المحاكم الجعفرية.. لا فقهاء ولا من يجتهدون!

المحكمة الشرعية الجعفرية

 من أهم ركائز الفقه الجعفري فيما يتعلق بصفات القاضي الشرعي الديني عند أتباع مدرسة القرآن وأهل البيت عليهم السلام من المسلمين الشيعة ، من أهم تلك الصفات الفقاهة والاجتهاد والعدالة، فلا يُجاز في الفقه الجعفري أن يتولى منصب القضاء الشرعي الديني غير الفقيه المجتهد ، بمعنى من ليست له قدرة على استنباط الحكم الشرعي الفقهي وليست له أهلية الإفتاء في المسائل الشرعية، والفقيه المجتهد هو العالم الديني القادر على استنباط الأحكام الشرعية الفقهية من مداركها المُقررة في الشريعة الإسلامية، وهذه المدارك في الفقه الجعفري هي الكتاب والسنة والعقل وسائر العناصر المشتركة في عملية الاستنباط من قواعد وأصول وضوابط وما شاكل مما قررته الشريعة الإسلامية..

اقرأ أيضاً: إسمع يا دولة الرئيس (36): واقع المحاكم الجعفرية

رتبة الفقاهة

ومن يتصدى لمنصب القضاء الشرعي الديني دون بلوغ رتبة الفقاهة والاجتهاد لا يُسمَّى بقاضي الحكم في فقه الجعفرية، بل يُطلق عليه عنوان: “قاضي التحكيم”، ولا بد من أن يرجع في قضائه وإفتائه إلى رأي الفقيه المجتهد فيما يُصدره من أحكام قضائية شرعية دينية فيما لو لم يكن فقيهاً مجتهداً.. 

وهذه هي المشكلة الأولى التي تُعاني منها المحاكم الجعفرية الرسمية في لبنان منذ قيام دولة لبنان الكبير منذ مئة عام، ففي الحقبة العثمانية أوكلت السلطنة العثمانية مهمة القضاء الجعفري في لبنان لمجموعة من الفقهاء المجتهدين الشيعة عُرف منهم القاضي السيد محمد إبراهيم، وهو الذي أعطته السلطنة العثمانية سيفاً وأجازته أن يُقيم به الحدود الشرعية على المجرمين، وكان السيد محمد إبراهيم من أعلام مجتهدي الشيعة في عصره، ولعله أول قاضٍ  فقيه مجتهد عرفته محاكل الشيعة المذهبية في لبنان الحديث..    

فقضاة المحاكم الجعفرية الرسمية في لبنان يتم اخيارهم ويُعينون بقرار سياسي دون ملاحظة الشروط المشار إليها، فليس في الحاليين فقيه مجتهد واحد

وعرفت محاكم الجعفرية في لبنان بعد تلك المرحلة مجموعة من الفقهاء المجتهدين كان آخرهم رئيس المحاكم الجعفرية الشيخ عبد الله نعمة ومن قبله الشيخ محمد جواد مُغنية الذي اعتزل وظيفة القضاء احتياطاً منه.. وما شرط العدالة في صفات القاضي الشرعي الديني في فقه الشيعة بأقل أهمية من شرط الفقاهة والاجتهاد…    

مجتهد واحد

أما اليوم فلا يوجد في تركيبة قضاة المحاكم الشرعية الجعفرية في لبنان فقيه مجتهد واحد بالمعنى الاصطلاحي للفقاهة والاجتهاد في فقه الشيعة، فالكل موظفون على طريقة قضاة التحكيم، وتتحكم بموازين اختيارهم الأهواء السياسية والرغبات النفسية والأهواء الدنيوية البعيدة عن حقيقة روح القضاء الشرعي الديني! فالسلطة السياسية هي التي تختار هؤلاء لتولِّي هذه الوظائف ، في حين ينبغي أن تختارهم لهذا المنصب المرجعية الدينية العليا، هذه المرجعية الغائبة عن قرار تعيين هؤلاء في لبنان، وحتى المرجعية الدينية الرسمية أصبحت في جيب السياسي فهو الآمر والناهي فيها، في حين تأسس مركز قرارها ليكون هو صاحب السلطة الدينية العليا في هذه الملفات وفي نظائرها، والحديث عن هذا الجانب ذو شجون..

اقرأ أيضاً: رئاسة المحاكم الجعفرية اللبنانية بين ورع الفقهاء وحماس المعممين  

فقضاة المحاكم الجعفرية الرسمية في لبنان يتم اخيارهم ويُعينون بقرار سياسي دون ملاحظة الشروط المشار إليها، فليس في الحاليين فقيه مجتهد واحد، وأما العدالة فحدِّث ولا حرج، فالكثير من القضايا والدعاوى المرفوعة أمام هؤلاء والتي يتم البت فيها منهم الكثير منها يَمُر بمراحل: “من هالك لمالك لقبَّاض الرواح” كما في المثل الشعبي.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وقد كشفت وكالة ويكيلكس ملف اختلاسات مالية صدرت من البعض! واليوم يكشف التفتيش القضائي ملفات مخالفات تضعنا أمام خيار الدعوة لرفع يد السلطة السياسية الفاسدة عن القضاء الشرعي الديني تماماً كما هي الدعوات في لبنان لرفع اليد عن القضاء المدني والجزائي والإداري.. فمتى يتحقق ذلك؟

السابق
هذا ما جاء في مقدمات نشرات الاخبار المسائية ليوم الاربعاء 08/06/2020
التالي
نصرالله «يزرع» ولا يحصد..منذ أكثر من 22 عاماً!