بالوقائع.. الفريق التشيلي يفضح التلاعب بـ«نبض» اللبنانيين في المرفأ!

انفجار المرفأ مار مخايل

كأن ما يحدث عهدٌ عاهد أسوأ العهود في تاريخ الجمهورية نفسَه عليه، أن يحارب اللبنانيين حتى آخر لبناني. فساد، سرقة، أموال محجوزة غصبًا، اقتصاد مدمّر، غلاء فاحش، طبقة متوسطة متبخّرة وأخرى فقيرة متنامية بسرعة ضوئية، جوع، هجرة، انتحار… وأخيرًا إهمال مديد ومتراكم سبَّب انفجارًا فجّر الرابط الأخير بين مكونات الشعب حتى لاح شبح الحرب الأهلية لا أعادها الله… وأخيرًا ظهور عجز فاضح في استعداد مؤسسات الدولة لإدارة علمية حديثة للكوارث انعكس غيابًا مخزيًا لأي تحرك لفرق إنقاذ مدربة ومجهزة بالمعدات التقنية اللازمة (اللهم سوى جهود رجال الجيش والدفاع المدني المخلصة والمشكورة مع أنها كانت عفوَ الخاطر وغير مبنية على أسس علمية)، ما أضاع أرواحًا لم تكن لتضيع لو أن التحرك كان علميًّا وسريعًا، وأفسح في المجال أمام انسياق اللبنانيين وراء رواية ساهمت الصحافة اللبنانية –للأسف- في ترويجها وتصديقها، عن عالقين أحياء بعد شهر من الكارثة، فجاءت نتائجها ضارة عليهم، إذ زادتهم غمًّا على غم، في وقت انهمك العهد ورجالاته بالسعي إلى طمس حقيقة التقصير والتنصل من مسؤوليتهم عن الفاجعة، لعلهم يتابعون بعدها -لا قدّر الله- سلسلة موبقاتهم التي لا تنتهي.

ما هي تقنيات الإنقاذ المتطورة؟ وعلامَ ينص علم الإنقاذ الحديث؟

تتّبع الأمم المتحدة في عمليات البحث والإنقاذ بعد الكوارث في حال عدم العثور على أحياء في اليومين الأولين، مبدأ الاستمرار في عمليات البحث والإنقاذ من خمسة إلى سبعة أيام ثم وقفها بعد ذلك، على رغم وقائع أظهرت في بعض الكوارث الطبيعية أن البعض تمكنوا من البقاء أحياء لمدة أطول، كالمرأة البنغالية التي انتُشلت من تحت أنقاض مصنع بعد 17 يومًا في 2013، وبقاء رجل إثر زلزال هاييتي في 2010 (قُتل فيه 200 ألف إنسان) على قيد الحياة 12 يومًا تحت أنقاض متجر، وإنقاذ كشميرية أربعينية من تحت أنقاض مطبخها في 2005 بعد شهرين على زلزال في المنطقة قال الأطباء حينها إن نجاتها كانت بسبب تشكيل الأنقاض المتساقطة حولها وفوقها مساحة ضيقة سمحت لها بالحركة والتنفس مع توافر مصدر مياه نظيفة، كما سُحب ثلاثة صبية من تحت أنقاض مدرستهم بعد 5 أيام من زلزال باكستان عام 2005 بفضل قطرات قليلة من مياه الأمطار التي تسربت من خلال الأنقاض، وانتشال شاب في الخامسة عشرة من تحت الأنقاض بعد 5 أيام من زلزال نيبال في 2015… وغيرها.

اقرأ أيضًا: لم يجدوا مكاناً ليبيتوا فيه ليلتهم.. فريق التشيلي «المتطوع» يتعرض للتهديد بالسلاح في مار مخايل!

وفي بيروت المنكوبة بانفجار مرفئها، سُجل إنقاذ رجال الدفاع المدني طفلة من تحت الأنقاض بعد 25 ساعة من وقوع الانفجار، وكذلك إنقاذ الجيش اللبناني امرأة من تحت الأنقاض بعد 3 أيام من الحادث.

