السُنة من «الإحباط» إلى «القيامة».. «الحريرية» نموذجاً

دياب الحريري

ليس أشق على نفسي من الحديث بنَفَس طائفي أو مذهبي في شأن من شؤون الوطن والناس ، فكيف إذا كان الحديث في شأن مصيري يمس بقاء وديمومة هذا الوطن الصغير لبنان الذي إرتضيناه شكلا ودستورا وطنا نهائيا لجميع أبنائه بينما الحقيقة غير ذلك تماما لدى شرائح عدة من اللبنانيين بكل مشاربهم السياسية والطائفية والمذهبية . مناسبة هذا الكلام ما صدر مؤخرا من كلام عن “السنية السياسية” وما تشهده الساحة السنية اللبنانية هذه الأيام من تجاذبات وصراعات داخلية ومحاولات تهميش مستمرة ومتتالية لها ولممثلها الحالي في النظام السياسي القائم سعد الحريري بصفته الزعيم السني الأول من عدة جهات من داخل البيت العائلي والسياسي كما من خارجه. من الداخل لتدفيعه ثمن ما وصلت إليه أحوال الطائفة وما أسموه “خروجها من المعادلة الوطنية”، وكذلك ثمن ما أتفق على تسميته بـ”الإحباط” السني، ومن خارجها لتدفيعه  ثمن ما آلت إليه أحوال لبنان بشكل عام عبر الإستهداف المستمر لـ”الحريرية السياسية”. 

اقرأ أيضاً: مئوية لبنان بين الحاكم والحزب الحاكم

دعسة ناقصة

“الإحباط السني” كان قد بدأ مع إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وغيابه الدراماتيكي عن الساحة السياسية والوطنية اللبنانية ، ثم تكرس مع أحداث 7 أيار 2008 المعروفة التي إنبثق عنها إتفاق الدوحة وما نتج عنه من إضعاف لموقع رئيس الحكومة عبر وضع أعراف جديدة في تشكيل الحكومات كانت كافية لسحب مركز الثقل الحكومي من رئاسة الحكومة إلى قوى سياسية أخرى تبعا لموازين القوى على الأرض التي كانت ولا زالت تميل لصالح حزب الله وحلفائه بشكل أفضى إلى فرض رئيس جمهورية وقانون إنتخاب جديد كان كفيلا بإنتزاع آخر مكامن القوة السياسية لممثل السنة في لبنان ألا وهو تيار المستقبل والمتمثلة بكتلة نيابية كبيرة ومتنوعة طائفيا ومذهبيا تحت إسم “لبنان أولاً” بما يحمله هذا الشعار من مضامين ومعانٍ سياسية ووطنية، ولا يقلل من توصيف واقع “الفرض” هذا كونه نتج عن تسوية سياسية قام بها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري مع التيار الوطني الحر ممثلا بجبران باسيل في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في صفقة أثبتت الأيام أنها كانت “دعسة ناقصة” في السياسة، فكان أن عاد الرئيس سعد الحريري ضعيفا بالمعنى السياسي على رأس وزارة لا يمتلك فيها أكثرية ولو أن مفهوم الأكثرية والأقلية لم يعد له معنى في لبنان بإعتبار أن مركز السلطة بات محصورا بجهة وحيدة راعية بشكل أو بآخر، ترافق هذا أو الأصح سبق كل هذا وربما مهد له تراجع عربي خطير عن التأثير بمجريات الأمور في المنطقة ناتج عن التفكك والخلافات العربية البينية وغياب رؤية موحدة لمشروع عربي متكامل وهو ما أثر سلباً على مقدرة المكون السني اللبناني الذي لطالما كان إمتدادا طبيعيا للمشروع العربي بحكم موقع لبنان الجغرافي في المنطقة العربية  وعلى إعتبار أن السُنة ليست مذهبا بين المذاهب بل ينظر إليها على أنها هي المكون الرئيسي للأمة.

