مشروعية زيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم الأربعين

زيارة الاربعين

على قاعدة الاستفادة الدائمة من فقاهة عميد الخطباء الحسينيين في دول عدة ، من دول الخليج العربية إلى العراق إلى إفريقيا إلى غيرها من دول العالَم سماحة العلامة الحجة الدكتور الشيخ إبراهيم العاملي حفظه الله ، وفي أيام ذكرى أربعينية الإمام الحسين بن علي عليه السلام ، رغبنا بإجراء الحوار التالي حول مشروعية الزيارة الأربعينية مع سماحته ، فكانت هذه الأسئلة ، وكانت هذه جواباته حفظه الله ورعاه …

السؤال الأول: فضيلة الدكتور ما حقيقة هذه الضخة التي يثيرها البعض كل سنة لانتقاد زيارة الإمام الحسين عليه السلام في ذكرى أربعينه؟

الجواب: بسم الله الرحمان الرحيم .. في الواقع في كل عام ومع دنو موعد الزيارة المليونية لمرقد الإمام الحسين بن علي عليه السلام في مدينة كربلاء العراقية المقدسة والتي يقوم بها ملايين المسلمين الشيعة إلى جانب بعض المسلمين السنة وبعض المسيحيين ومن طوائف أخرى كالإسماعيلية البُهرة وأغلبهم من الهند ، وكصابئة العراق وزيدية اليمن ، ومن مختلف أنحاء العالم ، وتزامناً مع هذه الزيارة التي طالما أطلقت الداعي عليها إسم : ” يوم الحج الأصغر ” في مقابل ما أطلقه القرآن على : ” يوم الحج الأكبر ” ، ففي كل عام وتزامناً مع هذه الزيارة المليونية والتي تتعاظم سنة بعد سنة تبدأ بعض الأبواق التشكيكية والتكفيرية عبر قنوات فضائية معروفة تبدأ بمهاجمة الزائرين والتشنيع عليهم ووصفهم بأوصاف غير موضوعية وغير حقيقية ، وفي عقيدتي لا ينبغي الاستماع لهذه الأبواق ، ويكفينا الرد الفقهي في هذا المجال ..

اقرأ أيضاً: المزارات العاملية ومدلولاتها الحضارية والدينية

السؤال الثاني: ما هو الحكم الشرعي لزيارة ضريح الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء؟

الجواب : زيارة الامام الحسين عليه السلام هي من المستحبات المؤكدة في مشهور فتاوى فقهاء الإمامية ، وقال البعض بوجوبها في العمر مرة على القادر ولكن الحكم بالوجوب ليس مشهوراً ، فالشهرة الفتوائية على الاستحباب المؤكد ، وهذا الاستحباب المؤكد هو من الأمور الثابتة مطلقاً في أي وقت وفي كل آن وأوان ومنه تمام أيامِ وأوقات السنة ، ودل على هذا الاستحباب المطلق الروايات المتواترة والصريحة التي يطول المقام بعرضها ..
السؤال الثالث : ما الدليل الفقهي على مشروعية زيارة ضريح الإمام الحسين عليه السلام يوم الأربعين ؟ وما تقول دكتور في حكم المشي إلى ضريحه؟

الجواب: الدليل الفقهي الأساسي العام على مشروعية زيارته عليه السلام مطلقاً هو من أدلة مشروعية الزيارة الأربعينية ، فتكون زيارته عليه السلام في اليوم المصادفِ ليوم الأربعين من استشهاده داخلٌة في عموم ما دلَّ على استحباب زيارتِه في مُطلقِ أيام السنة .. وتُرَدُّ دعوى من يقول : إن زيارته عليه السلام مطلقاً من البدعة بالأدلة العامة الدالة على استحباب زيارة قبور المؤمنين وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وآله بزيارة قبر أمه آمنة بنت وهب عليها السلام وغيره من قبور أرحامه وأصحابه صلى الله عليه وآله ..
وأما المشي لزيارة قبر سيد الشهداء عليه السلام فقد صرحت باستحبابه عشرات الروايات وبينت عظيم الفضل وجزيل الأجر له وذكر أكثرها ابن قولويه في كتابه: “كامل الزيارات”..

استحباب الزيارة الأربعينية

أما بالنسبة لاستحباب الزيارة الأربعينية بالخصوص فقد صرح فقهاء الإمامية باستحبابها ونقل جل أقوالهم في ذلك صاحب الجواهر رحمه الله ، وبين مستند هذا الاستحباب ، وذكر من جملة ذلك حديث علائم المؤمن الخمس وقال : إنه من النصوص المستفيضة ( را : كتاب الصلاة من ” جواهر الكلام ” ج 9 ) ..
أما ما يمكن الاستدلال به على استحباب الزيارة الأربعينية بالخصوص فهو النص الذي أوردَه الشيخ الطوسي رحمه الله في كتابه : ” التهذيب ” ، قال : ” أخبرنا جماعةٌ من أصحابنا عن أبي محمَّد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري ، قال : حدَّثنا محمَّد بن علي بن مَعْمر ، قال : حدَّثني أبو الحسن عليُّ بن محمد بن مسعدة والحسنُ بن عليٍّ بن فضال عن سعدان بن مسلم عن صفوان بن مهران الجمَّال ، قال : قال لي مولاي الصادق عليه السلام في زيارة الأربعين : ” تزورُ عند ارتفاعِ النهار وتقولُ : السلامُ على وليِّ اللهِ وحبيبِه ، السلامُ على خليلِ الله ونجيبِه ، السلامُ على صفيِّ الله وابن صفيِّه ، السلامُ على الحسينِ المظلومِ الشهيدِ ، السلام على أسيرِ الكُربات وقتيلِ العبَرات .. وتُصلِّي ركعتين وتدعو بما أحببتَ وتنصرف ” ( ١ ) .