المرأة التي تم إنقاذها بعد ثلاثة أيام من الانفجار
الطفلة المحتجزة تحت الأنقاض تلوّح لرجال الدفاع المدني قبل أن يتم إنقاذها

لكنّ إمكان بقاء أشخاص أحياء تحت الأنقاض لأكثر من أسبوعين على أثر كارثة أمر “شديد الندرة”، كما تقول الطبيبة تيجسري شاه، من منظمة “أطباء بلا حدود”، فكيف يتم على وجه السرعة القصوى إنقاذ محاصرين تحت أطنان من الأنقاض الخرسانية؟ وكيف تتم العملية لوجستيًّا؟

خطوات عمليات الانقاذ المعتمدة عالميا:

  1. استدعاء المتدربين تدريبًا متقدمًا وليس المبتدئين. يقول مدير العمليات في منظمة “رابيد المملكة المتحدة” (Rapid UK) جون هولاند: “يتدرب أعضاؤنا قبل السماح لهم بالإنقاذ تدريبًا صارمًا لعامين على الانتشار السريع في غضون أقل من 24 ساعة إذ كلما كان الوصول إلى موقع الكارثة أسرع كانت فرص إنقاذ الناجين أفضل، كما فعلنا في زلزال باكستان عام 2005، بالانتشار خلال 21 ساعة فقط”. وتتبع الدول والمنظمات التي تزيد على الـ180 المنضوية تحت لواء “الهيئة الدولية الاستشارية للبحث والإنقاذ –  إنساراغ”  (International Search and Rescue Advisory Group – INSARAG) العاملة تحت مظلة الأمم المتحدة، مبادئ توجيهية موحدة لبعثات الإنقاذ التابعة لها، تتمثّل (كما يصف ونستون تشانغ عنصر الدفاع المدني في بلاده سنغافورة العضو في INSARAG، ومنسق جهود الإنقاذ في زلزال بادانغ بإندونيسيا) في تحضير كل بلد أو منظمةٍ عضوٍ عناصرَها للسفر الفوري إلى المنطقة المنكوبة بمجرد أن تطلب حكومةٌ ما الحصول على مساعدة “إنساراغ”، التي تتحكم عبر موقع إلكتروني شامل ببيانات تحركات هذه الفرق في كل العالم، ومراحل استعدادها وتعبئتها، وتعطي التوجيهات بكيفية الوصول إلى الموقع، والتعليمات لكل من الفرق العاملة وفقًا لتخصصها. ويضرب تشانغ مثالًا على ضخامة العمليات اللوجستية التي تنفذها الهيئة، بأن في بادانغ كان هناك 21 فريقَ إنقاذٍ تابعًا لـ”إنساراغ” من 668 فرداً و67 كلب بحث.
  2. تحليل المهمة بمجرد الوصول إلى الهدف. ويتمثل في (كما تقول جولي ريان، العاملة في “منظمة الإنقاذ الدولي” (International Rescue Corps) البريطانية غير الحكومية) تقييم المبنى وتاريخ بنائه، ومحاولة تحديد مكان وجود الأشخاص فيه، وتحديد مدى تصدعه وخطورة أن ينهار أكثر ويتسبب بأضرار إضافية للمطمورين ولفرق الإنقاذ، والتحقق من أخطار خطوط الكهرباء المنهارة، أو تسرب الغاز، أو إمكان غمر العالقين بمياه متسربة أو مواد خطرة أو حارقة أو غيرها.
  3. الاستكشاف، وهو مقدمة لبدء عمليات الإنقاذ، ويكون أولًا بمناداة العالقين والطلب إليهم إصدار أصوات لتحديد أماكنهم وتسهيل عملية العثور عليهم، وبهذه الطريقة تم انقاذ المرأة البنغالية سالفة الذكر، التي سمعها عمال الإنقاذ تصرخ “أرجوكم انقذوني” فاستخدموا تقنيات تتبع الصوت والصورة لتحديد مكانها.  وتتابع ريان: “ثم توضع آلة تصوير في نهاية عصا مرنة ويتم إدخالها في المبنى لاكتشاف أماكن العالقين وتحديد الطريقة الأمثل للوصول إليهم من الخارج، وكذلك اكتشاف درجات إصاباتهم لتحديد أولوية البدء بالأشخاص ذوي الإصابات الأشد، وكذلك تصوير الأمكنة التي يُحتجزون فيها، لمعرفة المتصدع منها المهدِّد بخطر الانهيار على المحتجزين من الثابت  الذي لا يشكل هذا الخطر”. وتحسبًا لوجود عالقين لم يسمعوا النداء أو سمعوه ولم يجيبوا، نظرًا لإصاباتهم البالغة، يستخدم عمال الإنقاذ أجهزة مزوَّدة ميكروفونات تنقر على الأنقاض ثلاث مرات وتكرر النقر مرارًا، فإذا رد العالقون بالنقر حُددت أماكنهم واتُّبعت الإجراءات لمساعدتهم، وإذا لم يحصل أي رد انتقل المنقذون إلى أنقاض أخرى، ثم أخرى… إلى أن يتم مسح المبنى بأكمله. ومن أدوات الاستكشاف الأخرى نظام التصوير الحراري الذي يعكس حرارة الجسم البشري، والكلاب البوليسية المدربة على اشتمام رائحة البشر، وجهاز تحليل ثاني أكسيد الكربون لاكتشاف التنفس الذي يصدر عن أشخاص فاقدي الوعي.
  4. بدء عمليات الإنقاذ، وتبدأ بالحفر بوساطة اليدين حصرًا لا بالآلات خشية انهيار الأنقاض، وبمجرد ظهور نقب أو ثغرة يمكن العالقين الخروجُ منها، يجب تثبيت الأنقاض بوضع إطار خشبي مستطيل أو أكياس مسطحة تُنفخ بمضخة تحتها، والإفساح في المجال للناجين بالخروج، أما غير القادرين منهم على التحرك فيجب رفعهم أو جرهم أو حملهم من بين الأنقاض باستخدام معدات خاصة. وإذا  تعذر إخراج الناس يدوياً عن طريق الحفر باليد فلا بد عندها –رغم صعوبة العملية- من قص حديد الأنقاض بالنار أو بالمناشير ورفعها نهائيًا لإخراج الناس. وإذا كان المبنى مشيَّدًا بخراسانات حديدية مسلحة فإنها تُخترَق بأدوات متخصصة للوصول إلى الناجين… أما ما يسمى “الإنقاذ بالتبليط”، عبر إزالة بلاطات من الخرسانة الثقيلة، فهو عملية إنقاذ غير مرغوب فيها ولا يجب اللجوء إليها إلا عند فشل العمليات الأخرى، لأنها تنطوي على أخطار حدوث انهيارات جديدة.

