حسن فحص لـ«جنوبية»: خامنئي واعادة ضبط العقارب

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لم يتأخر المرشد الاعلى للنظام الايراني في ملاقاة الرئيس حسن روحاني في المواقف التي اطقلها مؤخرا (12و13/12/2020) حول ضرورة العودة الى التفاوض حول الاتفاق النووي مع الادارة الامريكية، ان كان في مؤتمره الصحفي او خلال جلسة الحكومة، والتي شدد فيها على تمسكه (روحاني) بالتفاوض لرفع العقوبات المفروضة على ايران و”لن يتأخر ساعة في استغلال اي فرصة سانحة لتحقيق ذلك”، رافعا مستوى التحدي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، الى اعلى مستوى بتأكيده ان الحكومة ستصدر المراسيم التطبيقية لقانون “الخطوة الاستراتيجية لالغاء العقوبات”، الذي اقره مجلس النواب بالشكل الذي يتناسب مع سياسات الحكومة ورؤيتها لازمة الاتفاق النووي وفي اطار المصالح التي تجدها مناسبة.

اقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: روحاني الرئيس المخدوع


الموقف الذي اعلنه المرشد (16/12/2020) بموافقته على عودة ايران الى التفاوض مع الادارة الامريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، بغض النظر عن الشروط التي وضعها، يمكن ان يشكل قوة دافعة لموقف روحاني في الذهاب الى خيار التفاوض بالحد الادنى من المخاوف، بان يعمد المعسكر للتفاوض الى عرقلتها او وضع العصي في دواليبها، ما لم يكن هذا المعسكر قد قرر وضع نفسه في مواجهة مع المرشد مباشرة، او ان يذهب الى اعلان موقف معارض يمنح المرشد مخرجا للانسحاب والتنصل من هذا الموقف الداعم، في حال لم تأت النتائج بما يتوافق مع رغباته وما يخدم المصالح الايرانية، خصوصا وانه وضع معادلة لهذه المفاوضات عندما اعتبر ان “المفاوضات السابقة كان من المتفرض ان تلغي العقوبات جميعها ودفعة واحدة”، واذا استطاعت المفاوضات الجديدة تحقيق ذلك فلا “يجب التأخر عن ذلك ساعة واحدة”.

توجه جديد داخل قيادة النظام الايراني

المؤشرات الايجابية على وجود توجه جديد داخل قيادة النظام الايراني، خصوصا لدى المرشد الاعلى بدأ قبل نحو اسبوع بموافقته على اعادة بحث موضوع لوائح قوانين FATA وباليرمو لمكافحة تمويل الارهاب وغسيل الاموال في مجمع تشخيص مصلحة النظام، ما يعني ان العودة الى فتح هذا المسار بنظرة مساعدة للحكومة التي طالبت عبر رئيسها ووزير الخارجية بضرورة الانضمام الى هذه المعاهدات لتفادي حجم الاثار السلبية على الاقتصاد الايراني والعلاقة مع الخارج. والنظرة المساعدة هذه تدخل في اطار الاستعداد لترجمة النتائج المتوقعة من اعادة احياء الاتفاق النووي خصوصا بالشق المتعلق بالحصار المفروض على قطاع النفط وآليات الحصول على عائداته المالية التي قد تواجه عراقيل نتيجة ادراج ايران على اللائحة السوداء لهذه المعاهدات، الامر الذي يعطل تعامل البنوك الدولية معها ويحد من عمليات تحويل الاموال بسبب امتناع المصارف الدولية التزاما بشروط اللائحة السوداء.


سقوط محاذير المرشد الاعلى على المفاوضات مع واشنطن


سقوط محاذير المرشد الاعلى على المفاوضات مع واشنطن، تأتي بعد ايام من تمرير البرلمان “الثوري” المحافظ لقانون “الخطوة الاستراتيجية لالغاء العقوبات” الذي لم يحصل من دون اعطائه الضوء الاخضر لذلك، خصوصا وان تطبيق هذا القانون يضع ايران قاب قوسين من عودة العقوبات الدولية عبر مجلس الامن الدولي ويؤدي الى الاطاحة بكل المسار السياسي التفاوضي الذي تحقق في الاتفاق النووي.


