حرب الاغتيالات تعود بحوافز جديدة

على الرغم من كل ردود الفعل واسعة المدى والمتناقضة، التى جرى التعبير عنها من دوائر سياسية وأمنية واستخباراتية كثيرة خاصة الأمريكية و”الإسرائيلية” منها، عقب نجاح عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثورى الإيرانى، إلا أن أبرز تلك الردود كان يتعلق بالقلق من أن يؤدى هذا النجاح، ورد الفعل الإيرانى “المنضبط” حتى الآن إلى إطلاق “حرب اغتيالات” واسعة على امتداد المنطقة كلها، خصوصاً وأن الأطراف المعنية وبالذات الأمريكية و”الإسرائيلية” وأيضاً الإيرانية لديها من قوائم الاغتيالات ما يمكن أن يفجر حرباً واسعة فى المنطقة تتجاوز كثيراً تلك الاغتيالات.

المخاوف التى فرضت نفسها تحسباً لتفجر موجة جديدة من الاغتيالات المتبادلة كانت تغذيها تصريحات “إسرائيلية” جرى الإفصاح عنها قبل أشهر من اغتيال قاسم سليمانى ومعه أبو مهدى المهندس نائب رئيس “الحشد الشعبى” فى العراق، وخاصة بعد نجاح “إسرائيل” فى اغتيال قائد اللواء الشمالي لـ “حركة الجهاد الإسلامى” فى فلسطين الشهيد بهاء أبو العطا بأمر من بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة، الذى لم يغفر له إطلاقه صاروخاً على مدينة أسدود أثناء إلقائه خطاباً انتخابياً ما أجبره على الهرب مذعوراً من بين مؤيديه.

اقرأ أيضاً: لن أقبل بأنْ أجوع: مَن له أذنان سامعتان فليسمعْ

فقد جرى الحديث عن وجود هدفين مرجحين للاغتيال من جانب الأجهزة “الإسرائيلية” أولهما، الجنرال قاسم سليمانى باعتباره من يقف خلف الصواريخ الأربعة التى جرى إطلاقها على هضبة الجولان المحتلة فى إطار خططه لفتح هذه الجبهة فى الخاصرة الشرقية للكيان، وباعتباره المسؤول عن “تهريب” صواريخ دقيقة وتكنولوجيا عسكرية متقدمة لفصائل المقاومة فى لبنان وقطاع غزة و”الحشد الشعبى” فى العراق والحوثيين فى اليمن، وثانيهما، زياد النخالة الأمين العام لـ “حركة الجهاد الإسلامى” فى فلسطين الذى أعطى التعليمات بالرد الصاروخى من القطاع انتقاماً لاغتيال القائد العسكرى بهاء أبو العطا، وهو الرد الذى أصاب نصف الكيان بالشلل ومنع أكثر من مليون تلميذ من الذهاب إلى مدارسهم خوفاً من تجدد القصف الصاروخى.

الأجواء التى سادت الكيان “الإسرائيلى” عقب العمليتين؛ أى عملية اغتيال بهاء أبو العطا، والقصف الصاروخى المضاد الذى أطلقته “حركة الجهاد الإسلامى” باتجاه المناطق المحاذية لقطاع غزة تكاد تشبه الأجواء الحالية الناتجة عن اغتيال قاسم سليمانى ثم الرد الصاروخى الإيرانى على قاعدتى “عين الأسد” فى الأنبار و”حرير” قرب أربيل بالعراق، لذلك يكون السؤال مشروعاً حول ما إذا كان الردع المعنوى الذى أصاب “الإسرائيليين” عقب العملية الأولى يمكن أن يتكرر بعد العملية الثانية أم لا؟

فقد استنتج، وقتها، تسفى برئيل محلل الشؤون العربية فى صحيفة “هآرتس” العبرية أن “صفارات الإنذار التى أزعجت نوم سكان تل أبيب وسكان غلاف غزة وأسدود وعسقلان، ويوم العطلة لمئات الآلاف من الإسرائيليين، خشية تجدد القصف، جعلت المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلى يعد المواطنين المذعورين بأن إسرائيل لن تعود إلى سياسة التصفيات، ليس لغياب من يستحق ذلك، بل لغياب السياسة”.