ما الذي طبقه فريق الإنقاذ التشيلي خلال بحثه عن ناجين محتملين في مار مخايل؟

  • استخدم الفريق (كما يقول الناشط في إحدى المنظمات غير الحكومية في لبنان إدي بيطار الذي عمل مع التشيليين خلال عملية البحث) أجهزة التصوير الحراري، التي التقطت جسمين تحت الأنقاض وسجلت دورة تنفسية قدرها 18 نبضة في الدقيقة على جهاز الاستماع، إضافة إلى تصرف الكلبة “فلاش” الذي دلّ على وجود أحياء تحت الأنقاض.
  • حفر الفريق للوصول إلى النقطة مصدر النبضات 3 أنفاق، الأول من أعلى ويبعد عنها 2.4 متر (بعد حفر متر واحد أظهرت “فلاش” إشارة ثانية إلى وجود أحياء ما شجع الفريق على حفر النفقين الثاني والثالث) والثاني من الجانب ببعد 1.8 متر، والثالث من الخلف.
  • استخدم التشيليون جهاز مسح حراريًّا هو أقرب إلى الكاميرا التي تصوِّر المشهد العام مع تظهير الأجسام البشرية ذات الحرارة المعينة بلون مميز. ويبدو هذا الجهاز في الحقيقة متخلفًا مقارنة بما توصلت إليه تكنولوجيا علم الإنقاذ حتى اليوم. فما هي أنواع هذه الأجهزة في العالم؟

تقنيات الإنقاذ المتطورة حول العالم

في روسيا، نشرت وكالة “نوفوستي” نقلًا عن الموقع الإلكتروني لـ”معهد عموم الروسيا لبحوث الدفاع المدني وحالات الطوارئ”، أن علماء المعهد ابتكروا جهاز رادار متحركًا يعمل بنظامين يسمحان بتحديد مكان الشخص الحيّ تحت أنقاض المباني المدمرة من خلال حركته أو تنفسه، كما يقيس الجهاز المسافة للوصول إليه. ويشير المبتكرون إلى أن الجهاز يحتاج من دقيقة إلى ثلاث دقائق فقط لكشف الأشخاص بدقة عالية في مساحة عشرة أمتار مربعة، ويشكل بمواصفاته هذه حاجة ملحة خلال عمليات البحث أثناء الانهيارات والانزلاقات الأرضية.

وفي روسيا أيضًا، استطاع “مكتب التصاميم التجريبية” اختراع جهاز سماه “بيكور- بيو” للكشف عن الناس وراء الموانع وتحت الأنقاض، وهو عبارة عن نظام رادار يستخدم موجات راديو فائقة القصر بقدرات عالية على اختراق حواجز البناء التقليدية: الطوب والخرسانة وأعمدة الخشب، لكشف الأشخاص تحت الأنقاض سواء المتحركين أو الذين لا يستطيعون الحركة، ويستطيع كشف حتى حركة الحجاب الحاجز في صدر الإنسان.