أما اليوم مع الإحباط السني ومحاولة تهميش دور السنة نرى بأن البلد والدولة على قاب قوسين من الإنهيار وربما التحلل وما وصول الخطر إلى أبواب مصرف لبنان بما يمثله من هوية إقتصادية للبنان

صناعة القرار السياسي

يمكن القول بأن الواقع السلبي هذا لم يسلم منه لبنان كوطن ودولة وما الأوضاع التي نعيشها ونكابدها يوميا سوى دليل صارخ على أن لبنان لا يمكن أن يكون بخير خاصة في ظروف المنطقة الحالية إذا كان أحد المكونات الأساسية فيه غائبا أو مغيبا قسراً بحكم الأمر الواقع عن صناعة القرار السياسي والوطني، فكيف إذا كان هذا  المكون هو المكون السني الذي كان في أساس قيام لبنان الحديث خاصة منذ الإستقلال عام 1943 عندما نجح الرئيس رياض الصلح في الموازنة على دقتها بين الشعور القومي العربي والشعور الوطني اللبناني عند اللبنانيين السنة فكان أن عقد ميثاقا وطنيا مع الرئيس بشارة الخوري كان بنتيجته أن تخلى المسلمون عن الوحدة مع سوريا مقابل تخلي المسيحيين عن الإنتداب الفرنسي فكان الإستقلال اللبناني الأول الذي تلقى أولى صدماته وكان عوده لم يزل طريا عام 1948 مع الإحتلال الصهيوني لفلسطين وتهجير الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة ومنها لبنان.

وكان من تداعيات حرب فلسطين أول إنقلاب عسكري في العالم العربي عام 1949 وكان في سوريا على يد حسني الزعيم، ومن ثم في مصر عام 1952 على يد الضباط الأحرار الذين سلموا قيادتهم لجمال عبد الناصر عام 1954 ليبدأ تاريخ جديد في حياة المنطقة ومرحلة تكرست في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 الذي طوب جمال عبد الناصر بطلا قوميا عربيا ما ترك آثاره بطبيعة الحال على لبنان حيث تعاطف المسلمون بغالبيتهم السنية وحتى الشيعية مع جمال عبد الناصر ما جدد لديهم الحلم بالوحدة العربية ، وتطورت الأمور مع إقامة حلف بغداد وميل الرئيس شمعون للتعاون معه فكان أن إندلعت الإضطرابات فيما تطور إلى ما سمي ثورة 58 ضد الرئيس شمعون ودخل لبنان أتون الصراع الإقليمي والدولي وكان أن إنتهت “الثورة” بإتفاق بين أميركا التي كانت قد دخلت المنطقة من باب العدوان الثلاثي على مصر كوريث للأمبراطورية البريطانية ، وبين عبد الناصر عبر الإتفاق على قائد الجيش فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية.

فؤاد شهاب

كانت فترة حكم فؤاد شهاب بمثابة هدنة من الصراعات في المنطقة معطوفة على شخصية جدية نظيفة الكف تميز بها الرئيس شهاب فكان أن شهد لبنان محاولة لقيام دولة مؤسسات عبر عدد من المؤسسات الإجتماعية والرقابية التي أنشأها وكانت يومها بمثابة “ثورة” قياسا لمعايير ذلك الزمان ، كل ذلك تحت مظلة الميثاق الوطني الذي أبرمه السنة والموارنة عام 43 مع تهميش نسبي للشيعة يومها خلف لهم “إحباط” بلغة اليوم السياسية دفعهم للإبتعاد تدريجيا عن زعمائهم التقليديين والإنخراط في الأحزاب القومية واليسارية التي كانت قد بدأت بالنمو، لكن الحرتقات السياسية اللبنانية المعتادة مستغلة بعض الممارسات الأمنية التي كانت سائدة عبر المكتب الثاني أدت بالرئيس شهاب لعدم تجديد ولايته عام 1964 ليحل محله الرئيس شارل حلو الذي لم يكن بطبيعة الحال يملك قوة شخصية الرئيس شهاب فضلا عن أن التطورات في المنطقة بدأت تتسارع لتنفجر بحرب 67 التي خسرت بموجبها الدول العربية الباقي من فلسطين فضلا عن أراضٍ عربية في كل من مصر والأردن وسوريا من ضمنها مزارع شبعا التي كانت تحت السيطرة السورية يومها.

