العلاقة بين «المستقبل» و«القوات» من المساكنة إلى الطلاق!

سعد الحريري وسمير جعجع

… مرة أخرى تعود العلاقة بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل إلى الواجهة بعد القنبلة التي فجرتها القوات بعدم تسمية سعد الحريري لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة الأمر الذي قلب الطاولة هذه المرة بشكل غير مسبوق وبطريقة لم يتوقعها حتى جبران باسيل نفسه.

فما الذي دفع القوات لإتخاذ هذا الموقف الذي سمح لقوى الثامن من آذار بتسمية حسان دياب وتكليفه تشكيل الحكومة؟ الواقع بأن العلاقة بين الطرفين شهدت في السنوات الأخيرة عدة محطات وإشكالات أطاحت بكل ما كان قائما من تحالف بين الجانبين في إطار قوى الرابع عشر من آذار، كانت البداية بعد إتفاق الدوحة الذي قضى بإدخال التيار الوطني الحر إلى السلطة والذي كان من الطبيعي أن يأخذ من حصة المسيحيين في الحكومة الأمر الذي حاولت القوات أن يكون من حصة مسيحيي تيار المستقبل والمستقلين إذا صح التعبير مع إحتفاظها هي بعدد وزرائها بمواجهة التيار الوطني الحر، الأمر الذي لم يستسغه يومها التيار والذي بدا – بغض النظر عن صحة هذا الإعتقاد – وكأنه محاولة من القوات لإستغلال ظروف المستقبل الذي خرج من أحداث 7 أيار أضعف نتيجة موازين القوى على الأرض.

اقرأ أيضاً: لا إنقاذ بل إضاعة وقت

مر القطوع الأول وتشكلت حكومة السنيورة التي كانت حكومة إنتقالية لغاية إجراء الإنتخابات النيابية الجديدة العام 2009 وهنا ايضا برز بعض التباينات في الترشيحات، فالقوات وبعد دخول التيار الوطني الحر إلى السلطة باتت أكثر حساسية وإهتماما ببيئتها المسيحية على حساب التحالف مع المستقبل الذي كان هو الآخر “يحرص” على إبقاء بعض الأوراق المسيحية إذا صح التعبير في يده ليكون أكثر تأثيرا في اللعبة الداخلية بمواجهة الثنائي الشيعي وخاصة حزب الله المتحالف مع التيار الوطني الحر من ناحية، ولإظهار حرصه على أنه تيار عابر للطوائف وغير طائفي أو مذهبي ولو بدرجة أقل من ناحية أخرى، وبدا وكأن القوات تحاول الإستئثار بالنواب المسيحيين في إطار قوى الرابع عشر من آذار في مواجهة التيار الوطني الحر الذي كان الحليف المدلل لحزب الله الذي كان حريصاً على تقوية وضعه وإعطائه المزيد من النواب ولو على حساب حليفه الرئيس بري في بعض الأحيان كما حصل في جزين مثلا التي إعتبرها باسيل يومها قد تحررت وعادت إلى كنف أهلها.

تكليف سعد الحريري

حصلت الإنتخابات وربحت قوى الرابع عشر من آذار الإنتخابات مع حلفائها وتم تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة لأول مرة ولم يفلح نتيجة التجاذبات الداخلية التي عكست الصراع الإقليمي الذي كان قائماً يومها خاصة مع خروج وليد جنبلاط من قوى 14 آذار وإتخاذه الموقع الوسطي بين أفرقاء الداخل، إلى أن كانت مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز في قمة الكويت والتي أطلق فيها إشارات إيجابية تجاه النظام السوري وعاد الحديث عن عودة السين – سين، وتشكلت الحكومة بعد طول عناء وزار الرئيس السوري لبنان برفقة العاهل السعودي ليعود الحريري ويزور سوريا، قبل أن ينهار كل شيء بعدها نتيجة تعنت الجانب الآخر بحيث رضي القتيل ولم يرض القاتل. كل هذه الأحداث قبلتها القوات على مضض خاصة وأن الحريري بدأ بالتعاطي معها كطرف من الأطراف في الحكومة وليس كحليف مراعاة منه للتوازنات في الحكومة والبلد خاصة وأنها كانت تجربته الأولى في الحكم.

