المذهبان الشيعي والسني بين الكذبة والوهم!

سنة شيعة

كيف انقسمَ أبناءُ الدينِ الواحدِ إلىٰ طائفتين؟ وهل هما فِعْلا طائفتانِ والحالُ أنّ الدينَ واحدٌ؟!

أقول:

طلبتْ الدولةُ الأمويةُ من أئمةِ المساجدِ أنْ يَبْدَؤوا خطبةَ الجمعةِ بِشَتْمِ عليِّ ابنِ أبي طالب علىٰ المنابر، فكانوا علىٰ ذلك سبعين سنة، حتىٰ تولىٰ الخليفة (عمر بن عبد العزيز) سِدَّةَ الخلافة، فنهىٰ عن سبِّ عليٍّ، وَأَلْزَمَ أئمةَ المساجدِ أنْ يَسْتَهِلُّوا خطبتَهم بقوله تعالىٰ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى الْقُرْبٰى وَيَنْهٰى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [سورة النحل: ٩٠]؛ مُذَكِّرًا النّاسَ بِــ(ذي القُرْبَىٰ)؛ أي قرابةِ رسولِ الله؛ وعلىٰ رأسهم: (عليٌّ وفاطمة وولداهما الحسن والحسين)، فَهُمْ آلُ بيتِ رسولِ اللهِ الذين لا يختلفُ أحدٌ مِنَ المسلمينَ علىٰ وجوبِ مَوَدَّتِهِم؛ عَمَلًا بقوله تعالىٰ: {… قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبٰى…} [سورة الشورى: ٢٣]

إقرأ أيضاً: بالفيديو: السيد علي الأمين: التعرض للسيدة عائشة من الكبائر وإثم عظيم!

وعلىٰ هذه السُّنَّةِ الطَّيِّبَةِ مضىٰ المسلمون، وهي ما تزالُ ساريةً إلىٰ يومِنا هذا. ولكن سنواتِ السبِّ السبعين كانت كافيةً لانقسامِ البيتِ الواحدِ والعائلةِ الواحدةِ علىٰ نفسِها تدريجيًّا، بِبَثِّ روايةٍ مَكْذُوْبَةٍ شَاذَّةٍ من هنا، وحديثٍ مُخْتَلَقٍ موضوعٍ من هناك، وإِبْرازِ شَيْخٍ أهْوَجَ مَوْتُوْرٍ مِنْ هنا، وآخَرَ ضَالٍّ مُضِلٍّ مِنْ هناك، وتفسيرِ آيةٍ علىٰ هوىٰ فُلانٍ مِنْ هنا، وتفسيرِها علىٰ هوىٰ عِلَّانٍ مِنْ هناك…

أما حَصْرُ المذاهبِ الإسلاميةِ بصورةٍ رسميةٍ في أربعة: (الحنفيّ – والشافعيّ – والمالكيّ – والحنبليّ) رغم وجودِ غيرِها منَ المذاهب (كمذهب الإمام الأوزاعي، وأبي سُفْيانَ الثوريّ، وغيرهما)، فَسَبَبُهُ يعودُ إلىٰ زمنِ العبَّاسيِّينَ؛ حيثُ اختلفتْ الآراءُ وَتَفَرَّقَتْ الأهواءُ؛ حتىٰ لم يَعُدْ بِالإِمْكانِ ضَبْطُها، فلجؤوا إلىٰ تَقْلِيْلِها، لِتَتَّفِقَ كلمةُ رؤسائِهم في النهاية علىٰ حَصْرِ المذاهبِ في أربعة، و كان ذلك في زمنِ (القادرِ باللهِ العبَّاسيّ) الذي حكم من سنة (٣٨١ إلى ٤٢٢هـ)، فأخذَ من هذه الطوائفِ الأربعةِ مالاً خطيراً، وأثْبَتَ رَسْمِيَّتَها.

وكان زعيمُ الفِقْهِ الجعفريّ (الشيعيّ) آنَذَاك السيّد (المرتضىٰ)، وحينما طالبَهُ الخليفةُ بمائةِ ألفِ دينارٍ مِنَ الذهب، فإما أنه لم يَقْدِرْ علىٰ الوفاءِ بهذا المبلغ، وإما – علىٰ ما قيل، وهو الأرجح – أنّه رَفَضَ أنْ يَأْخُذَ المذهبُ الوَثَاقَةَ والشَّرْعِيَّةَ مِنَ السُّلْطَةِ السياسيّة.

