الخلل القانوني ينخر المحكمة الجعفرية(٢): عندما يصبح المعممون تحت رحمة الساسة!

المحكمة الشرعية الجعفرية

دخل علماء الدين الشيعة اللبنانيون إلى مؤسسات الدولة اللبنانية الرسمية بشكل خجول جداً، وكان ذلك في عشرينات القرن المنصرم، حيث تشكل القضاء الشرعي الجعفري، في ظل رفض العلماء الأتقياء تولي المناصب الرسمية، بل كان الرفض لأساس قيام محاكم دينية شيعية مرتبطة بالسلطة الرسمية.
وهذا الموقف السلبي من ارتباط رجال الدين بالسلطة الرسمية لا يقتصر على لبنان فحسب، بل إنه ديدن علماء الشيعة عموما..

ففي سوريا اتخذ نفس الموقف الإمام السيد محسن الامين (قدس سره) ومنع قيام محاكم جعفرية في الشام، على غرار المحاكم التي تشكلت في بيروت.
كذلك، فإن موقف كبير مراجع الشيعة في عصرنا، الإمام السيد علي السيستاني (دام ظله) منع قيام شيء مماثل في العراق، حيث تصدى لما سمي بالقانون الجعفري، ولذلك لا نجد في العراق محاكم دينية على غرار ما هو موجود في لبنان.

اقرأ أيضاً: القضاء الجعفري.. مباراة لإعلان الناجحين «سلفاً»!

وبالإجمال، فقد تأسس القضاء الشرعي الجعفري بصيغته الراهنة في العام ١٩٢٦، أي في عهد الإنتداب الفرنسي على لبنان، ولم يكن الشيعة بصدد هذه المحاكم، كما لم يطالب علماء الشيعة بذلك، بل لم يتشجعوا لها، وهذا ما يعبر عنه القاضي الشرعي الجعفري الشهير الشيخ محمد جواد مغنية(رضوان الله عليه) حيث يقول في تجاربه: [عرضت رئاسة المحكمة الجعفرية بلبنان على الكبار من علماء الشيعة فاستنكفوا عنها، وقبلها شيوخ من الدرجة الثانية أو الثالثة] كون الذهنية الشيعية ترى ما يصرح به الإمام السيد محسن الامين (قدس سره) في “خطط جبل عامل” بقوله:

[جميع القضاة والمفتين المعينين من قبل الحكّام ليس لهم من القضاء والفتوى إلا الاسم إذا لم يكونوا مجتهدين عدولاً، لأن الشيعة الإمامية الجعفرية تعتقد، حسبما رسمه لها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن منصبي الفتوى والقضاء مختصان بالفقهاء المجتهدين الثقات العدول القادرين على استنباط الأحكام الشرعية] وهذا ما يفسر إعراض كبار العلماء عن هذه المناصب الرسمية، وإقبال المعممين من الطبقات المتأخرة على هكذا وظائف.

حيث كان العلماء يرون أن ربط المؤسسات الدينية بالحكومة يجعل العالم الديني تحت سلطة رجال السياسة، وهذا ما حصل بالفعل، حيث أضحى المعممون تحت رحمة الساسة، وهذا ما أدى – من خلال التجارب الميدانية – لانحطاط مستوى أهل العلم والدين.. ولطالما كان بعض العلماء في مستوى مرموق، وانحدر مستواهم بعدما تولوا مواقع دينية رسمية.

السابق
العلية يفتح «طاقة» الفساد ويضبط أبي خليل بالوثائق المشهودة.. هل من يتحرك؟
التالي
اللقاء التاسع انتهى بسلبية حادة.. عون غاضب من الحريري: ماذا جرى بينهما؟!