أزمة “إستقالة” الرئيس الحريري من السعودية كالقشة التي قصمت ظهر البعير

في هذه الأثناء كانت القوات قد بدأت تتعامل مع الأحداث والقضايا الداخلية اللبنانية من منطلق رد الفعل على مواقف جبران باسيل في إطار الصراع بين الجانبين، وقد نجح باسيل بتطرفه ومغالاته في الحديث والعمل على ما أسماه إسترجاع حقوق المسيحيين، نجح في جرها لإتخاذ مواقف شعبوية جعلتها في موقف يتناقض مع مواقف “حليفها” تيار المستقبل في عدة محطات داخلية وإن كانت على المستوى الإستراتيجي العام والسياسة الخارجية بقيت منسجمة مع توجهات 14 آذار التي كانت بعد خروج وليد جنبلاط منها قد بدأت مرحلة التراجع خاصة وأن دخولها جنة الحكم جعلها تنكفئ وتترك الساحات إلى القاعات التي هي بطبيعة الحال تفتقد للحماس وللتعبئة الشعبية المطلوبة للمواجهة.

ميشال عون سعد الحريري
ميشال عون سعد الحريري

التسوية الرئاسية

كل هذه الأحداث على سخونتها بقيت تحت سقف المعقول والمفهوم بين حليفين لكل منهما إتجاهه السياسي وخلفياته الفكرية الخاصة، إلى أن كان الفراغ الرئاسي الذي دام أكثر من عامين وغياب الرئيس الحريري عن الساحة السياسية التي عاد إليها بقنبلة سليمان فرنجية مرشحا للرئاسة اللبنانية دون التنسيق أو حتى الحديث مع من يفترض أنهم حلفائه في القوات اللبنانية وكانت رمية غير موفقة من قبل الرئيس الحريري الذي بدا وكأنه فك عرى التحالف أو حتى التفاهم مع القوات اللبنانية فكان أن جاء رد فعل القوات من نفس فعل الحريري بل أخطر، وبدا أن الثقة قد فقدت بين الحانبين وبات كل طرف يتصرف حسب مصلحته فقط وبالخفاء عن حليفه، وهكذا ذهبت القوات إلى خيار التفاهم مع التيار الوطني الحر تحت مسميات وعناوين طائفية للأسف من نوع المصالحة المسيحية و”أوعا خيك” وسواها من التعابير والتصرفات الفولكلورية اللبنانية المعتادة في مثل هذه المناسبات وكان إتفاق معراب الذي أهدى الرئاسة لميشال عون، ليعود المستقبل ويرد الصاع صاعين للقوات عبر لجوئه إلى التفاهم مع التيار الوطني الحر تحت مسمى التسوية الرئاسية التي كانت تمثل الضلع الثالث الذي أتى بميشال عون إلى سدة الرئاسة بعد حزب الله والقوات اللبنانية وهنا كانت الفرصة لـ جبران باسيل الطامح لوراثة العهد حتى قبل أن يبدأ بأن يتملص من إتفاق معراب الذي تبين فيما بعد أن له بنود سرية تتعلق بتقاسم السلطة والمناصب والإدارات المسيحية في الدولة على طريقة الثنائي الشيعي وهو ما أظهر بصورة فاقعة طريقة التفكير لدى الطرفين والتي هي للأسف فيها من الأنانية الحزبية الكثير وفيها من منطق المحاصصة ضمن الطائفة ما لا يترك مجالاً للمستقلين الأحرار من كل تحزب أو تبعية وتأليه للزعيم أي مجال للمساهمة في بناء المجتمع والبلد.

