«التاجر الفاجر» يستنزف «المال والرأسمال».. هل تختفي «السلة الغذائية» مع توقف الدعم؟

سوبر ماركت

يروي أبو محمد الحاج حسن (صاحب دكان سمانة في أحد أحياء الضاحية الجنوبية)، أنه لا يمر يوم من دون أن يسأله أحد زبائنه “وين الدعم يا أبو محمد”، وذلك إحتجاجا على الغلاء الفاحش للكثير من المواد الغذائية ومواد التنظيف التي يحتاجها المواطنون الفقراء، مشيرا إلى “أن الفرق بين السلعة المدعومة وغير المدعومة لم يكن كبيراً منذ أن أقرت السلة المدعومة في تموز الماضي وفي أكثر الأحيان لا يتجاوز الألفي ليرة (1.33 دولار حسب سعر الصرف الرسمي وتقريباً 20 سنتاً على سعر دولار السوق السوداء)”.

إقرأ أيضاً: رفع الدعم يوصل ربطة الخبز الى 7000.. وتحذير من ثورة الجياع!

ويعطي مثالا على ذلك بالقول أن “كيلو السكّر المدعوم بـ2250 ليرة، في حين انه يبلغ ثمن غير المدعوم 3750، أمّا الأرز الذي طال الدعم نوعين اثنين منه فقط، فيباع الكيلو المدعوم منه (البسمتي) بـ8500 بينما يبلغ سعر غير المدعوم 10500″، مشددا على أن “السلع المدعومة لم تكن أصلاً موجودة في الأسواق بكميّات كافية فكان المواطن يشتري في معظم الأحيان السلعة غير المدعومة التي تسعّر على أساس سعر صرف الدولار في السوق السوداء”.

 قلق على رفع الدعم

كلام أبو محمد قد يكون فيه كثير من الدقة ويشعر به معظم اللبنانيين، لكن ذلك لا يمنعهم من القلق عما ينتظرهم بعد الحديث المتنامي عن رفع الدعم عن المواد الاساسية، ومنها السلة المدعومة التي تمّ ترشيدها مؤخرا من قبل وزارة الاقتصاد وتخفيض عدد السلع المدعومة من 270 إلى نحو 120 سلعة، وتمّ إخراج المواد الأولية وبعض السلع المصنّفة فَخمة أو غير أساسية مثل الفاكهة المجفّفة والمكسرات، وإستمر الدعم على اللحوم والحليب والمعكرونة والأرز والسكر والعدس والفول والحمص وغيرها من المواد الأساسيّة، وهذا يعني  في لغة الارقام تقليل كلفتها من 210 ملايين دولار شهرياً إلى أقل من 100 مليون، ما يُسهم في إطالة أمد دعمها لأشهر إضافيّة. 

ضرورة الدعم المتوازن

ومن المفيد التذكير في هذا الاطار أن آليّة دعم هذه السلّة أتاحت  للمستورد أن يؤمن دولار استيراد السلع التي تدخل ضمنها من مصرف لبنان على أساس سعر صرف 3900، أي وسطي بين سعر السوق السوداء (حالياً بحدود 8000) والرسمي (1515 ليرة).  هنا يصبح السؤال مشروعا كيف ستصبح أسعار هذه السلع المدعومة في حال توقف الدعم من قبل مصرف لبنان؟، وفي هذا الاطار يجيب رئيس نقابة مستوردي السلع الغذائية هاني بحصلي “جنوبية” بالقول: “كنقابة نحن معنيين بالسلة الغذائية التي تم تقليص الدعم عليها مؤخرا من قبل وزارة الاقتصاد تحت عنوان ترشيد الدعم لتكون تكلفتها تقريبا نحو 100 مليون دولار بالشهر، ونحن طمئنا المواطن من خلال بيان أن ترشيد الدعم لن يمس المواد الاساسية (تقليص المواد المدعومة من 270 صنف إلى 120 صنف) وأغلبية الاصناف التي رفع الدعم عنها ليست من المواد الاساسية ( سكر حبوب حليب)”.

معالجة موضوع التهريب

و يرى ان “النقطة الاساسية التي يجب أن تعالج هي موضوع التهريب للمواد الاساسية التي يحصل سواء البنزين أو المازوت أو الادوية وهذا هو النزيف الحقيقي، لأن الدعم بهذه الطريقة يستنزف الخزينة العامة من دون أن يستفيد منه المواطن اللبناني بالشكل المطلوب”. ويضيف”: وعلى الجميع إحتساب مدى الخسارة التي نتكبدها جميعا من تهريب المحروقات مثلا، ولذلك المطلوب هو إعادة التوازن لعملية الدعم لكي لا تكون عامل جذب للمهربين في تهريب البضاعة المدعومة “. 