هذه المذاهبَ جميعًا تختلفُ في الأحكام الفرعيَّة؛ كأحكامِ الطهارةِ والنجاسة

وعلىٰ كلّ حال، لم يُدْرَج هذا المذهبُ مع المذاهبِ الأربعة. فتصوَّروا أنّه لو دُفِعَ المالُ لإثباتِ هذا المذهبِ رسميًّا، لكان المسلمون – بكلِّ بساطة – مُخَيَّرينَ اليومَ بين المذاهبِ الخمسة. مع الإشارةِ إلىٰ أنّ هذه المذاهبَ جميعًا تختلفُ في الأحكام الفرعيَّة؛ كأحكامِ الطهارةِ والنجاسة… وهذا ما تختلفُ فيه المذاهبُ الأربعةُ فيما بينها، بل يختلفُ فيه المذهبُ الجعفريُّ نَفْسُهُ بِسَبَبِ تَبايُنِ آراءِ مَراجِعِهِ المَعْرُوفِينَ اليومَ بِــ(مراجع التقليد).

ولا يخفىٰ علىٰ الحَذِقِ أنّ هذه الاختلافاتِ ليستْ بالأمرِ الْجَلَلِ الذي يَسْتَأْهِلُ أنْ يُحْدِثَ شَرْخًا بينَ المسلمين، يُفْضِي إلىٰ تَمَذْهُبِهِم؛ وكأنّ كُلًّا منهم علىٰ دينٍ مُغايِرٍ للآخر! فَتَدَبَّرُوا.ولقائِلٍ أنْ يقول:

ولكن ماذا عن موضوعِ خلافةِ رسولِ الله، ألم تنقسمُ الأُمَّةُ علىٰ تحديدِ الأحَقِّ والأجْدَرِ بها؟!
والجواب:

  • أولا: ليستِ الأُمَّةُ مَنْ انْقَسَمَتْ علىٰ ذلك، وإنما قِلَّةٌ مِنْ أصحابِ النبيِّ تشاوروا واختلفوا في سَقِيْفَةِ (بني ساعِدَة) والرسولُ ما يزالُ علىٰ المُغْتَسَل، حتىٰ اتَّفَقُوا علىٰ خلافة أبي بكر (عَتِيْق ابنِ أبي قُحَافَة). وكان قدِ اعتزلَ عليُّ ابنُ أبي طالب، والعباسُ بنُ عبد المطَّلب، والزُّبَيْرُ بنُ العوَّام، وطلحةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ في بيت فاطمة الزهراء. وقد أعْرَضَ عليُّ ابنُ أبي طالب عَنِ البيعةِ سِتَّةَ أشهر حتىٰ رأىٰ في بَيْعَةِ أبي بكر سِلْمًا لأمور المسلمين.
    ولأيِّ مُسْلِمٍ مُحَقِّقٍ وباحِثٍ اليومَ حقٌّ في الإدلاءِ بِرَأْيِهِ فيما يتعلَّقُ بموضوعِ الخِلافة. ولكن ما علاقةُ الاختلاف في تحديد الحاكم بعقيدة الإسلام والحال أنّه اختلاف سياسيٌّ مَحْض؟! ثم أيُّ فَرْقٍ اليومَ سَيُحْدِثُهُ تَبَايُنُ الآراءِ حَوْلَ هذا الموضوع، وقد مضىٰ عليه ما يَنِيْفُ عَنْ أرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا؟!
  • ثانيا: مهما اختلفَ المسلمونَ مِنْ قَبْلُ، ومهما كان أثَرُ هذا الاختلاف، إلا أنهم جميعًا اليوم مُتَّفِقُونَ علىٰ أنّ خليفةَ زمانِنَا وإمامَه، هو (المهدِيُّ) من آل محمّد، بل يَتَّفِقُونَ علىٰ أنّه مِنْ سُلالَة (الحسينِ بنِ عليِّ ابنِ أبي طالب)، وأنّ اسمَه اسمُ النبيّ (محمّد)، وكُنْيَتُه كُنْيَةُ النبيّ أيضا (أبو القاسم). كما يُجْمِعُونَ علىٰ أنّه سيظهرُ آخرَ الزمانِ لِيَمْلَأَ الأرْضَ قِسْطًا وعَدْلًا كما مُلِئَتْ ظُلْمًا وجَوْرًا؛ فإنّ هذا المضمونَ مُتَوَاتَرٌ عَنِ النبيِّ، وموثوقٌ لدىٰ كلِّ مَنْ قال: (لا إلٰهَ إلا اللهُ مُحَمَّدٌ رسولُ اللهِ). فَبِاللّٰهِ عليكم، أينَ هو الخلافُ العقائديُّ الذي أَوْهَمَ المسلمونَ أنهم علىٰ غير أمْرٍ واحِد؟! فَتَأَمَّلُوا رَحِمَكُمُ الله.

