التعميم 154 يثير زوبعة تساؤلات قانونية.. ما مصير أموال المودعين؟!

مصرف
يدور نقاش حام في أروقة المصرفيين والاقتصاديين والمودعين والقانونيين حول تعميم مصرف لبنان رقم 154 الذي أصدره الحاكم منذ نحوعشرة أيام طالبا من المصارف اللبنانية تطبيقه، وسرعان ما "شمّر" الجميع عن ساعديه للبحث والتمحيص عن كيفية تطبيق هذا التعميم الذي تتباين الآراء والتفسيرات حوله.

منهم من يعتبر التعميم رقم 154 طريقة لتفادي تطبيق “الـهيركات” على أموال المودِعين، عبر حثّهم على استرجاع أموالهم من الخارج ووضعها في حساب خاص باسمهم، بينما يرى آخرون أنه أحد الحلول التي تساعد الحكومة المقبلة على إراحة الوضع المالي إلى جانب إنشائها صندوق بممتلكات الدولة لتأمين كفالة فقط لأي خطة معالجة قد تحدث لاحقا .

على ضفة الخبراء القانونيين هناك من يرى التعميم انتهاكا للدستور والقوانين والمبادىء العامة القانونية، لأنه يتضمن “أحكاما تشريعية عامة تجعله صادرا عن مرجع غير مختص، وبالتالي منعدم الوجود وقابلاً للابطال أمام المراجع القضائية المختصة”. ولذلك تتحضر أكثر من جهة من المجتمع المدني للطعن به لأسباب عدة منها تحديد التعميم بتاريخ تموز 2017 لإعادة  الأموال التي تم تحويلها إلى الخارج، وهذا برأي القانونيين تحديد اعتباطي وإعطاء مفعول رجعي لأحكامه بشكل غير مبرر، ويمنح حصانة للحسابات المصرفية المشبوهة تحت ستار التحفيز على إعادة الأموال المحوّلة.

على صعيد جمعية المصارف وهي المعني الاكبر بتنفيذ التعميم، فإنها تتعاطى معه وفقا للمثل القائل”بدها تاكل عنب من دون ما تقتل الناطور”، بمعنى أنها سجلت ملاحظات جمة على التعميم لجهة آلية تطبيقه وكيفية دفع المودعين التقيد به، لكنها سلكت طريق الحوار والنقاش مع مصرف لبنان للوصول إلى حلول ترضي الجميع من دون حصول مواجهة في هذه الظروف الضاغطة التي تمر بها البلاد والعباد، إذ أقدمت الاسبوع الماضي على تقديم كتاب رسمي إلى مصرف لبنان يتضمن ملاحظاتها واستفساراتها لتطبيق التعميم .

صعوبات عملية وثغرات قانونية

ما يمكن استنتاجه مما سبق أن هناك صعوبات عملية وثغرات قانونية تحول دون تطبيق التعميم 154 لأن الاموال خرجت في لبنان تحت سقف القوانين والتعاميم المرعية الإجراء،  وبالتالي فإذا كان الهدف من هذا التعميم من إستعادة الثقة بالقطاع المصرفي والمالي اللبناني واستعادة دوره، فإن هذا الامر لا يتحقق من خلال التعميم وحده أو أنه مهمة حصرية بالقطاع المالي، فالحل (بحسب محللين) هو في مكان آخر ويتلخص بعبارة “إستعادة الثقة ” بالبلد والتي هي المفتاح السحري الذي سيفكّ قيود البلد واقتصاده ومؤسساته، وإعادة بناء الثقة برأيهم ليس مهمة حصرية بالقطاع المالي بل هي في المقام الأول منوطة بإستعادة الدولة لسيادتها ومسؤوليتها المركزية وقراراتها المحورية في المهمة الإنقاذية المطلوبة لتستحق دعم المجتمع الدولي، وعليها الإقرار وليس إنكار مسؤوليتها عن الإيفاء بدينها الذي يعود للمودعين في نهاية السلسلة الشائكة بين المدين “الدولة” والدائن “المواطن الذي لا يعرف متى تفرج المصارف عن أمواله”.