المصالح الطائقية خرَّبت الثقة بين القوات والمستقبل

نحو “المهوار”

وكانت أزمة “إستقالة” الرئيس الحريري من السعودية كالقشة التي قصمت ظهر البعير، والتي أنتجت عدم تحالف في إنتخابات 2018 الأخيرة بحيث دعا الحريري في جولاته الإنتخابية إلى التصويت لـ”صديقه” جبران، وخرج الحريري من الإنتخابات خاسراً أكبر بسبب قانون الإنتخاب الذي قبل به مع علمه المسبق بأنه سيفقد بسببه عددا من النواب ولكن يبدو أن الخسارة كانت أكبر من المتوقع، بعكس القوات التي عززت مواقعها بحوالي ضعف عدد المقاعد الأمر الذي أضعف الحريري مسيحيا، وجعله “رهينة” لدى جبران باسيل والثنائي الشيعي الذي حافظ على مكانته الشيعية علاوة على كسبه عدة نواب سنة الأمر الذي ضرب الحريري في بيئته فإزداد ضعفا على ضعف الأمر الذي شجع جبران باسيل على الإنقلاب عليه كما إنقلب من قبل على إتفاق معراب وباتت التسوية الرئاسية خاضعة لمزاجية ومصلحة باسيل مدعوما بطبيعة الحال من رئاسة الجمهورية وحليفه الأكبر حزب الله، فكان أن عطل البلد لحوالي تسعة أشهر كي يتسنى له الحصول على كتلة وزارية وازنة كانت بطبيعة الحال على حساب الحريري كرئيس حكومة  والقوات كالطرف المسيحي الثاني من حيث القوة في وقت كان الحريري يسابق الزمن وهو يرى الوضع الإقتصادي والمالي سائراً نحو “المهوار” على حد تعبير رئيس الجمهورية نفسه العام الماضي، ويسعى لمحاولة البدء بالإصلاحات التي كانت الدول المانحة في مؤتمر سيدر قد طالبت بها كشرط لتطبيق مقررات المؤتمر حتى وصلنا إلى ثورة 17 تشرين التي كما هو معروف إندلعت عقب إقرار ضريبة الواتس أب والتي طالبت بإستقالة الحكومة والطبقة السياسية كاملة فرأت فيها القوات اللبنانية فرصة للإستقالة في الوقت الذي كان الحريري يسعى لتدوير الزوايا كعادته ومحاولة كسب بعض التنازلات من باسيل وغيره تحت ضغط الشارع الذي رفض كل إجراءات الترقيع وأصر على موقفه وهكذا لم يبق أمامه من خيار إلا الإستقالة ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم.

اقرأ أيضاً: سرّ عدم تسمية «القوات» للحريري.. هل من دور للسعودية؟

يبقى السؤال اليوم ما الذي دفع بالقوات اللبنانية اليوم إلى رفض تكليف الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة؟ هل هي تعليمات خارجية كما يحاول أن يوحي البعض؟ أم هو خلاف على شكل الحكومة بين حكومة إختصاصيين وتكنو سياسية؟ أم هو خطأ بالحسابات ودائما بفعل المزايدة ورد الفعل على مواقف باسيل الذي كان قد أعلن عدم مشاركته في حكومة يرأسها الحريري والذي أوصل إلى أن يبدو وكأن موقف القوات هو تمريرة قوية تلقفها جبران باسيل من حيث لم يكن ينتظر أو ربما ينتظر بسبب طبيعة فهمه ربما لتصرفات قيادة القوات، هو الذي كان قد بدا في بداية الثورة وكأنه المقصود رقم واحد لدرجة أنه بات مجبرا على القبول بالخروج شخصيا من الحكومة، لتأتي تمريرة القوات وتعيد إليه “الروح” وتمنحه فرصة التحكم مجدداً بمسار التطورات؟

أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبة بينما الوطن بسمعته وناسه هو من يدفع غاليا ثمن كل لحظة تمر دون معالجة للأزمة التي ما أوصله إليها سوى هذه المناكفات السياسية بين الأطراف الذين يتحملون كلهم مسؤولية الإنهيار الحاصل وهو ما يعطي صدقية ومصداقية لشعار الثورة كلن يعني كلن.

السابق
وقفة احتجاجية أمام مصرف لبنان: «مش دافعين»!
التالي
الازمة مالية تفرض تقشفا في موزنة 2020.. تعديلات وتخفيض بـ1000 مليار ليرة