الهجرة المسيحية الكبرى الثانية

خيرالله خيرالله

ماذا ينفع المواطن اللبناني كلّ نفط العالم وغازه اذا لم يكن في استطاعته التصرّف بامواله المودعة في المصارف اللبنانية. لا ينفع ذلك المواطن اللبناني في شيء، اكان فقيرا او متوسّط الحال او غنيّا. ليس الهرب الى البحث عن النفط والغاز، ونشر الاوهام، سوى محاولة أخرى للتغطية على الازمة الحقيقية ذات الطابع المصيري التي يعاني منها لبنان. هذه الازمة هي الاولى من نوعها منذ قيام لبنان الكبير قبل مئة عام. لم تحدث ازمة من هذا النوع الّا في ايّام “العهد القويّ” الذي بدأ في الواحد والثلاثين من تشرين الاوّل – أكتوبر 2016. مع “العهد القوي”، بدأ عمليا “عهد حزب الله” الذي استطاع فرض مرشّحه رئيسا للجمهورية.

ان تحتجز المصارف اموال اللبنانيين يعني انّ لا مصارف لبنانية بعد الآن. يعني ذلك بكلّ بساطة انّ لا اقتصاد لبنانيا بعد الآن. لا اقتصاد يعني موت لبنان. لا ينفع في انعاش لبنان كلام ومواضيع انشاء في مستوى صف السرتيفيكا (شهادة نهاية المرحلة الابتدائية) من نوع الخطاب الذي القاه أخيرا رئيس الجمهورية ميشال عون في مناسبة بدء استكشاف النفط والغاز في المياه اللبنانية.

اقرأ أيضاً: هل من حدث كبير سيشهده لبنان الصيف المقبل؟

لا يفيد اللبنانيين الهروب الى امام في شيء. ما يفيدهم هو مواجهة الواقع المتمثّل في ان بلدهم ما زال اسير السلاح غير الشرعي لـ”حزب الله” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الايراني يقاتل في سوريا وغير سوريا، في اليمن والعراق خصوصا، خدمة لمشروع توسّعي إيراني يقوم على اثارة الغرائز المذهبية. مثل هذا المشروع على تناقض كلّي مع فكرة لبنان من أساسها. بل ينسف فكرة لبنان الكبير كوطن لكلّ أبنائه، من كلّ الطوائف والمذاهب، من دون ايّ تمييز من ايّ نوع.
يصبّ ما يحصل عمليا في لبنان هذه الايّام في مشروع آخر لا علاقة له بلبنان. يستهدف هذا المشروع تهجير مزيد من اللبنانيين، خصوصا من المسيحيين كي تزداد حال اللاتوازن في البلد.

هناك موجة هجرة لبنانية حقيقية وكبيرة حصلت في السنتين 1989 و 1990 بعد حربي “الإلغاء” والتحرير” اللتين شنّهما رئيس الحكومة الموقتة ميشال عون بعدما وجد نفسه في قصر بعبدا من اجل مهمّة وحيدة هي تأمين انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس امين الجميّل الذي انتهت ولايته في الثالث والعشرين من ايلرل – سبتمبر 1988.
خلال وجود ميشال عون في قصر بعبدا، بين خريف 1988 والثالث عشر من تشرين الاوّل – أكتوبر 1990، عندما اخرجه الجيش السوري من القصر الى بيت السفير الفرنسي، هاجر عشرات آلاف المسيحيين من لبنان. لم يسبق لمثل هذا العدد من المسيحيين ان اتخذ قرارا بترك البلد. وقتذاك، هاجم ميشال عون مناطق إسلامية بالمدفعية الثقيلة ثم ما لبث ان خاض حربا مع “القوّات اللبنانية” التي كانت لا تزال ميليشيا وليس حزبا سياسيا.

حرّر ميشال عون في تلك المرحلة مناطق عدّة… من المسيحيين. لم يمنع ذلك الدكتور سمير جعجع من توقيع اتفاق معراب معه في العام 2016 واضعا الأطراف اللبنانية الأخرى امام امر واقع. هذا الامر الواقع هو ان يكون ميشال عون، مرشّح “حزب الله”، رئيسا للجمهورية… او لا جمهورية بعد الآن.
الأكيد ان سمير جعجع يمتلك حسابات خاصة به. لكنّ ما هو اكيد اكثر من ذلك، ما تتداوله سفارات أوروبية في بيروت عن تأثير الازمة الاقتصادية على وضع المسيحيين في لبنان وذلك بسبب انتشار البطالة.

هناك خوف لدى هذه السفارات من موجة هجرة جديدة للبنانيين، خصوصا للمسيحيين ستزيد من حال اللاتوازن ديموغرافيا في البلد. ستعني مثل هذه الهجرة انّ الطريق الى المثالثة المسيحية – الشيعية – السنّية صارت معبّدة. هل هذه مهمّة عهد ميشال عون؟ هل هذا هو السبب الحقيقي وراء اصرار “حزب الله” على ان لا مجال لان يكون احد غيره رئيسا للجمهورية؟

من الواضح انّ حال الإفلاس والانهيار الاقتصادي التي وصل اليها لبنان تساعد في تنفيذ مخطّط “حزب الله” الساعي الى “مؤتمر تأسيسي” في مرحلة ما لتكريس المثالثة بديلا من المناصفة بين المسيحيين والمسلمين.
هذا لا يمنع من طرح سؤال يمكن ان تكون له اهمّيته: هل تخدم التطورات الإقليمية التي لا تصبّ في مصلحة “الجمهورية الإسلامية” المشروع التوسّعي الايراني الذي يشمل لبنان… ام انّ تصفية قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الايراني هي بداية النهاية لهذا المشروع مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات إيجابية على لبنان. انّها انعكاسات لن ترى النور قبل نهاية “العهد القويّ” الذي يخشى ان يكون عهد الهجرة المسيحية الكبرى الثانية من لبنان في 2020 بعد الهجرة الكبرى الاولى في 1989 و1990!

السابق
بالفيديو.. تحطيم واجهة احد المصارف في الزلقا.. والسبب!
التالي
مجلس الوزراء يقرّ مشروع رفع السرية المصرفية.. ولقاء ثلاثي للبتّ باستحقاق «اليوروبوند»!