هذا الموقف للمرشد يأتي في اللحظة التي بدأ فيها الانقسام داخل مواقع القرار في مؤسسات الدولة يأخذ بعدا صداميا واضحا، وتحولت فيه المصالح الاستراتيجية للنظام والبلاد الى اداة للصراع السياسي بين معسكر المحافظين من جهة ومعسكر المعتدلين والاصلاحيين من جهة اخرى، وتوظيفها في معركة التحكم بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومساعي التيار المحافظ لعرقلة اي جهد للحكومة يهدف الى اخراج البلاد من ازماتها، بانتظار انتقال مقاليد السلطة التنفيذية وادارة المفاوضات الى ممثله في موقع رئاستي الجمهورية والحكومة، لقطف ثمار اي تفاوض او تفاهم يؤسس لانهاء العقوبات والعودة الى علاقات صحية مع المجتمع الدولي.

رسالة المرشد


ما بين الصفعة التي وجهها البرلمان لروحاني وحكومته عبر قانون “الخطوة الاستراتيجية”، وتخلي المرشد عن تشدده الرافض لاي تفاوض مع الادارة الامريكية الجديدة كما رفضها مع الادارة السابقة برئاسة دونالد ترمب، كانت الامور تتجه في الداخل الايراني الى حالة وضعت الدولة والسلطة التنفيذية على حافة التعطيل والاخراج من الدور المنوط بها، ان كان على صعيد قيادة الملف النووي او في الجانب الاقتصادي عبر الاجراءات والقوانين التي اقرها البرلمان، واعتبرت تدخلا في عملها ومتعارضة مع مبدأ فصل السلطات الدستوري، ما جعل التيار المحافظ يشعر “بفائض قوة ونفوذ” تمكنه من التفرد في تحديد مسارات النظام والدولة والمؤسسات.


الرسالة التي اراد المرشد ايصالها لكل الاطراف الايرانية المتصارعة، والدولية المترقبة لاتجاهات الموقف الايراني، بانه الممسك بخيوط اللعبة والقرار على جميع المستويات، وانه الجهة القادرة على ضبط ايقاع الصراع وابعاده، والمتحكم بمفاتيح استراتيجية النظام.

اعادة ضبط عقارب المواقف الايرانية


اعادة ضبط عقارب المواقف الايرانية الداخلية والخارجية برزت في التقريع الذي وجهه المرشد لرؤوساء السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) ودعوتها لحل نزاعاتها عبر الحوار الذي هم احوج اليه داخليا في وقت يريدونه مع الخارج، ثم في اجتراح مخرج للحرج ما بين الالتزام بما تعهد به من انتقام من القوات الامريكية لاغتيالها الجنرال قاسم سليماني وبين القبول بمبدأ التفاوض شرط الالتزام بالثوابت الايرانية الوطنية بانهاء العقوبات، موكلا عملية الثأر للوقت المناسب.

التنازل في موضوع التفاوض النووي قد يعيد انعاش الداخل


ما وصلت اليه الاوضاع الداخلية المعيشية والاقتصادية التي تهدد بانفجار يصعب التعامل معه، فضلا عن التحديات الاستراتيجية والجيو سياسية التي بدأت تحدث في المحيط الايراني خصوصا في شمال القوقاز ونتائج الحرب الاذربايجينية الارمينية، والحاجة الى تمرير الاستحقاقات الداخلية بشكل سلسل لا يثير ازمات، خاصة في استحقاق رئاسة الجمهورية والخوف من تدني نسبة المشاركة التي تضع النظام امام تحدي مشروعيته الشعبية، فضلا عن الحاجة، ولعلها الهاجس ومصدر القلق الابرز والاهم، لتأمين المرحلة الانتقالية في حال غيابه عن المشهد، من خلال تفكيك عقد الملفات التي تشكل مصدر تهديد لاستقرار النظام واستمراره، هي التي تدفع المرشد لاعتماد هذه الليونة في مرحلة تعتبر حرجة ومصيرية للنظام ومصالحه الاستراتيجية، وان التنازل في موضوع التفاوض النووي قد يعيد انعاش الداخل ويقطع الطريق على استحقاقات اكبر تتعلق بالملفات الاخرى كالبرنامج الصاروخي والدور الاقليمي.

السابق
الحريري.. آخر ضحايا «السيستم»!
التالي
علي الأمين.. ليتَ العمائمَ عمامتُه