حلفاء حزب الله «يتحسسون رقابهم».. هكذا تدرجت العقوبات لتتخطى «البيئة الشيعية»!

العقوبات الامريكية حزب الله

بعد فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) في وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على الوزيرين السابقين للأشغال يوسف فنيانوس (في حكومتي الحريري 2016 و2019) والمال علي حسن خليل (في حكومات تمام سلام 2014 والحريري 2016 والحريري 2019) “اللذين قدما الدعم المادي لحزب الله وشاركا في الفساد” كما وصفهما البيان الرسمي للمكتب، متهمًا فنيانوس بالتورط عندما كان وزيرًا في “سحب” الأموال المخصصة لعقود بملايين الدولارات في الموازنات الحكومية إلى شركات مملوكة لحزب الله وبالعمل على ضمان فوزها بالعروض، كما أنه تلقى في العام 2015 مئات آلاف الدولارات من الحزب مقابل خدماته السياسية. ويذكر البيان أن لقاءات كثيرة جمعت في العام ذاته (2015) فنيانوس بمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا (المُدرج أيضًا على لائحة العقوبات مع نائبي حزب الله أمين شري ومحمد رعد بموجب الأمر التنفيذي الأميركي رقم 13224 الذي يستهدف الإرهابيين ومن يقدمون إليهم الدعم)، كما أنه ساعد هذا الحزب “في الوصول الى معلومات قانونية حساسة” متعلقة بعمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، واستغلّ أموال وزارته “لتقديم امتيازات لدعم حلفائه السياسيين”.

اقرأ أيضاً: عندما تفرح ٨ آذار بـ«معاقبة» الوزيرين!

أما خليل، فاتهمه المكتب بالاتفاق مع حزب الله قبيل انتخابات 2018 النيابية على نقل الأموال من الوزارات الحكومية إلى مؤسسات الحزب بطريقة آمنة وقادرة على تجنّب العقوبات الأميركية (راج في لبنان وقتها أن خليل فتح حسابات مصرفية لمرشّحي “حزب الله” في وزارته لأن المصارف تمنعت عن ذلك بسبب العقوبات الأميركية على الحزب)، كما وجّه المكتب إليه تهمة استخدام منصبه لمحاولة جعل الحزب يواجه صعوبة أقل في نقل الأموال، وتهمة إعفاء أحد منتسبي حزب الله من دفع معظم الضرائب على الإلكترونيات المستوردة إلى لبنان. ووصم بيان المكتب خليل بالفساد المالي أيضًا، إذ “رفض من أواخر 2019 التوقيع على شيكات مستحقة الدفع للموردين الحكوميين مطالبًا بدفع نسبة من العقود له شخصيًا”.

العقوبات الأميركية لن تتوقف

وبعد إعلان العقوبات على الوزيرين خليل وفنيانوس التي ستشمل تجميد الأصول، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن بلاده «ستُعاقب كل سياسي لبناني يساعد حزب الله… وأي شخص يساعده على تنفيذ أجندته الإرهابية»، وأكد أن “العقوبات رسالة قوية لحزب الله”، وأنه وزارته “تدرس فرض عقوبات إضافية على داعمي الحزب وتشجع المجتمع الدولي على محاسبة الفاسدين في لبنان”، فيما تتردد أخبار بأن على اللائحة التالية للعقوبات الوزير جبران باسيل، وابنتا الرئيس ميراي وكلودين عون، والوزير سليم جريصاتي، ومصرف “سيدروس”، في وقت طلب الرئيس اللبناني ميشال عون من وزير الخارجية اللبناني الاتصال بالسفارتين الأميركية في بيروت واللبنانية في واشنطن للاطلاع على ظروف إملاء قرار وزارة الخزانة ليبنى على الشيء مقتضاه، وهي أخبار من شأنها إن صحّت زلزلة الوسط السياسي برمته في لبنان، أولًا لأنها تأكيد إضافي أن منهجية العقوبات الأميركية الجديدة لن تتجنب أي داعمين لحزب الله ولو من الطائفة المسيحية، الذين كان فنيانوس المسيحي ثانيهما، بعد أول هو طوني بطرس صعب (انظر التفاصيل لاحقًا)، ما يتقاطع مع تأكيد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر أن المتورطين من كافة المذاهب والأديان بتمويل الحزب معرضون للعقوبات. وثانيًا لأن بقية داعمي الحزب بدأوا بتحسّس رقابهم بعد التيقن أن التلويح بالعقوبات انتقل إلى التنفيذ وأن مرحلة المصالح المشتركة بين الأميركيين وبين ما يسمى “محور الممانعة” في المنطقة قد ولت، وأن المرحلة الراهنة هي لـ”محاصرة النفوذ الإيراني في الإقليم”.