كان من نتيجة هزيمة 67 أن تدفق مزيدا من اللاجئين الفلسطينيين إلى الدول العربية ومن ضمنها لبنان تزامنا مع إنطلاق الكفاح المسلح الفلسطيني ضد إسرائيل وكان للبنان حصة الأسد من هذه التطورات بحكم ضعف السلطة اللبنانية الناتج عن الخلافات السياسية جراء إهتزاز مركز عبد الناصر بعد الهزيمة وبالتالي مفاعيل التوافق الأميركي المصري في المنطقة  والإنقسامات بين مؤيد ومعارض للتحرك العسكري الفلسطيني إنطلاقا من لبنان دون أن ننسى دخول اليسار اللبناني إلى المشهد السياسي والشعبي كقوة تغيير مدفوعة بالثورة على فوارق طبقية ونظام سياسي وإقتصادي غير عادل ومتعنت في تقبله لأي تغيير ، فكان أن تطورت الأمور ما أدى إلى توقيع إتفاق القاهرة بين السلطة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية ليكون بذرة للحرب الأهلية التي نمت وتفجرت عام 1975 بعد سلسلة من التطورات في المنطقة من وفاة جمال عبد الناصر إلى إتفاقيات فك الإشتباك مرورا بحرب تشرين 73 التحريرية أو التحريكية على ما يصفها البعض وهو توصيف أقرب إلى الواقع ، وهكذا خرج السنة ومعهم لبنان من العصر المصري ليدخلوا العصر الفلسطيني.

الحرب الأهلية

إندلعت الحرب الأهلية وتداخلت بها كل العوامل الإقليمية والدولية وكان ينظر للفلسطينيين على أنهم جيش السنة في لبنان وهو توصيف قد يكون فيه القليل من الصحة والكثير من المبالغة ومن أطلقه لا يريد الخير للسنة ولا للفلسطينيين ولا للبنان وقد يكون نتيجة الصراع السوري الفلسطيني الذي إنفجر بعد دخول قوات النظام السوري إلى لبنان وإغتيال كمال جنبلاط ومحاولة تصفية الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية في محاولة منه للإمساك بالورقتين اللبنانية والسورية عبر دعمه لحركة أمل الشيعية وغيرها من الأحزاب اللبنانية والتنظيمات الفلسطينية التي تدور في فلكه خاصة بعد إخفاء قائدها السيد موسى الصدر في ليبيا وهو الإخفاء الذي لا يزال يطرح علامات إستفهام كثيرة حوله والذي كان بداية خروج غالبية الشيعة اللبنانيين من خطهم العروبي إلى الخط المذهبي خاصة مع بداية ظهور إرهاصات الثورة الإسلامية في إيران، ساعد على ذلك أيضا  التجاوزات الفلسطينية التي كانت تحصل على الأرض ضد المواطنين الجنوبيين الأمر الذي إستغله النظام السوري أحسن إستغلال قبل وبعد الخروج الفلسطيني من بيروت بعد الغزو الإسرائيلي.

عام 1982 وهو الخروج الذي تزامن – يا للمفارقة – مع الدخول الإيراني إلى لبنان بذريعة دعم المقاومة اللبنانية ضد إسرائيل، وهكذا بدأت مرحلة إضعاف السنة وكانت معركة بيروت بين حركة أمل وحركة المرابطون التي كان يقودها إبراهيم قليلات والتي كانت تعتبر الذراع اللبناني لحركة فتح الفلسطينية وإنتهت بخروج إبراهيم قليلات من لبنان وسقوط آخر “قلاع” السنة إذا صح التعبير مع أنه يومها لم يكن كل السنة من أنصار المرابطون ولكن المعركة أخذت هذا البعد المذهبي وكانت باكورة المعارك والسلوك الذي ظل معتمدا حتى اليوم للأسف، وكذلك باكورة ما يسمى “الإحباط السني” يقابله فائض قوة شيعي بعد التهميش الذي شعر به الشيعة منذ الإستقلال .ترافق ذلك كله مع موجة إغتيالات لقيادات وشخصيات سنية سياسية ودينية كبيرة في أواسط ثمانينات القرن الماضي من الرئيس الشهيد رشيد كرامي إلى المفتي حسن خالد مرورا بالشيخ صبحي الصالح والشيخ أحمد عساف وناظم القادري ومحمد شقير وغيرهم من الشخصيات وكذلك لشخصيات يسارية وشيوعية وقومية مع ظهور بعض التنظيمات الإسلامية الموالية للنظام الإيراني على خلفية المقاومة ضد إسرائيل والحرب العراقية الإيرانية فخلت الساحة الإسلامية إلا من ميليشيات حركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي التي خاضت عدة مواجهات بينها من ضمنها ما سمي يومها حرب العلمين في بيروت التي كانت سببا في إعادة القوات السورية إلى بيروت.