قابلية تطبيق التعميم

كل ذلك يجعل البحث عن قابلية التعميم 154 للتطبيق أمرا مشروعا في ظل القوانين اللبنانية التي تكفل السرية المصرفية وحرية نقل الأموال، و ينطلق المرجع القانوني ورئيس منظمة “جوستيسيا”الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص للإجابة على هذا السؤال بالقول لـ”جنوبية” أن”غاية التعميم حميدة لكن دونه إشكاليات قانونية وكان يجدر عدم شموله الذين حوّلوا الأموال بحسن نية”، لافتا إلى  أن “الإجتهاد كان حاسماً في مسألة أن المرجع المختص للطعن بالتعميم الصادر عن مصرف لبنان هو مجلس شورى الدولة، لأن مصرف لبنان يقع  تحت وصاية وزارة المالية وخاضعا لرقابة القضاء الإداري في ما يتعلق بالقرارات الادارية التي يتخذها إزاء المؤسسات المصرفية والمالية الخاضعة لرقابته”.

يشرح مرقص أن هناك  أربعة أسباب قد تقف وراء إبطال التعميم  وهي “أولا عدم الصلاحية أي الأعمال الصادرة عن سلطة غير صالحة، ونلحظ أنه من خلال تعميمه، لكأنه شرع مصرف لبنان جرماً جزئياً جديداً في المادة الخامسة، ثانياً بحيث تعود هذه السلطة إلى المشرع اللبناني وحده علماً أنه بتاريخ ١/٧/٢٠١٧، لم يكن للعميل الذي حول أمواله إلى الخارج أي نية جرمية أصلاً، كما أنه لا يجوز تشريع جرم وإعطائه مفعولاً رجعياً، وهذا ما يتناقض مع المادة الأولى من قانون العقوبات والمبادئ العامة القانونية”.

مرقص لـ”جنوبية” : التعميم خطوة حميدة لكن دونها  تساؤلات قانونية

ويسأل مرقص:”هل يخالف التعميم إحدى أسمى المبادئ القانونية، كالملكية الخاصة والنظام الاقتصادي الحر وعدم التمييز والمساواة أمام القانون، كما أن لأحكام هذا التعميم مفعول رجعي، فهل تقبله المبادئ القانونية؟”، لافتا إلى أنه “يعتبر الموجب المفروض على المصرف هو موجب وسيلة وليس موجب نتيجة، ولكن يقع هذا التعميم مبهما وغير عادل، خاصةً وأن العميل غير ملزم بهذا القرار، فكيف يمكن معاقبته؟ وبالتالي ما هي مسؤولية المصرف في حال رفض العميل بتحويل الأموال إلى حساب خاص؟”.

ويضيف:”هل يشكل الضغط على العميل لحثه على الالتزام بالتعميم عيباً من عيوب الرضى في القانون المدني مما قد يؤدي إلى إبطال العقد لعلّة الاكراه؟ كما أن هذا القانون لم يحدد معايير تطبيقه على بعض الحسابات، كالحسابات المشتركة والحسابات الإئتمانية وحسابات غير المقيمين وحسابات الشركات والجمعيات”.

الخبير الدستوري بول مرقص
مرقص

ويلفت مرقص إلى أن “هذا هذا القرار وضع  تاريخ ١/٧/٢٠١٧ كمعيار لفرض هذه أحكامه، فهل من مبرر قانوني لإعتماد هذا التاريخ لأن التحاويل آنذاك كانت طبيعية، وماذا لو كان المحوّل تاجراً وسدّد ثمن بضاعة؟ وكيف للمصرف أن يضمن حق العميل الذي يعيد نسبة من تحويلاته؟ هل بيده ضخّ الثقة المفقودة؟ وكيف يمكن “للحثّ” الذي نص عليه التعميم، أن يرتّب مسؤوليات قانونية؟هل للمصارف أن تحيل كل من لا يتجاوب معها إلى هيئة التحقيق، واستناداً لماذا؟ وهل بمقدور الهيئة النظر بعشرات آلاف الملفات؟”.

ويبدي مرقص خشيته من”أن تحدث لدى ما تبقّى من مصارف مراسلة للمصارف اللبنانية، خشية أو ريبة من التحويلات السابقة (بدءا من العام 2017 التي نص عليها التعميم) إذ، بإستطاعة المصارف المراسلة أن تسأل “لو كانت الأموال مشبوهة، لماذا تحويلها وإمرارها عبرها أساساً؟”.