بين العصا الأميركية والليونة الفرنسية

ويأتي قرار العقوبات الأميركية هذا للضغط من أجل إنجاح مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي تتضمن تشكيل حكومة في لبنان، بعد تسريبات عن رفض الطاقم الحاكم اختيار الرئيس المكلف مصطفى أديب اختصاصيين مستقلين لها، ومراوحته القاتلة عند عقلية المحاصصة والاستئثار، عبر إصرار الرئيس بري على الاحتفاظ بوزارة المال حكرًا على الطائفة الشيعية، على أن يختار هو وزيرها، وإصرار الرئيس ميشال عون على إبقاء وزارة الطاقة “محمية” خاصة بالتيار الوطني الحر، فتمّ الضرب على الخاصرة الرخوة باستهداف الطرفين الأهم بالنسبة إلى حزب الله: توأم “الثنائي الشيعي” عبر رجله الأكثر تقربًا، وأبرز حلفاء حزب الله المسيحيين، للوصول (عملًا بمبدأ “عم إحكيك يا كنّة”) إلى أكبر هؤلاء وخلخلة التحالف الذي خطّوه في مار مخايل. كما أن في العقوبات رسالة سياسية مزدوجة لبري بأن عليه أولًا التوقف عن عرقلة مهمة أديب وتسخير مجلس النواب لمصلحة الحزب الإيراني، وثانيًا تقديم تنازل في ملف ترسيم الحدود البحرية والتفاوض على جعلها مصلحة للبنان وليس لحزب الله، وخصوصًا بعد تغريد مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد شينكر على “تويتر” بالقول: “لم نصل الى اتفاق بشأن ترسيم الحدود. ديفيد ساترفيلد قضى سنة كاملة بين لبنان وإسرائيل محاولاً الوصول الى إطار عمل لبدء المفاوضات. هذا الأمر كان يجب أن ننتهي منه منذ وقت طويل”.

سلاح الحزب على طاولة النقاش

ورغم اتفاق واشنطن وباريس على وجوب طرح موضوع نزع سلاح الحزب على طاولة النقاش، إلا أنهما مختلفتان في كيفية فعل هذا، ففي حين تفضل الإدارة الأميركية سياسة العصا الغليظة وإجبار الحزب على تسليم سلاحه، يعتقد الفرنسيون أن الحزب ممثل لشريحة واسعة من اللبنانيين، وأن مزاوجة الحوار مع العقوبات المالية هي أفضل السبل للوصول إلى الهدف المرجو. وتتقاسم العاصمتان الأدوار على الساحة اللبنانية، فماكرون يلوح بعصا العقوبات وترامب يضرب بها، إلا أن واقع حال السلطة في لبنان المتمثل بالهيمنة المطلقة لحزب الله على شؤونها في الأمور المصيرية لا يبشر بأنها ستتناول الجزرة الفرنسية التي قدمها ماكرون لاستمالتها، وهي جزرة الوعد بالإفراج عن الأموال من الخارج -وخصوصًا أموال “سيدر”- مقابل القيام بالإصلاحات المطلوبة من المجتمعين اللبناني المدني والدولي، وذلك لسببين اثنين، الأول أن الإصلاحات سوف تكشف فساد السلطة الحاكمة، فكيف لمجرم أن يحاكم نفسه؟ والثاني أن حزب الله يعلم علم اليقين أن هذه الخطوة على استحالتها لو نُفّذت فسوف تتبعها حكمًا خطوةُ عرض سلاحه على بساط البحث بعد رأس السنة الحالية كما طلب ماكرون خلال اجتماعه بمحمد رعد.

طوني صعب أول شخصية “مسيحية” تشملها العقوبات

وكانت وزارة الخزانة قد عاقبت في 13 كانون الأول/ ديسمبر 20019 ثلاثة أشخاص واحد منهم هو للمرة الأولى من خارج بيئة حزب الله الطائفية، المسيحي طوني صعب، رجل الأعمال المقرب جدًا من جبران باسيل، وذلك بتهمة “توفير الدعم المالي والتكنولوجي لأدهم حسين طباجة” (المصنف أميركيًّا ضمن ثلاثة أخطر مطلوبين لتمويل حزب الله، وهم طباجة، ومحمد يوسف بزي، وعلي يوسف شرارة). وإلى صعب (الذي نفى في مقابلة صحفية العام السابق التهمةً جملة وتفصيلًا وأيَّ علاقة له بباسيل أو بحزب الله).

كذلك شملت العقوبات بتهمة التورط بتبيض الأموال لمصلحة حزب الله، كلًّا من ناظم سعيد أحمد وصالح عاصي، والأخير هو رئيس شركة “إنتر أليمنت” الناشطة في أفريقيا والتي يعمل طوني صعب محاسبًا فيها وشارك بحكم وظيفته في تسهيل تحويل ملايين الدولارات إلى شركتي “مينوكونغو” و”إنتر أليمنت”، كما شارك في تسهيل مدفوعات عاصي إلى طباجة. وقد جاءت العقوبات في حق صعب إنذارًا تمهيديًّا لباسيل بأنه غير مستبعَد عن دائرة العقوبات في المراحل التالية.

طوني بطرس صعب
طوني صعب
شخصيات شملتها العقوبات

فهل تؤتي العقوبات أُكُلها وتسير رياحها بما تشتهي سفن التحالف الفرنسي-الأميركي، أم ستكون الأيام المقبلة، نظرًا إلى تجاربنا المرّة مع الحزب الإيراني في لبنان، ذاخرة بأحداث كبرى تخلط الأوراق وتعيد الأمور إلى نقطة الصفر يلجأ إليها هذا الحزب عندما يشعر بأنه “محشور” بين مطرقة التهديد الفعلي بتخلي بعض قاعدته الشعبية الحاضنة عنه بسبب الوضع الاقتصادي، وسندان تفكيك تحالفاته أو إضعافها بسبب العقوبات الأميركية؟ لننتظر ونرَ، فإن غدًا لناظره قريب.

السابق
أكثر من 50 مليار دولار.. تقرير يفنّد خسائر كارثة مرفأ بيروت بالأرقام والتفاصيل!
التالي
«جنوبيون للحرية» ينتقدون أداء السلطة: تلكؤ واستهتار!