من بعدها أدت التطورات المتلاحقة الناتجة عن خلو منصب الرئاسة عام 88 إلى تسلم العماد ميشال عون رئاسة حكومة عسكرية زادت من تشرذم اللبنانيين وخلافاتهم وخاضت حروبا كلفت اللبنانيين الكثير من الضحايا وكانت الدافع إلى إنعقاد مؤتمر الطائف الذي إتفق فيه اللبنانيون برعاية عربية ودولية على وثيقة الوفاق الوطني التي رفضها عون وكان ما كان من الأحداث التي باتت معروفة للجميع لتبدأ مرحلة الوصاية السورية مع بدء “تطبيق” الطائف على الطريقة السورية وكان الوضع الإقتصادي بعد الحرب يمثل التحدي الأكبر لحكومات بعد الطائف مع تدهور سعر صرف الليرة فكانت إنتفاضة أيار 92 ضد حكومة الراحل عمر كرامي لتسقط الحكومة وتشكل حكومة إنتقالية تشرف على إجراء إنتخابات نيابية جديدة بعد 20 عاما على آخر إنتخابات في لبنان العام 1972.

بعد الإنتخابات النيابية التي قاطعها المسيحيون يومها إعتراضا على ما إعتبروه سوء تطبيق للطائف خاصة في قانون الإنتخاب على أساس المحافظة قبل إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية وغيرها من الأمور، والتي إنبثق عنها بطبيعة الحال برلمان جديد كُلف رفيق الحريري بتكليف الحكومة اللبنانية الجديدة وكان مجرد ذكر إسم رفيق الحريري كفيلا بأن تنقلب الأمور رأسا على عقب من حيث إستعادة الثقة وإعادة الأمل فإندفع الناس لتبديل عملتهم الصعبة بالليرة اللبنانية فكان أن هبط سعر صرف الدولار في مشهد فرح وأمل لا ينسى وإنطلقت العجلة ليستعيد السُنة معنوياتهم ويخرجوا من إحباطهم ومعهم الشيعة الذين كانوا قد حجزوا لهم مكانا في السلطة كفله لهم إتفاق الطائف ليحل “الإحباط المسيحي” مكانه خاصة مع إستهداف القوات اللبنانية وحلها وإعتقال قائدها سمير جعجع وكأنه كتب على لبنان أن يعيش بثنائيات تارة مارونية سنية برعاية غربية عربية، وتارة سنية شيعية برعاية سورية سعودية، وهي ثنائيات لم تكن لتسمح ببناء دولة عادلة في ظل نظام طائفي، فكانت تحمل في طياتها بذور فشلها عبر التناقض بين النظام الطائفي التعددي وبين تهميش الطرف الثالث في المعادلة الطائفية في البلد، ومع ذلك يحسب لهذه التسويات الثنائية أنها حافظت على حد أدنى من وجود الدولة ومنعت الدولة من الإنهيار رغم الحرب الأهلية والصراعات الإقليمية والدولية التي جرت على أراضيها وهذا يعود برأيي إلى رعاية عربية ودولية للبنان حاز عليها قبل الحرب بفضل نجاحه بنسج علاقات جيدة وودية مع محيطه وعمقه العربي أولاً عبر السُنة  بالدرجة الأولى بما يمثلونه من إمتداد عربي في لبنان، مدعومين بنخب شيعية وطنية عروبية كانت ترى نفسها جزءا لا يتجزأ من هذا العالم العربي ونخب مسيحية منفتحة على العالم العربي ومدركة لمصلحة لبنان الإقتصادية بحيث نجحت في جعل لبنان مركز الخدمات للدول العربية، وثانياً عبر نسج النخب المسيحية علاقات صداقة وود مع دول العالم الغربي بدعم من بقية النخب الإسلامية فكان التلاقي ونجحت هذه العلاقات في حماية لبنان نسبيا والحفاظ على وجود الدولة وتعززت هذه العلاقات مع تولي الرئيس الشهيد رفيق الحريري مقاليد الحكومة في لبنان بسبب علاقاته العربية والدولية الواسعة، فأعاد ربط ما إنقطع مع بعض الدول جراء الحرب في لبنان وأعاد لبنان إلى الخارطة الدولية وإلى مكانته التي كان يحظى بها قبل الحرب وهو ما ظهرت نتائجه في عدوان عناقيد الغضب عام 1996 حين جال العالم مدافعا عن حق لبنان بمواجهة العدوان ومقاومة إحتلال أرضه، وكذلك في مؤتمرات باريس الثلاث لدعم الإقتصاد اللبناني لإعادة النهوض وهو ما لم يتوافق مع مصالح البعض السياسية منها والإستراتيجية وحتى الشخصية للبعض الآخر فكان القرار الشرير بشطبه من المعادلة ليعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء، ولتعم الفوضى لبنان منذ إغتياله، ولتنقلب الممارسات السياسية وتسود سياسة الحقد والتشفي والبلطجة السياسية والأمنية والعسكرية، ولتركب منذ العام 2006 ثنائية جديدة مارونية شيعية هذه المرة مع ما يمثله هذا الخيار من خطورة على لبنان بسبب محاولات  إستبعاد أو تهميش على أقل تقدير المكون السني اللبناني الذي كان دائم الثبات في كل المعادلات اللبنانية قديمها وحديثها بما يمثله من ضمانة لوجود لبنان، فمع كامل الإحترام لكل مكونات البلد الطائفية ولكن بالسياسة نقول بأن إستبعاد الشيعة نسبيا في بداية دولة الإستقلال على مرارته لكنه لم يمنع الدولة من الإستمرار، كذلك الإحباط المسيحي في التسعينات على أهميته ورمزيته الكبرى بالنسبة لبلد مثل لبنان إلا أنه أيضا لم يستطع إيقاف عجلة الدولة.

