كورونا.. «يحشر» العلماء والمؤمنين.. والملحدين!

العراق كورونا
في تناقض وتقارب مذهل بين الغيب الديني الذي يؤمن اصحابه بفكرة القيامة والمخلص، وبين اتباع المذهب العلمي العقلاني الذي يرفض معتنقوه الروايات الدينية، يظهر فيروس كورونا هازئا بعقائد ومعتقدات الجنس البشري، ملوحا بفناء البشر غير عابىء بدينهم ولا بلونهم ولا بمستواهم العلمي وتنوعهم الثقافي.

الإنسان ملأ الأرض ظلما…باعتراف المؤمنين والماديين، ظلمها بسبب اطماعه اللامحدودة، بالتهافت على استخراج الثروات الطبيعية فيها وتدمير بيئتها، فلم يسلم منه لا برّ ولا بحر ولا جوّ.

بالمقابل، فيروس كورونا اليوم جعل الانسان يعيد النظر بقناعاتنه جملة. المؤمن محبط، وبمكان ما تزعزع ايمانه، وكذلك تزعزع العلمانيون وغيرهم من اصحاب المذاهب المادية، وحتى الملحد تزعزع الحاده.

اقرأ أيضاً: إلى أين يتجه العالم؟

المؤمن يرى ان بلاده يضربها الفايروس دون رحمة، بالتساوي بينها وبين غيرها من البلدان التي يقطنها اصحاب الديانات الاخرى والعلمانيين والملحدين، والمفارقة انه ينتظر من الامم المتقدمة علميا الخلاص باكتشاف العلاج المادي او اللقاح، اي الدواء الذي لا غنى عنه.

الآن كورونا وحّد النظرة عندما أظهر هشاشة وجود الانسان وإمكان فنائه علمياً أو انقراضه بالفيروس بأية لحظه

والملحد او العلماني غير المتدين اكتشف ان الانسان ممكن ان يختفي نوعه بلحظة من الكره الارضية وتتحقق نظرية المؤمنين بالقيامة الدينية، حتى وان كانت الطبيعة تتخلص من الانسان بوصفة الكائن الذي تكاثر اكثر مما يجب حسب النظرة العلمية، وتتولى انقاص عدده عن طريق الامراض كما يحدث مع كتير من القطعان والمخلوقات الحية، ومتله متل اي مخلوق انقرض ، يمكن للانسان ان ينقرض.

 الحقيقة انه في خضم جائحة كورونا، لم يعد الملحد بقادر على ان يسخر من نظرية القيامة عند المؤمن.

لغز الأديان

في عودة للابداعات الانسانية الفنية، وإذا استعدنا مشاهدة فيلم “كوكب القرود” من بطولة شارلتون هستون، الذي عرض في الستينات من القرن الماضي في حمأة الحرب الباردة بين الجبارين مع هاجس فناء الارض بحرب نووية، عندما قال القرد الكبير الحكيم مبررا اضطهاد جنس البشر بقتلهم واسرهم ووضعهم في اقفاص، “ان الانسان مخلوق شرير، لا يجب ان ندعه يتكلم ولا ان يتعلم والا تسبب بدمار الارض وهلاك المخلوقات”، يشبه ذلك نظرية طغيان الانسان الدينية من الاف السنين، طبعا حينها الانبياء و اصحاب الاديان لم يكن بذهنهم ما يحصل الان، وظهور فيروس كورونا في خضم الصراع حول نهب ثروات الارض، وحرب اسعار النفط والغاز بين روسيا والسعودية واميركا، والنفط الاحفوري وغيرها…وذلك كنموذج عن الاطماع الانسانية التي لا تقف عند حدود تدمير الطبيعة وتخريب التوازن البيئي.

كورونا الذي حشر البشر في منازلهم خوفا من الموت والفناء، يجسد في لحظة معينة الاحباط والفشل العقائدي لمجمل التيارات الفكرية، فما الفرق بين الرواية الدينية التي تقول بفناء الانسان في يوم القيامه، وبين الحقيقة العلمية التي استجدت عن امكانية انقراض الانسان بسبب فيروس خبيث؟! فالنتيجة واحدة وهي زوال البشرية !

بين الحقيقة والأسطورة؟!

يقدم الدين رواية بسيطة عن وجودنا، أغلب العلماء يرفضونها، ولكن بنفس الوقت لم يستطع هؤلاء العلماء حلّ لغز الوجود ولا مستقبل البشرية، وهل ستكون هناك قيامه او انقراض للانسان يوما ما.

الآن كورونا وحد النظرة بين الطرفين عندما اظهر هشاشة  وجود الانسان وامكان فنائه علميا او انقراضه بالفيروس بأية لحظه، مزعزعا ايضا الايمان الديني بالفئة الناجية الدينية، التي يؤمن كل دين ان المخلص سيظهر منها.

فالدين يحل جزءا من مخاوف البشر الوجودية ولو بشكل بسيط، ولكن روايته الناقصة التي لا تكشف كامل الحقيقة جعلت العقل البشري يتدخل ويطلق آلاف الافكار والاراء المتناقضة حول مآل ومصير الوجود البشري.

“كورونا” زعزعت الإيمان الديني بالفئة الناجية الدينية، التي يؤمن كل دين أن المخلص سيظهر منها

اقرأ أيضاً: كورونا يُبيح اقتصاد.. «زنى المحارم»!

والحقيقة ان كورونا الذي يغزو العالم اليوم، يدعو جميع التيارات العقلية والغيبية الى الحجر والانسحاب من المواجهة، ضاربا عرض الحائط بالغيبيات الدينية كما بالحقائق العلمية وباليقينيات على حد سواء، معلنا ان الاديان لا تصلح إلا للعبادة، وان العلم وظيفته فقط ادراك المحسوسات المادية لا اكثر، واي محاولة من الطرفين لادراك حقيقة الوجود ومصير الانسان، او حماية وجوده، هي محاولات فاشلة وغير مجدية.

 نعيش اليوم بحضرة كورونا، عرس اللقاء المنتظر الفاشل بين المادة والروح، وبين العلم والدين. خطان متوازيان يلتقيان في لحظة ضعف نادرة لن تتكرر، على حافة مشهد نهاية الجنس البشري .

السابق
الجامعة اللبنانية منزلاً للطواقم الطبية.. اليكم تفاصيل المبادرة الخيّرة!
التالي
«سطو على الودائع».. أبو فاعور: الحكومة تستحق جائزة!