هل من حدث كبير سيشهده لبنان الصيف المقبل؟

لبنان ينتفض

وسط أزمة مالية لم يسبق للبنان أن شهد مثيلاً لها منذ إعلان قيامه قبل مئة عام، تتحدث أوساط سياسية واسعة الاطلاع عن تطورات إستثنائية في الأشهر المقبلة ناجمة عن إنسداد أفق الحلول لهذه الأزمة، ما يحتم الذهاب إلى خيارات سياسية تمثل حدثاً كبيراً. فما هو هذا الحدث؟

من أجل تحضير الجواب، تقول أوساط نيابية بارزة لـ”النهار” أن الرفض الذي أبداه “حزب الله” لخيار الاستعانة بصندوق النقد الدولي كي يعالج مسألة سداد لبنان مستحقات سندات اليوروبوند بدءاً من 9 آذار الجاري، وجاراه في الرفض حتى الآن الحكم والحكومة، سيجعل لبنان مكشوفاً على مخاطر واسعة في مقدمها إنحدار سعر صرف الليرة مقابل الدولار وسائر العملات الأجنبية إلى مستويات غير مسبوقة منها مستوى 3 آلاف ليرة للدولار في وقت قريب. فهل يمكن أن يمرّ هذا التراجع الكبير في سعر صرف العملة الوطنية من دون ردات فعل؟

اقرأ أيضاً: الحكومة اللبنانية أسيرة أجندة «حزب الله»… فهل يُفتح «صندوق باندورا» المالي؟

من الأسئلة البديهية التي يتداولها اللبنانيون واحد يتعلق بالذرائع التي يبرر من خلالها المعنيون عدم الذهاب إلى الحلول الحقيقية التي تؤدي الإنقاذ، على غرار ما قامت به مصر عبر صندوق النقد منذ أعوام وقطفت ثماراً إيجابية عبر الصندوق؟

في ندوة أقامها المركز اللبناني للبحوث والاستشارات قبل عدة أيام، وخصصها لموضوع إستعانة لبنان بصندوق النقد، تحدث الخبير المالي الدكتور توفيق كسبار عن الاستشارة الفنية التي طلبها لبنان من الصندوق بـ”ضوء أخضر من حزب الله”، فقال أن الصندوق إنطلاقا من عضوية لبنان فيه، لديه كل الدراسات والمعطيات المتعلقة بشؤونه المالية، ما يعني أن الاستشارة الفنية لا تعني أن هذه المؤسسة المالية الدولية في حاجة إلى الذهاب إلى تكوين ملفات حول لبنان بإعتبار أنه موجودة لديه مسبقاً. لكن ما ليس موجوداً لدى الصندوق، فهو طلب رسمي من السلطات في لبنان الى الصندوق تدعوه إلى مساعدة هذا البلد في كيفية التغلب على أزمة عدم سداد مستحقات سندات اليوروبوند. وإذا ما تقدم لبنان بهذا الطلب رسمياً يمكن للصندوق عندئذ توفير قرض يترواح بين مليار و8 مليارات يتم سدادها خلال سنوات وفق شروط وضمن مواعيد. وحدد كسبار هذه الشروط بثلاثة: رفع ضريبة الـTVA، زيادة سعر صفيحة البنزين ومعالجة عجز الكهرباء الذي يكبد الخزينة سنوياً نحو ملياريّ دولار. ومن شأن تلبية هذه الشروط، إضافة إلى ضبط الموارد الجمركية عبر كل المنافذ الحدودية أن يوفر موارد سريعاً يجري توظيفها في تطبيق برنامج الصندوق الإنقاذي.

لا مؤشرات حتى الآن إلى أن هناك قراراً سياسياً على المستوى الرسمي بطلب مساعدة الصندوق. ويشير وزير سابق له خبرة طويلة في عالم الاقتصاد عبر “النهار” إلى مفارقة يشهدها لبنان حالياً وهي أن زيادة ضريبة الـTVA وإضافة رسم جديد على سعر صفيحة البنزين، لو تمتا قبل أشهر لكانتا وفّرتا موارد مهمة لا ترقى أبداً إلى الكلفة التي يتحملها اللبنانيون اليوم بعد تراجع قدراتهم الشرائية بنحو 60 في المئة بسبب تراجع سعر صرف الليرة. وأعطى الوزير السابق مثلاً على ما يتحدث عنه، فقال أن موظفاً يتقاضى حالياً راتباً يبلغ مليون ليرة شهرياً، كان سيفقد منه بسبب الضريبة والرسم المشار إليهما  نحو 150 ألف ليرة، لكنه الآن فقد نحو 600 ألف ليرة بسبب تراجع أسعار الصرف، من دون أن يؤدي ذلك إلى أي حل للأزمة التي تزداد شدة تباعاً.

