجية التي وضعتها في خطاب خامنئي بعد اغتيال سليماني القائمة على اخراج الوجود الامريكي العسكري في منطقة غرب آسيا وتحديدا في افغانستان والعراق وسوريا. من دون ان يعني ذلك الذهاب الى خيار الرد السريع او والمباشر، بل بالتمسك بهذا “الحق” بانتظار اللحظة المناسبة التي ستحدد هي المكان المناسب.

تمييز بين حق “مقاومة” الوجود العسكري الامريكي وبين الوجود الدبلوماسي الرسمي في السفارة

الوقت المناسب للرد لم يأت بعد

ويبدو ان اللحظة المناسبة او الوقت المناسب للرد لم يأت بعد او لم تتوفر ظروفه الموضوعية لدى القيادة الايرانية، من هنا جاء حديث المرشد في اجتماعه مع عائلة سليماني وهيئة احياء ذكرى اغتياله عن مستويات هذا الرد وتعددها، وان الحرب السيبرانية قد تكون احد ادواتها الفاعلة والموجعة “للعدو”. وهو موقف او كلام جاء بعد مرور سنة من العملية الامريكية التي اصابت مشروع المرشد بالصميم على المستويين الداخلي (كون سليماني شكل خيار المرشد لرئاسة الجمهورية) والخارجي ما تعرض له الدور والنفوذ في الاقليم من اهتزاز وارباك وانحسار، ويعني في احد ابعاده بان الرد العسكري مازال مؤجلا او لا يحتل الاولوية في المدى المنظور على الاقل.

القيادة الايرانية وازنت بين الانزلاق الى مواجهة عسكرية مفتوحة مع الادارة الامريكية وقواتها العسكرية المنتشرة في المنطقة

ومن المتوقع ان يستمر انتظار الرد الايراني، الذي لم يدخل حيز التنفيذ على مدى السنة الماضية، في تغليب واضح للمصالح الاستراتيجية على الموقف المبدئي بالانتقام، اذ وازنت هذه القيادة بين الانزلاق الى مواجهة عسكرية مفتوحة مع الادارة الامريكية وقواتها العسكرية المنتشرة في المنطقة، اذا ما قامت بعملية انتقام تستهدف هذا الوجود وقواعده، وما يشكله ذلك من خدمة انتخابية “مجانية” للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب تشكل جسر عودته الى البيت الابيض وما يعنيه ذلك من تصاعد حصارها وتزايد خسائرها، فضلا عن دخول استقرارها الداخلي واستمرار النظام في دائرة الخطر الجدي وما فيه من امكانية فرض تنازلات قاسية عليها.

مبدأ “الصبر الاستراتيجي”

اما البعد الثاني من الموازنة التي لجأت اليها هذه القيادة، هي اعتماد مبدأ “الصبر الاستراتيجي” والعض على جرح الخسارة التي لحقت بها، وتفاقمت بعد اغتيال رأس المشروع النووي الجنراال محسن فخري زاده، بانتظار ما ستخرج به الانتخابات الامريكية والرهان على خسارة ترمب لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن، وما سيسفر عنه من تسهيل عملية الانتقال الى المسار السياسي التفاوضي مع الادارة الجديدة التي لا تتحمل بالشكل مسؤولية عمليات الاغتيال، لكنها لا تسقط حالة العداء بين الطرفين، الا انها مفتوحة على التحول الى حالة خصام على حدود المصالح بينهما.

من هنا يأتي الموقف الايراني الحذر في الاستجابة للخطوات التصعيدية، ان كان في ارسال القاذفات الاستراتيجية من نوع B52  او ارسال حاملة الطائرات نيميتس والاسطول المرافق الى مياه الخليج، وعبور غواصة اسرائيلية حربية قناة السويس باتجاه الخليج، والتهديدات الصادرة عن الرئيس ترمب برد قاس على اي اعتداء قد تتعرض له القوات الامريكية في المنطقة، خاصة العراق بعد الاعتداء الاخير بالصواريخ على السفارة في بغداد. فالمصالح الايرانية تستدعي او تفرض على هذه القيادة ان تعتمد خيار الانسحاب التكتيكي امام هذه التصعيد، الذي يأتي في لحظة مفصلية وانتقالية شديدة الخطورة، والتي تشتبك فيها حاجة الرئيس المنتهية ولايته الذهاب الى خطوة، تربك او تضرب الاتجاه العام لدى الرئيس الجديد في التعامل مع الملف الايراني بكل تشعباته، فضلا عن دخول الشريك الاقليمي الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في حالة من انعدام الوزن السياسي، بعد قرار الكنيست حل نفسه والذهاب الى انتخابات مبكرة هي الرابعة خلال السنتين الاخيرتين.

شعور طهران بالانتصار السياسي

وفي السياق نفسه، تشعر طهران في هذه الايام بحالة من الانتصار السياسي الذي يمهد الطريق للانتقال الى استثمار نتائج صمودها امام الضغوط الامريكية، وكل المخاطر التي رافقتها والخسائر التي الحقتها بالنظام ومؤسساته الحكومية والامنية، وهذا الشعور يأتي من التراجع الاوروبي او تخلي الترويكا الاوروبية (المانيا وفرنسا وبريطانيا) عن الشروط التي سبق ان تبنتها مع الرئيس ترمب حول الاتفاق النووي، خاصة تلك المتعلقة بتوسيع الاتفاق ليشمل البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي، ما يعني بالتالي ان هذا التراجع يشكل مؤشرا ايجابيا على نوايا الادارة الامريكية الجديدة، وجدية قرارها في العودة الى الاتفاق من دون شروط مسبقة سبق ان المح لها الرئيس المنتخب جو بايدن، وان التراجع الاوروبي هو نتيجة تفاهم مع واشنطن حول المرحلة المقبلة من التعامل مع ايران، وبالتالي فان القيادة الايرانية تضع تصعيد ترمب – نتنياهو في سياق المساعي لضرب اي امكانية للتفاهم بين واشنطن وطهران، والتي يبدو انها تسير بخطى متسارعة لن تنتظر على ما يبدو النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات الرئاسية الايرانية، باعتبارها شأنا داخليا لن يؤثر على النتائج المرتقبة ، كون الجهة الايرانية المفاوضة ستكون ممثلة لقيادة النظام العليا وتطبق توجيهات المرشد الاعلى.

والبراغماتية الايرانية تذهب الى نهاياتها في تدوير الزوايا وتحمل التصعيد العسكري والامني، الذي قد تتعرض له في الايام الاخيرة من رئاسة ترمب، ولن تفرط باي من الرهانات التي قد تلوح في افق تعاملها مع الادارة الامريكية الجديدة على جميع المستويات النووية والصاروخية والاقليمية.

السابق
زياد أسود «يقصف»الحريري: حزبي وفاشل.. «حل عنّا»!
التالي
تغريدة موجعة لشقيقة شهيدة في إنفجار المرفأ: بأقل من أسبوع توفي والداي.. انهكمهما الحزن!