ربما تكون الإجابة هى: “لا” لأسباب كثيرة من أبرزها أن من قام بالاغتيال هذه المرة، أى اغتيال قاسم سليمانى، هو الولايات المتحدة، أى أن الولايات المتحدة دفعت نفسها فى “حرب الاغتيالات”، وهى من سيكون فى الواجهة وليس “إسرائيل”، وأنه بات من الأسهل الآن دفع الولايات المتحدة لمواصلة ممارسة هذا النوع من الحرب، ومن ثم فتح كل الأبواب الموصدة أمام “إسرائيل” للقيام بالدور الأكبر فيها للتخلص من كل من هم على قائمة الاغتيالات، ولعل هذا ما يفسر ردود الفعل “الإسرائيلية” على عملية اغتيال الأمريكيين لقاسم سليمانى، ففى البداية كان الارتباك، ثم تلاه حرص على “النأى بالنفس” عن هذه العملية، وتعليمات من نتنياهو لوزرائه “بعدم التطرق لا من قريب ولا من بعيد لعملية الاغتيال، ولكن بعد الإفصاح الأمريكى عن تحمل المسؤولية والتباهى بنجاحها انطلق نتنياهو والإعلام “الإسرائيلى” للاحتفاء بهذا الاغتيال لسببين؛ أولهما أن هذا الاغتيال خلّص “إسرائيل” من رجل يعتبر من ألد الأعداء، وثانيهما، أنه أعطى أضواء خضراء “لإسرائيل” للانخراط بشجاعة فى هذه الحرب.

من هذه الأسباب أيضاً التقديرات الإسرائيلية بضعف رد الفعل الإيرانى على اغتيال قاسم سليمانى، وهو الرد الذى اقتصر على إطلاق صواريخ على القاعدتين الأمريكيتين فى العراق ولم ينتج عنه وقوع أى قتلى، وإن كان قد جرى الإفصاح مؤخراً بعد تردد ونفى أمريكى، عن نقل مصابين بارتجاج فى الرأس لعدد من الجنود إلى مستشفيات خارج العراق للعلاج. متابعة “إسرائيل” للرد الإيرانى، وما تلاه من ورطة إيرانية غير محسوبة نتجت عن إسقاط الطائرة الأوكرانية بصاروخ إيرانى غير متعمد، فى ذات الوقت الذى أطلقت فيه الصواريخ الإيرانية على القاعدتين فى العراق (8/1/2020)، وما سوف يترتب على هذه الورطة من تهدئة إيرانية مفروضة لأى تفكير فى مواصلة الانتقام لقاسم سليمانى سيشجع “الإسرائيليين” على تجديد الثقة فى “سياسة الاغتيالات” و”التصفيات” لأبرز المعارضين والمناوئين الخطرين “لإسرائيل” فى المنطقة، وهى السياسة التى يسميها وزير الحرب “الإسرائيلى”- الأسبق- موشيه يعلون بـ “التصفية الممركزة”، والتى يرى أن الهدف منها “ليس معاقبة مخربين على ما قاموا به فى الماضى، إنما لمنع عملياتهم فى المستقبل”.

أبرز مؤشرات الحماس “الإسرائيلى” لـ “تشريع حرب الاغتيالات” ما ألمح إليه يسرائيل كاتس وزير الخارجية “الإسرائيلى” من إمكانية لتصفية حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” اللبنانى إذا ما استمر فى تهديد “إسرائيل”. فقد كتب كاتس باللغة العربية على حسابه على موقع “تويتر”: “نصر الله لا يتوقف عن مهاجمة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وتهديد إسرائيل. كلما تفاقمت منحته تزداد غطرسته” وأضاف “لقد أجبر على النزول فى المخبأ طابقاً آخر بعد تحذيرات أسياده الإيرانيين من إمكانية تصفيته ، وإذا تحدى إسرائيل فلن يساعده ذلك أيضاً”.
هذه التلميحات وما يقف خلفها من استنتاجات يرونها داخل كيان الاحتلال محفزة لتصعيد “حرب الاغتيالات” ربما تدفع الطرف الآخر، أى إيران وحلفاءها، على التورط فى هذه الحرب بعد استيعاب ما يمكن اعتباره “زوبعة الطائرة الأوكرانية”، خاصة على المحور الإيرانى- العراقى، وكرد فعل للعنف الأمريكى فى التجاوب مع قرار البرلمان العراقى بإنهاء الوجود العسكرى الأمريكى على الأراضى العراقية.

استقبال الجنرال إسماعيل قاآنى القائد الجديد “لفيلق القدس” لستة من قادة فصائل “الحشد الشعبى” العراقى، ووعده واستعداده لتقديم كل ما يطلبون من مساعدات عسكرية- لوجستية لاستخدامها فى الحرب القادمة والوشيكة لطرد القوات الأمريكية من 18 قاعدة فى العراق مؤشر آخر مضاد يؤكد أن “حرب الاغتيالات” ربما تكون أهم معالم الصراع فى الأشهر القادمة.

السابق
«الهيبة» تُغلَق في 2020.. وملحمة شعبية جديدة في الانتظار!
التالي
بعد إزالة خيم من ساحة الشهداء.. تفكيك خيم اللاجئين أمام المفوضية الأممية!