ويوضح مرقص أن الجهة التي يحق لها الطعن بالتعميم هي جمعية المصارف أو جمعيات التجار ومثيلاتها وفي أي مودع حوّل أكثر من 500 ألف دولار أميركي، أما مهلة المراجعة العادية فهي شهران حتى تاريخ 27 تشرين الأول 2020, وإذا لم تقدّم مراجعة الطعن ضمن هذه المهلة يصبح هذا التعميم أمراً واقعاً لا مفرّ منه”. 

مردود معنوي

على ضفة الخبراء الاقتصاديين فإنهم يعتبرون أن التعميم هو فرصة مهمة قد يكون مردودها المعنوي أكثر فعالية من مردودها المالي، وفي حال تحقّقت من الممكن أن تحضّر لانطلاقة واعدة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي يبدو الآن أكثر مرونة مع الوضع اللبناني، وفي هذا الإطار يوضح الخبير الاقتصادي نسيب غبريل لـ”جنوبية” أن “التعميم 154 يتضمن العديد من النقاط التي تحتاج إلى استيضاح وهذا ما قامت به جمعية المصارف عبر كتاب وجهته إلى مصرف لبنان تضمن أسئلة تستوضح آلية تطبيق التعميم، لأنه احتوى على نقاط غامضة  منها حث المصارف للمودعين على إرجاع 15 بالمئة  من الودائع التي تم تحويلها الى الخارج والتي تتخطى ال500 ألف دولار، وإرجاع 30 بالمئة من هذه الودائع إذا كان هؤلاء المودعين مساهمين أساسيين أو أشخاص معرضين سياسيا، وهنا كتاب الجمعية يسأل عما إذا كان المطلوب استرداده هو كل مبلغ يتخطى 500 ألف دولار أو 15 أو 30 بالمئة من المبالغ التي تم تحويلها إلى الخارج من الودائع التي تبلغ 500 ألف دولار و ما فوق؟”.

غبريل لـ”جنوبية”: “المصارف” ليس هدفها الطعن بالتعميم انما إيضاحات

يضيف:”سأل الكتاب عما إذا كان التعميم يطبق على أشخاص كانوا يملكون حسابات في المصرف وتم إقفالها، وفي حال قامت المصارف بدورها والمودع لم يستجب لتنفيذ التعميم ماذا يحصل؟ هل يخضع المصرف لقانون 44 الذي ينص على مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب أو يخضع المودع لهذا القانون؟ وهل يطال هذا التعميم التجار الذين يطلب منهم تحويل 15 بالمئة من الاعتمادات التي تم فتحها خلال سنوات 2017 وحتى الآن؟ والسؤال هل لا يزال التجار يملكون هذه الأموال أم تم صرفها”.

نسيب غبريل
غبريل

يشرح غبريل أيضا أن”التعميم يطلب من المصارف إحتساب الودائع من تموز 2017، والمصارف تعتبر أنه من الصعب العودة زمنيا الى الوراء لتطبيق هذا التعميم، كما أنه طلب إستعادة المصارف لهذه الودائع وتجميدها على 5 سنوات وطلب من المصارف أن تضمن للمودعين أن أموالهم محفوظة”، موضحا أنه “بغض النظر عن أي تطور آخر والسؤال الذي وجهته الجمعية للمصرف المركزي بأي طريقة يمكن ضمان هذه المبالغ  بعد 5 سنوات هناك العديد من الأسئلة الكثيرة التي تنتظر الإجابة من مصرف لبنان”.

ما الحل؟

يجيب غبريل:”الحل هو بالايضاحات التي تنتظرها جمعية المصارف من مصرف لبنان، علما أن جمعية المصارف ليس هدفها الطعن بالتعميم بل الحصول على إيضاحات،الاستيضاح أرسل الأسبوع الماضي ومن المفروض أن يصدر الجواب من المجلس المركزي أي الحاكم ونوابه الأربعة ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان ومديري عام وزارتي المالية و الاقتصاد، ويمكن أن تأتي الاجوبة من الدائرة القانونية في مصرف لبنان”.

السابق
الراعي: «المالية» ليست ملكاً للشيعة..وأحمد قبلان يرد: الحكومة ليست حكراً على أحد!
التالي
قرار كوروني قريباً.. وحسن يدعو لإقفال البلد أسبوعين!