وفي الولايات المتحدة الأميركية، ابتكرت وكالتان حكوميتان جهازًا لا يزيد حجمه عن حجم حقيبة السفر الصغيرة لمساعدة فرق الإنقاذ على تحديد مواقع الأشخاص العالقين على عمق 30 قدمًا تحت أنقاض المباني المنهارة و20 قدمًا تحت الخرسانات الصلبة، ويعمل بتقنية بث الموجات القصيرة “المايكروويف” للتعرف إلى أنماط التنفس ونبضات قلوب العالقين تحت الحطام. وذكر مسؤول في “إدارة العلوم والتكنولوجيا” في وزارة الأمن الداخلي جون برايس، أن هذا الجهاز واحد من أهم الإنجازات في مجال البحث والإنقاذ خلال الـ30 سنة الأخيرة. ونقلت مجلة “كمبيوتر وورلد” الأميركية عن المسؤول في قطاع تعقب الاتصالات والرادار بـ”ناسا” جيم لوكس، أن الجهاز يتميز بتكنولوجيا مستوحاة من أدوات رصد تحركات الأشياء في الفضاء وأعماق المحيطات التي تستخدمها الوكالة. ويستطيع الجهاز التمييز بين الإنسان والحيوان عن طريق معدلات نبضات قلوبهم وأنماط تنفسهم.

أما في إيطاليا، فقد تمكن علماء من “المعهد الإيطالي للتكنولوجيا” من تطوير الروبوت (Centauro) بهدف إنقاذ حياة الناس في حالات الحرائق أو الكوارث. وتم تزويد الروبوت الجديد بهيكل مقاوم للحرارة والصدمات، بالإضافة إلى أربع أرجل محمولة على عجلات صغيرة تساعده على التحرك بسرعة وسهولة في جميع الاتجاهات، والوصول إلى أماكن يصعب على الإنسان الوصول إليها، مع بطارية تكفيه للعمل ثلاث ساعات ومنظومة تحكّم من بعد آلية وكاميرات وأذرع قادرة على تكسير الحواجز القاسية لتسهيل وصول رجال الإنقاذ إلى العالقين في الحرائق أو تحت الأنقاض.

وفي مجال الروبوت أيضًا، اخترع علماء أميركيون روبوتات على شكل صراصير تصل في الكوارث إلى الأشخاص العالقين تحت الأنقاض عبر الفتحات والثقوب الضيقة، وتتميز بسرعتها في التحرك وتصغير حجمها إن اقتضت الضرورة وتكلفتها المنخفضة.  وأوضح أحد هؤلاء العلماء، كاوشيك جيارم من جامعة هارفرد، أن “هذه الصراصير يبلغ طولها 3,7 سنتيمترات لكنها قادرة على تصغير جسمها حتى ربع سنتيمتر، وهي مغطاة بدرع بلاستيكيه شبيهة بأجنحة الصراصير”.

وفي ألمانيا، ابتكر باحثون في “جامعة ألميناو” التقنية جهاز رادار يستطيع التعرف إلى ما يحدث خلف الجدران، ويساعد فرَق الإنقاذ على تحديد مواقع الأشخاص الأحياء المطمورين تحت الأنقاض وفق تقنية هوائيات الرادار، أو بالأنتينات، وهي مُرسِلات ومُستقبِلات لموجات كهرومغناطيسية ذات طيف ترددات عالية تستطيع اختراق الجدران بسهولة ثم الاصطدام بالناس خلفها والارتداد عنهم إلى مصدر إطلاقها، لتستقبلها هناك أجهزة موصولة بكومبيوتر تحوّلها إلى إشارات كهربائية، فإذا لم يكن خلف الحائط بشر لا تظهر على شاشة الحاسوب أي ملامح واضحة بل نقاط عشوائية.

ولكن إذا كان ثمة شخص وراء الجدار، فإن النقاط ترتصّ وتتكثّف لتكشف عن ملامح هذا الشخص وإنْ كان يتنفس أو مُغمى عليه، ومدى المسافة بينه وبين جهاز إرسال الموجات الكهرومغناطيسية، وتحديد موقعه بدقة.

وعند توزيع أجهزة الرادار حول المكان، يمكن تكوين فكرة أفضل حول ما يجري في داخله، ويمكّن الشرطة مثلًا من معرفة ما يجري لرهائن وإن كان الخاطفون يستخدمونهم كدروع بشرية.