ظَلَّتِ المذاهبُ الأربعةُ – علىٰ ما تَقَدَّمَ بَيانُهُ – منفصلةً عَنِ المذهبِ الجعفريِّ حتىٰ أفتىٰ شيخُ الأزْهَرِ (محمود شلتوت) سنة (١٩٥٩م) بما يَجْمَعُ المسلمينَ تحتَ مِظَلَّةِ وِحْدَةِ الدين

عَوْدًا علىٰ بَدْءٍ، فقد ظَلَّتِ المذاهبُ الأربعةُ – علىٰ ما تَقَدَّمَ بَيانُهُ – منفصلةً عَنِ المذهبِ الجعفريِّ حتىٰ أفتىٰ شيخُ الأزْهَرِ (محمود شلتوت) سنة (١٩٥٩م) بما يَجْمَعُ المسلمينَ تحتَ مِظَلَّةِ وِحْدَةِ الدين، وهو حَقٌّ حَقِيْقٍ لِمَنْ أرادَ الإنْصافَ والتدقيق؛ حيث جاءَ في فتواهُ أنّ المذهبَ الجعفريَّ أحدُ المذاهبِ الخمسةِ التي يجوزُ التَّعَبُّدُ بها، وأنّ أيًّا منها مُبْرِئٌ لِذِمَّةِ المسلمِ إذا اتَّبَعَهُ في سبيلِ معرفةِ الأحكامِ الشرعيَّةِ الفرعيَّة.

ولكنّ السياسةَ فَعَلَتْ فِعْلَها مِنْ جديدٍ لإلغاءِ هذه الفتوىٰ؛ بُغْيَةَ الإبقاءِ علىٰ الفِرْقَةِ بين أبناءِ الدينِ الواحد؛ لِيكونوا أقْدَرَ علىٰ السيطرةِ عليهم علىٰ قاعدة (فَرِّقْ تَسُد)، فلم يُقَصِّروا في تَزْكِيَةِ الفِتَنِ المُتَوَاصِلَةِ بينهم، وإيْهامِهم بعداوةٍ حَاكُوهَا بأباطِيْلِهم، فَخَرَّبوا عقولَ النَّاسِ المُسْتَضْعَفِينَ، وَحَرَّفُوها بما يتلاءمُ مع مخطَّطاتِهم ومصالِحهِم السُّلْطَوِيَّة. (انتهىٰ)
إذا عرفتم ذلك:

فالحقَّ الحقَّ أقولُ لكم صادقًا غير كاذب، فواللهِ ما تَعَمَّدْتُ كَذِبًا مُذْ عَلِمْتُ أنَّ اللهَ يَقِفُ في الحناجِر، وأنَّ ذَوِيها لا مَحالة في المقابِر:

إنَّ (سني شيعي) كِذْبَةٌ سياسيّةٌ تَمَّ إِبْرازُها علىٰ أنها خلافٌ عقائديٌّ تَتَهَافَتُ وَتَتَعَانَدُ جَرَّاءَهُ المفاهيمُ الإيمانيَّةُ حتىٰ لا يَجْمَعَهُم تحتها جامِع…

وأنتم اليومَ تعيشونَ وَهْمًا كبيرًا بينَ اسْمَيْنِ لـِـ(مَذْهَبَيْنِ) مُخْتَلَقَيْنِ، هما في الحقيقةِ جَسَدٌ وَاحِدٌ وَرُوْحٌ وَاحَدِة.
والذي نفسي بِيَدِهِ، إنِّي لا أُجَامِلُ فيما أقول، وكيفَ يُجَامِلُ المَرْءُ في دِيْنِه؟! فَلِمَنْ أرادَ أنْ يَسْمَعَ حُجَّتي ودليلي القاطِعَ – (وهو مجالُ تخصُّصي وموضوعُ أُطْرُوحَتي للدكتوراه في الفلسفة وعِلْمِ الكلام)- حتىٰ لا يستمرَّ بَقِيَّةَ حياتِه وهو يعيشُ هذا الوهم… فأنا حاضرٌ لإسْمَاعِهِ مِنَ الحُجَجِ والبراهينِ ما تَقَرُّ به عينُه، ويُثْلَجُ به صدرُه.

اللهُمَّ إني قد بَلَّغْتُ، اللهُمَّ فاشهد

السابق
حصيلة مواجهات الجيش مع المشاغبين.. جرح 25 عسكرياً وتوقيف اجانب!
التالي
شاشة العهد تنزلق مجدداً الى القعر.. «أحّا يا أحّا» وتلميحات سوقية ضد ديما صادق!