الإحباط السني

أما اليوم مع الإحباط السني ومحاولة تهميش دور السنة نرى بأن البلد والدولة على قاب قوسين من الإنهيار وربما التحلل وما وصول الخطر إلى أبواب مصرف لبنان بما يمثله من هوية إقتصادية للبنان كما نعرفه إلا دليل على أن البلد ليس في أيدٍ أمينة وما ذلك إلا لأن المتحكمون بالسلطة منذ العام 2008 وحتى اليوم قد قطعوا كل جسور التواصل مع العالم العربي والعالم بسبب تغيير وجهة لبنان السياسية ووجهه العربي متخطين بذلك ومتجاهلين مصلحة لبنان واللبنانيين بدافع هوس إيديولوجي من جهة وهوس سلطوي من جهة أخرى. يترافق ذلك كله مع غياب رؤية موحدة للسنة اللبنانيين لطبيعة الخروج من المأزق ومواجهة التهميش والتلهي بالصراعات التي يبدو بأنها إنعكاس للخلافات العربية وغياب المشروع العربي للمنطقة ، بحيث لا نرى إلا هجوما سافرا وتهجمات فيها من الشخصانية والتحقير أكثر مما فيها من النقد السياسي البناء لتجربة سعد الحريري السياسية منذ العام 2005 حتى اليوم وخاصة السنوات الثلاث الأخيرة التي قضاها في السلطة بفعل التسوية مع التيار الوطني الحر والتي كانت تجربة مرة تركت إنعكاساتها على الرجل وموقعه السياسي والشعبي وبطبيعة الحال على موقع طائفته السنية وهو يتحمل جزء كبير من المسؤولية عن هذه الأوضاع ولكن السؤال ما هو الحل أو البديل المناسب؟ وهل ما يحصل اليوم من صراعات وتجاذبات بين عدد من الشخصيات السنية والمناكفة مع سعد الحريري هي من سيعيد للطائفة السنية دورها وكلمتها في المعادلة الوطنية؟ وأين المشروع الذي لا بد وأن يكون وطنيا شاملا الذي يجب أن يطرح بكل وضوح وشفافية وواقعية والذي يجب أن يكون رافعة للبنان والطائفة كما كان ميثاق رياض الصلح عام 1943 ومشروع رفيق الحريري عام 1992؟ وهل ما يجري من صراع الأخوة داخل البيت الحريري الواحد العائلي والسياسي هو الطريق الصحيح؟ أين رجالات السنة الكبار هل تركوا الساحة شعبيا ليسرح ويمرح فيها بعض الصبية من أمثال جيري ماهر وغيره ويدَّعون النطق بإسم السنة في لبنان ويشوهون ذكرى إستشهاد رفيق الحريري كما حصل مؤخرا ملتحفين عباءة بهاء الحريري الذي لا يعرف عنه اللبنانيون سوى أنه إبن الرئيس الشهيد؟ أو الساحة السياسية لحسان دياب وبعض الطامحين في وراثة سعد الحريري وهذا حقهم ولكن عبر تقديم مشروع واضح ورؤية جدية لمستقبل لبنان وسبل الوصول إليه، لا عبر الإكتفاء بالتنكيل به والإضاءة المتكررة على أخطائه التي بات كل الناس يعرفونها وقد أشبعت تحليلا.