اهمال وسوء تنسيق

ولا بد في هذا المقام طرح بعض الأسئلة حول الفريق التشيلي وقصة قدومه التي لا تخلو من النقاط الغامضة والمثيرة للتساؤل، فنقول: هو منظمة غير حكومية، شارك في عمليات إنقاذ بدول عدة، ويمتلك خبرات لا بأس بها في هذا المجال، رغب في القدوم إلى لبنان للمساعدة في البحث عبر الجالية اللبنانية في تشيلي، وسافر إلى لبنان برئاسة فرانشيسكو ليرماندا من دون التنسيق مع أي جهة رسمية. استقبل أعضاءَ الفريق في مطار بيروت لدى وصولهم أعضاء من جمعية “أشرفية 2020”  برئاسة أكرم نعمة، ولم يحضر أي من مسؤولي الدولة، وحتى بعد تواصل نعمة مع أكثر من جهة ومسؤولين لتأمين إقامة لهذا الفريق لم تعر الدولة أي اهتمام، لكن عندما بدأ الفريق البحث وشغل الرأي العام بدأ الجميع بتبنيه لاستغلاله سياسياً. 

ونحن لا ندري لماذا وقع الفريق التشيلي في سوء التنسيق هذا، أو إن كان مقصودًا، فكيف لعدة أشخاص القدوم من وراء المحيط من دون حتى إخبار السفارة اللبنانية؟ ومن دفع تكلفة سفرهم وإقاماتهم؟ وكيف تلتقط كلبة أعضاء الفريق في مار مخايل بعد شهر من الحادث إشارة بوجود جثث وأحياء تحت ركام المبنى رغم أن لا وجود لها؟ وكيف تشير أجهزة الفريق في البداية إلى وجود نبض شخص ما حيًّا تحت الركام، ما أنعش آمال أهالي المفقودين ثم تكون النتيجة أنه نبض أعضاء المنقذين اللبنانيين؟ ولماذا بدأوا عمليات بحث يدوية استمرت حتى ساعات متأخرة من الليل، ليوقفوها فجأة “بسبب خطر سقوط حائط متداعٍ وعدم توفر رافعة لاسناده” كما قيل، ما تسبب بغضب المتجمعين حول المبنى واقتحامه من عدد منهم إلى حين إخلائهم من الجيش؟ وما سبب الإشكال الذي وقع بين فريق الإنقاذ وشرطة البلدية في ميدان العمل وتطور حتى إلى درجة رفع السلاح ما دفع الفريق إلى التوقف عن العمل ساعة ثم العودة إليه؟ ولماذا رضي بالعودة رغم شهر السلاح في وجوههم؟ والأهم تدرُّج الفريق التشيلي في نزع الأمل الذي زرعه بدايةً بوجود أحياء، بدءًا من تأكيد كاميرته صباحاً وجود اشارات نبض، إلى تراجع ليرماندا أمام الصحافيين عن تأكيده وجود ناجين، وصولًا إلى قراره إيقاف العمل عند العاشرة مساء ومغادرته مكان البحث؟

الشائعات الاعلامية

وأخيرًا كلمة تخص وسائل الإعلام اللبنانية: هل كان اندفاع وسائل الإعلام بقوة وراء الرواية التشيلية إلى درجة تصوير بعضها الأمر وكأنه سباق مع الزمن لإنقاذ أرواح موجودة فعلًا تحت الأنقاض عملًا صائبًا مهنيًّا؟ أولم يكن الأحرى بها ألا تكون هي والدولة المقصّرة على الشعب وأن تتّبع الشك في الرواية حتى يثبت العكس رحمةً بشعور أهالي المفقودين وغيرهم من اللبنانيين الذين انساقوا عاطفيًّا وراء رواية “الطفل إكس” العالق إلى درجة تزخيم وسائل التواصل بالتعليقات المفعمة بالأسى واللوعة والتفجّع حتى كتبت إحداهن “بتعرف يا هالصغير إنو من مبارح لليوم متنا مليون مرة نحنا وناطرينك. يللا يا زغير، يللا تعا رجّعلنا الحياة، تعا رجّعلنا البسمة”؟ سؤال برسم نقيب الصحافة.

السابق
لبنان دخل مرحلة جديدة.. لقاء تشرين: العقوبات الأميركية نتيجة وليست سببا!
التالي
بدري ضاهر يتذمّر في مكان توقيفه.. تعطّل المكيّف فعانى من حالة اختناق!