ويوضح المصدر نفسه، أن السبب الكبير وراء تلكؤ المسؤولين وفي مقدمهم الرئاستان الأولى والثانية، في الذهاب إلى تنفيذ الإصلاحات التي تنتشل لبنان من قعر الأزمة، هو أن هؤلاء يدركون جيداً أن الإصلاح يبدأ بخفض حجم الدولة التي تضخمت بشكل هائل بفعل توظيف لا حاجة فعلية له، تلبية لحسابات إنتخابية وزبائنية ما أوقع الخزينة في عجز قياسي. وعندما يتقرر إعادة الدولة إلى حجمها الطبيعي سيجري إلغاء كل الزيادات التي أدخلها المسؤولون على حجم القطاع العام. وهو ما ليس وارداً في المدى المنظور.

في موازاة ذلك، يقول الوزير السابق، “أن معارضة “حزب الله” للاستعانة بصندوق النقد ينطلق من سياسة قصيرة النظر تحاول أن تظهر الحزب على أنه نصير للفقراء وذوي الدخل المحدود، في حين أنه من حيث لا يدري، يجعل الفقراء أكثر فقراً، كما يجعل ذوي الدخل المحدود بلا دخل تقريباً”.

كيف يمكن الخروج من هذه الدوامة التي تكاد تغرق لبنان في أزمة بلا قعر؟ في الندوة التي وردت الإشارة إليها آنفاً قال كسبار: “هناك حل ينقذ لبنان في 48 ساعة يقوم على الآتي: يعلن الأمين لحزب الله السيد حسن نصرالله أن حزبه قرر أن يكون لبنانياً ويضع سلاحه بتصرف الجيش اللبناني وسينسحب من كل حروب المنطقة، عندئذ سيتراجع سعر صرف الدولار إلى ما دون الـ2000 ليرة، وتبدأ المصارف فوراً تلبية حاجات الزبائن إلى العملة الخضراء بفعل تدفق الرساميل مجدداً من الخارج إلى الداخل”.

ما يقترحه الخبير المالي أشبه ما يكون بإعجوبة إذا ما تحققت. لكن الواقع بحسب وصف أحد المشاركين في الندوة يفيد “أن لبنان الذي ناضل من أجل قيامه عام 1920 بطريرك (يوسف الحويك)، يقوم اليوم بهدمه سيّد (نصرالله)”!

في موازاة ذلك، تتوقع أوساط سياسية أن يتجه لبنان إلى أزمة حكومية بفعل الفشل في تقديم حلول ناجعة، ما يطرح بقوة مطلب إستقالة حكومة الرئيس حسان دياب. ومن شأن إستقالة الحكومة، أن تتجه الأنظار إلى محاسبة الحكم بشخص رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يكاد عهده ينقضي ولبنان إلى مزيد من الأزمات، ما يتطلب إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة تدور منذ الآن حولها تكهنات تتناول من لديهم الحظوظ في خوض السباق إلى ملء فراغ الرئاسة الأولى.

تقول هذه الأوساط، أن هذا هو الحدث الكبير الذي قد يشهده لبنان الصيف المقبل. فهل إذا ما تحققت هذه التوقعات سيحظى لبنان بالخلاص من أزماته؟ الشكوك كثيرة على هذا الصعيد. ومن أبرزها: كيف يتخلص لبنان من أزماته إذا لم يتغيّر ميزان القوى الذي يرجح الآن لمصلحة “حزب الله” وحلفائه؟ ومع ذلك، وبسبب الظروف الحرجة في لبنان والمنطقة، يبدو أن كل الاحتمالات واردة!  

السابق
أمريكا تُحّذر من «التيك توك» الصيني: انتبهوا لبياناتكم!
التالي
إسرائيل تستهدف مطارات ومقرات عسكرية لإيران وحزب الله في حمص والقنيطرة