إن مسؤولية إنقاذ لبنان تقع اليوم على عاتق كل لبناني شريف ومخلص وعلى رأسهم السنة في لبنان وهذا يحملهم مسؤولية كبيرة أمام الله والوطن وعلى رأس هؤلاء الرئيس سعد الحريري

اقرأ أيضاً: دياب وسلامة «موظفان» يتبارزان.. أي منقلب سينقلبان؟!

إن مسؤولية إنقاذ لبنان تقع اليوم على عاتق كل لبناني شريف ومخلص وعلى رأسهم السنة في لبنان وهذا يحملهم مسؤولية كبيرة أمام الله والوطن وعلى رأس هؤلاء الرئيس سعد الحريري الذي وبالرغم من غضب الشارع عليه أسوة بكل السياسيين بالبلد إلا أنه برأيي يبقى ألأقرب إلى قلوب الناس وأكثر قبولاً إذا ما بادر وتجاوز عن الإساءات التي وجهت إليه ليدعو إلى أوسع حوار ممكن داخل الطائفة أولا وبعدها على الصعيد الوطني مع أحزاب وشخصيات ومجتمع مدني للبحث عن وسيلة لإنقاذ البلد عبر مشروع وطني إنقاذي جامع وعابر للطوائف يؤمن مصلحة الوطن أولا التي هي من المفروض بأنها مصلحة لكل المكونات الطائفية عبر إستقطاب كل الطاقات الخيرة في كل طائفة ويواجه أصحاب المصالح الخارجية الذين يستغلون طوائفهم وبحجة حمايتها من الآخر يسعون لتحقيق مصالحهم الذاتية ومصلحة حلفائهم الإقليميين، إنه دور سعد الحريري ومسؤوليته بإستعادة روح مشروع رفيق الحريري ولو على حساب تنازلات قد يقدمها للبعض داخل الطائفة أو خارجها وهو الذي لطالما تنازل ودخل في تسويات بهدف الحفاظ على لبنان والدولة فيه وهو الذي يردد دائما مقولة والده الشهيد بأن ما حدا أكبر من بلدو، وهذا لا ينفي أو يلغي أدوار الآخرين على الساحة ممن يمكن أن يكونوا داعمين ومؤيدين لهذا المشروع ولهم رؤيتهم في كيفية تحقيق هذا الهدف ، المهم المبادرة والبداية من مكان ما لأن ما نشهده اليوم من ممارسات سياسية تنفذ عبر حسان دياب الذي جيء به ممثلا للسنة، يوحي وكأن الفريق الذي فعل المستحيل ليسيطر على السلطة إنما يسعى اليوم للسيطرة على الدولة، وإذا كانت خسارة السلطة تعوض في يوم ما فإن خسارة الدولة والوطن هي الخسارة الكبرى.

قد يقول قائل بأن هذا كلام طوباوي أو مثالي لا حظ له على أرض الواقع، لا بأس  فمنذ متى كان إنقاذ الأوطان يخضع لموازين القوى الواقع على الأرض والجاثم على صدر البلاد والعباد؟ التغيير يبدأ بحلم يرفده الإقدام والعمل الصادق والمخلص ليصبح حقيقة، فهل من يتخذ المبادرة والقرار ويقدم قبل فوات الأوان؟              

السابق
81 إصابة في صفوف العسكرين.. ماذا عن الإعتقالات؟!
التالي
ليالي طرابلس الحزينة تستعيد الثورة اللبنانية!