بحصلي لـ”جنوبية”: التهريب يستتزف الخزينة ويمنع إستفادة المواطن

ويلفت بحصلي إلى أن “أحدا لا يعرف كمية التهريب من لبنان ولذلك علينا إعادة النظر في كيفية تسعير المواد الاساسية لكي لا تكون أقل سعرا بكثير من السعر العالمي، لأنها بذلك تشكل عملية جذب للمهربين ولا جواب لدينا كيف سنتصرف إذا توقف الدعم لأن العجز سيضرب كل القطاعات الاساسية وليس فقط المواد الغذائية”، شارحا أنه من “الناحية التقنية حسب ما سمعنا من المعنيين في وزارة الاقتصاد أنه في حال توقف الدعم كل الملفات التي أعطى وزير الاقتصاد موافقة عليها وتمت إحالتها إلى مصرف لبنان الموافقة على دعمه، فإنه سيكمل التمويل إلى أن يتمّم التاجر عملية الشراء التي سبق أن حصل موافقة مسبقة عليها (من قبل المركزي) وهذا يعني أن الدعم لن يتوقف بين ليلة وضحاها” . 

ويكشف ان ” هناك تجاوزات من بعض التجار الذين لا يمثلوننا، بل معظمنا تجار يلتزمون بالقوانين ودفع الضرائب، وبالتالي فهم تعهدوا ببيع البضاعة التي حصلوا على دعم لشرائها بسعر الدعم حتى تنفذ حتى لو توقف الدعم، وان لا يحقق التاجر أرباحا غير قانونية، و في حال حصل ذلك، يأتي دور الهيئات الرقابية في مصرف لبنان ووزارة”. ويختم” هناك سكوت غريب على مزاريب هدر في الدولة اللبنانية، ولو ألغيت أو جُيرت الاموال التي تتكبدها الدولة لتثبيت سعر الدولار لما كنا إحتجنا لسياسة الدعم ولكان كل الشعب اللبناني إستفاد من هذا الامر”.

رئيس نقابة مستوردي السلع الغذائية هاني بحصلي
هاني بحصلي

تنفيعات و محاصصة

على ضفة جمعية حماية المستهلك فإن سلة دعم المواد الغذائية تصب في  إطار “التنفيعات” و”المحاصصة ” على حد تعبير رئيس الجمعية زهير برو الذي يقول لـ”جنوبية” “بعض الشركات المحسوبة على جهات سياسية معينة وزعماء لا تعمل بالمواد الأساسية، فتتمّ إضافة مجال عملها إلى السلة المدعومة حتى لو لم تكن أساسية كالكاجو مثلاً، وكلّه على حساب أموال المودعين”.

ويضيف:”الآليّة المعتمدة في الدعم أتت على قياس التجار وعلى حساب المواطن الذي لم يصل إليه من الدعم سوى 3 في المائة، كما أن تهريب البضائع المدعومة وبيعها للخارج يعود بأرباح كبيرة وبالدولار الجديد إلى التجار، والتهريب ليس باب التلاعب الوحيد، إذ يخزن بعض التجار هذه المواد ليتم بيعها بعد وقف الدعم المتوقّع، فتكون مصدراً لجني أرباح هائلة غير قانونية”.

برّو لـ”جنوبية”: السلة الغذائية تسببت بفوضى ودعمت قلة من التجار

و يشرح برّو أن “من أبواب الاحتيال على السلة الغذائية  قيام بعض التجار بالتلاعب بالمنتج المدعوم وتقديمه على أنه منتج جديد، ما ينفي عنه صفة الدعم  أو أن يقوم التاجر برفع سعره بحجّة إعادة توضيبه، كبيع الدجاج بسعر مختلف، لأنّه بات موضباً كصنف غير محدّد سعره في لائحة الوزارة”.

ويختم:” تسببت السلة الغذائية بفوضى ودعمت عدداً قليلاً من كبار التجار المحتكرين الذي يملكون السوق، فكسدت بضائع تجار آخرين”.

زهير برو
السابق
«لبنان ليس غزة حيث الجرذ أكبر من القطّ».. كلام مُقيت لنائب لُبناني يستدعي رداً من حماس!
التالي
«لما بنتولد» فيلم مصري جديد يرشح لتمثيل بلاد النيل في الأوسكار!