ثورة 17 تشرين _ المقاومة السلمية: حان وقت السياسة !

لبنان ينتفض
في خضم المواجهة بين الثورة والسُّلْطَة، تتوالى أماراتُ الانهيار الاقتصادي والمالي منذرة بشرور مُسْتطيرة من الحماقة، ومن سوء التقدير، ألّا يُظَنَّ بأنَّ السُّلْطَةَ لن تُحاول اسْتِسْناحَها، والاستثمارَ فيها، والرهانَ عليها تشويهًا للثَّورة وثنيًا للبنانيين وللبنانياتِ عن المضي فيها.

خمسون يوماً على ثورة متوقدة ملأت ساحات لبنان، ووحدتّها بمطالب محقة متوجبة في ذمة السلطة. بهذه المناسبة تداعى عدد من أهل الساحات إلى إئتلاف تحت مسمى” ثورة 17 تشرين _ المقاومة السلمية”، للبحث في السبل السياسية الناجعة لإسترداد الدولة من السلطة. وأصدرت البيان الآتي:

بعد خمسين يومًا على انطلاق ثورة 17 تشرين الأوَّل، أقلّ واجب الثورة وأهلها أن يُبادروا إلى قطع حساب يُحصي المشهد اللبناني سواء من حيث ما كان  إنجازه خلال هذه الخمسين يومًا المنصرمة، أو من حيث ما ظَهَّرَهُ  للعين المجردة من طبيعة «السُّلْطَة» التي يُواجِهها اللبنانيون واللبنانيات.

إقرأ أيضاً: الانتفاضة ترفض من جديد الحكومة الحزبية

بلا تردد قط يمكن القول إن أوَّل المُتفاجئين باندلاع ثورة 17 تشرين، وباستدامتها، وبِسِلْمِيَّتِها، وبعمومِها، وبإبداع تعبيراتها هم اللبنانيون واللبنانيات أنفسهم. وبلا تردد قط يمكن القول إنَّ ثقافة الخوف والتَّخْويف التي لم تَـكُفَّ «السُّلْطَة»، طيلة العقود الماضية،  ولا سِيَّما السَّنَواتِ الأخيرةَ منها، عن السعي إلى نشرها بينهم، متوسلةً كلَّ ما في جُعْبَتِها مِنْ أدوات ناعمة وخشنة، هي في الصَّدارَةِ مما أسقطته ثورة 17 تشرين، ومع سقوط ثقافة الخوف والتخويف توالى اندحار محرمات سياسية واجتماعية ومناطقية كانت، لأسابيع خلت، تُنْسَبُ إلى الفرادة والقداسة، وتُعَدُّ ذَواتًا معصومة فوق النقد، بل فوق الذِّكْر على شَفَةٍ ولِسان، ولقد عبَّر عن هذا الاندحار ما تبلور، ويتبلور، اليَوْمَ تلو الآخر، من اسْتِمْساكٍ مُواطِنِيٍّ لا رجعةَ عنه بمبدأ المساءلة عن ارتكابات الماضي كما عن ارتكابات الحاضر بصرف النَّظر عن هُوِيَّةِ الطَّرَف المرتكب ــ سيّان كان شخصًا طبيعيًّا، أو كان مؤسسة رسمية سياسية أو مالية أو عسكرية.
كذلك يمكن الجزم إنَّ ثورة 17 تشرين الأول التي كُتِبَ لها أن تندلع على نهايات المئوية الأولى من عمر «لبنان الدولة»، وعلى مشارف دخوله المئوية الثانية ــ يُمْكِنُ الجزم إنَّ مُحَرِّكَها الجامِعَ هو شَوْقُ اللبنانيين واللبنانيات، وتَوَثُّبُهم، إلى استعادة الدولة ــ  بما في ذلك «الدولة العميقة» طبعًا ــ من «السُّلْطة» ــ عِلْمًا أنَّ هذه السُّلْطَةَ في تَجَلِّياتِها المُتَعاقِبَةِ خلالَ العقودِ الماضِيَة، ودونما اعتبارٍ لِمَن تَوَلّاها في هذه المرحلة أو تلك، لم تكن يَوْمًا إلّا مرآةً لِتَحَوُّلاتِ «النِّظام» نفسه.

في مقابل هذه الثورة التي ترجمت من خلال عُمومِها وسِلْمِيَّتها عن وعي مُواطِنِيٍّ راسخ لطالما حاول النظام الالتفاف عليه بالممارسة وبالقانون بتشجيعه الولاءات الطائفية والمذهبية والفئوية الضيقة، يبدو النظام مُرْهقًا مُرْتبكًا مُتَعثرًا مُصِرًّا، في السياسة وفي الساحات، على اعتماد فلسفة المداواة بالتي كانت هي الداء. ولعل خير تعبير، في السياسة، عن ذلك ما حاوله النظام، ويحاوله، من اختزال مأزقه إلى أزمة حُكْمٍ وحكومة ضارِبًا عرض الحائط بالأسباب الجوهرية لاندلاع ثورة 17 تشرين؛ وأمّا خير تعبير عن هذا الإرهاق والارتباك في الساحات فَما يلجأ إليه من تهديد بالفوضى الأهلية، ومن تلويح بسلاح التفلت الأمني، سعيًا منه إلى ترميم منطق الردع بالخوف، وحَسْبُنا شاهِدًا على ذلك ما كانَ خلال الأسابيع الماضية، على مرأى ومسمع من اللبنانيين ومن العالم، من استعانة السُّلْطَةِ، لمواجهة الاحتجاج السلمي، ولمحاولة إرهابه، بمجموعات رعاعٍ ميليشيوية الإمرة وذات سِجِلٍّ عَدْلِيٍّ حافِلٍ بالارتكاباتِ الدَّمَوِيَّة.

إقرأ أيضاً: الحكومة ورئيسها.. أولاً

في خضم هذه المواجهة بين الثورة والسُّلْطَة، تتوالى أماراتُ الانهيار الاقتصادي والمالي منذرة بشرور مُسْتطيرة من الحماقة، ومن سوء التقدير، ألّا يُظَنَّ بأنَّ السُّلْطَةَ لن تُحاول اسْتِسْناحَها، والاستثمارَ فيها، والرهانَ عليها تشويهًا للثَّورة وثنيًا للبنانيين وللبنانياتِ عن المضي فيها.

بين يدي هذا المشهد تداعى عدد من أهل الساحات على امتداد الجغرافيا اللبنانية إلى الائتلاف تحت مسمى «ثورة 17 تشرين ــ المقاومة السِّلْمية»، لا لتمثيل الثورة، ولا للنيابة عن الثوّار ــ مع نفول هذا الادِّعاءِ أصْلًا ــ وإنَّما للسير قُدمًا، يَدًا بِيَدٍ، في الطريق الذي اختطته ثورة 17 تشرين: طريق استرداد الدولة من السُّلْطَة، وطريق تحديثها بما يليق أنْ تكون عليه في مئويتها الثانية.

السابق
العراق.. ارتفاع ضحايا مجزرة «الخلاني» وجلسة برلمانية طارئة
التالي
بالفيديو.. حادث مرعب في الاوزاعي!