فهذه الرواية موثَّقة من طريق الحسن بن عليِّ بن فضَّال ، فمحمَّد بنُ عليِّ بن مَعْمر هو أبو الحسين بن مَعْمر الكوفي ذكره الشيخُ الطوسي في كتابه : ” الفهرست ” ، وأفاد أنَّ له كتباً منها كتاب : ” قرب الإسناد ” ( 2 ) ، وذكره في الرجال تحت عنوان محمَّد بن عليِّ بن معمر الكوفي ، قال: ويُكنى أبا الحسين صاحب الصبيحي، سمِع منه التلعكبري سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وله منه إجازة ( 3 ) ؛ وعنونه ابنُ النديم البغدادي ( 4 ) في فقهاء الشيعة ومحدِّثِيهم وعلمائهم بلفظ «أبو الحسين بن معمّر الكوفي» قائلاً : وله من الكتب كتابُ قرب الإسناد ( 5 ) .. فالرجل إذن من المعاريف ولم يرد فيه قدحٌ فهو ثقة .

وأما سعدان بن مسلم فهو من المعاريف كذلك ، ومن أصحاب الأصول ، وهو من مشايخ صفوان بن يحيى البجليِّ الذي لا يروي ولا يُرسلُ إلا عن ثقة ، وقد وثَّقه عليُّ بن ابراهيم القميِّ في تفسيره ضمن توثيقِه العام لرجال أسناده في التفسير ، وأما بقيةُ رجال السند فهم من الثقات الأجلاء ، ولذلك فالرواية معتبرةٌ سنداً .
وهي من حيثُ الدلالة صريحةٌ في أنَّ ليوم الأربعين زيارةً خاصَّة يُزارُ بها الإمام الحسينُ عليه السلام عند ارتفاع النهار ، وذلك يقتضي تأكُّد الاستحباب ، إذ أنَّ أصلَ الإستحباب ثابتٌ في مطلق أيام السنة فإذا تمَّ النصُّ على يومٍ بالخصوص كيوم عرفة فإنَّ ذلك يكونُ ظاهراً ظهوراً بيِّناً في أنَّ لهذا اليوم خصوصيَّةً يتأكَّدُ بمقتضاها الاستحباب ؛ كما هو الشأنُ في مثل الصوم فإنَّه مستحبٌ في مطلق أيام السنة فإذا تمَّ النصُّ على يومٍ مخصوص فإنَّ ذلك يقتضي تأكُّد استحبابِه ، وهكذا هو الشأنُ في الصلاة فيُستحبُّ الإتيان بها في كلِّ وقت ، فإذا تمَّ النص على وقتٍ مخصوصٍ فإنَّ ذلك يكونُ مقتضياً لاستظهار تأكُّد استحبابِ الصلاة فيه .

اقرأ أيضاً: نظرة في تاريخ علماء ومراجع جبل عامل

هذا ويُمكن الاستئناس لمزيد من تأكُّد الاستحباب لزيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم الأربعين بما رواه في الشيخ الطوسي في كتابيه : ” مصباح المتهجد”، و” تهذيب الأحكام ” ، ورواه مرسَلاً عن الإمام أبي محمدٍ الحسنِ العسكري عليه السلام أنَّه قال : ” علاماتُ المؤمن خمس : صلاةُ الواحد والخمسين ، وزيارةُ الأربعين ، والتختُّم في اليمين ، وتعفيرُ الجبين ، والجهرُ ببسم الله الرحمن الرحيم ” ( 6 ) ، وهو ما صرح الجواهري رحمه الله باستفاضته ، وأسنده المشهدي في كتابه : ” المزار الكبير ” عن أبي هاشم الجعفري ، عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، وصرح باعتباره غير واحد من الأعلام ومنهم الكاظمي في كتابه : ” عمدة الزائر ” ، والكفعمي في كتابه : ” المصباح ” .

لمعرفة بعض الهوامش راجع:
1- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي – ج6 ص113-114، مصباح المتهجد – الشيخ الطوسي- ص788-790.
2- الفهرست -الشيخ الطوسي- ص277 .
3- الأبواب (رجال الطوسي) -الشيخ الطوسي- ص442.
4- توفي سنة 438.
5- فهرست ابن النديم – ابن النديم البغدادي – ص278.
6- تهذيب الأحكام – الشيخ الطوسي – ج6 ص52، مصباح المتهجد – الشيخ الطوسي – ص788.

السابق
الكورونا يخرج عن السيطرة في لبنان.. رقم قياسي جديد للاصابات والوفيات!
التالي
المدارس الخاصة ترفض التعليم عن بُعد.. بشكل مُطلق!