خطيئة جعجع

زعيم القوات اللبناية سمير جعجع مستاء من تيار المستقبل ومن التيار الوطني الحر، فيما الحليفان الاقرب اليه قبل سنة صارا اليوم في موقع الاشد خصومة له، خصومة لا ينشدها جعجع لكنها تفرض نفسها عليه بقوة. عزل القوات اللبنانية اقل من كلفة سمسرة على باخرة كهرباء.

تبدو القوات اللبنانية هذه الايام بنظر شركائها في الحكومة ضيفا ثقيلا ومزعجا، هي ضيف يحسن خروجه من الحكومة، فالشراكة لا مكان لها بين القوات اللبنانية وبين اركان الحلف الرباعي الجديد داخل الحكومة، التلويح بطرد الضيف او عزله رسالة جدية، مفادها اما ان تقبل القوات اللبنانية بالتسليم بواقع الحكومة وبالحلف الرباعي الذي يحكمها (عون، نصرالله، الحريري، بري) او الاقالة ان لم يبادر سمير جعجع الى سحب وزرائه بالاستقالة.

كل المؤشرات السياسية تكشف عن هذه الرغبة الجامحة لدى اطراف حلف السلطة الجديد، هي رغبة مشفوعة بجهد دؤوب من قبل فريق التيار الوطني الحر (اوعى خيك) الذي انهمك منذ تشكيل الحكومة وبعد انتخاب الرئيس ميشال عون، على افهام القوات اللبنانية انها ليست شريكا في السلطة هي “شريك وجداني” لكن لا يعني ذلك ان تتقاسم مع التيار الوطني الحر المشاركة في قرار السلطة، ولا التعيينات الادارية أو الدبلوماسية ولا حتى التشكيلات القضائية، والى آخر المعزوفة التي تتصل بمغانم السلطة والمحاصصة والشراكة في القرار.

إقرأ ايضًا: حزب الله معضلة وجودية للبنان

في موازاة هذا المنهج الذي قاده الوزير جبران باسيل ضد القوات، كان يترسخ حلف مواز بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل بتشجيع ورعاية من حزب الله، الذي ساهم الى حد بعيد في طمأنة الرئيس نبيه بري الى شروط الحلف الجديد، من خلال ضمان شروط الشراكة في قراراته وعلى نظام المحاصصة فيه، مع تخلّ نسبي عن صديقه العتيد وليد جنبلاط.

استقالة الرئيس الحريري لم تغير في واقع الحال، فما تلاها وأحاط بها من شبهة الاحتجاز السعودية الى قرار التريث عن الاستقالة، وصولا الى العودة عنها كما تشي المواقف والوقائع، عززت من قوة التحالف الذي اثبت انه اكثر من مجرد تسوية، فهو يقوم على ركائز سلطة محاصصة باتت اكثر الحاحا في ظل جملة مشاريع كبرى على صعيد النفط والغاز والكهرباء، لا يمكن ان تقر وينتفع منها من قبل اطراف السلطة، اذا لم تتوفر شراكة في القرار وتغطيته سياسيا. وهذا ما يجعل من الحلف الرباعي الجديد متماسكا الى اقصى الحدود على ما يبدو.

ساهم ايضا في ترسيخ هذا الحلف، غطاء اوروبي بالدرجة الاولى، غطاء وفره الفرنسيون عبر مقايضة ضمان الاستقرار الداخلي في لبنان، بما يمنع انفجار جديد لقضية اللاجئين السوريين وتدفقهم الى اوروبا، في مقابل حماية التركيبة السلطوية القائمة وبالتالي حماية نظام المحاصصة القائم. وهذه المعادلة ستوفر في المدى المنظور فرصة لانجاز صفقات تتيح الفساد بمليارات من الدولارات، فساد كفيل ان يحمي التحالف القائم، والمرشح ان يترسخ اكثر في الانتخابات النيابية المقبلة.

خيبة القوات اللبنانية ليست من التسوية الحكومية التي كانت، ويجري ترسيخها اليوم بمحاولة تهميش سمير جعجع، الارجح ان الخيبة هي من تيار المستقبل من جهة ومن التيار الوطني الحر من جهة ثانية، والخيانة التي تتداولها ألسن بعض المحيطين بالرئيس سعد الحريري في هذا المجال، باتهام سمير جعجع انه المحرض على استقالة الحكومة وعلى الرئيس سعد الحريري، باتت تضج اسماع القواتيين، وهي تهمة سواء كانت صحيحة او غير صحيحة، الا ان غايتها تعزيز وجهة نظر المستقبليين الى ضرورة التشبث بالحلف مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر على حساب العلاقة مع القوات اللبنانية.

إقرأ ايضًا: معالجة معضلة «السلاح» واجب وطني وليس خياراً

وفي نفس الوقت كم أفواه وزراء القوات اللبنانية الذين ظلت عيونهم مركزة على الصفقات غير القانونية، التي يجرى اعدادها في الغرف السوداء لاطراف الحلف الرباعي الجديد. لذا فان خيبة جعجع ليست من التسوية السياسية الحكومية، هي على الأرجح في الخطيئة السياسية التي ارتكبها بتبني انتخاب العماد ميشال عون رئيسا، اي التسوية الرئاسية. الخطيئة تكمن في رهانات جعجع السياسية بأنه سيكون شريكا مسيحيا للرئاسة الاولى، وصلة وصل بين الرئاسة وخصومها وتحديدا الرئيس سعد الحريري، وأن اتفاق معراب و”اوعا خيك” كفيلان باعادة الاعتبار للدولة التي ابتلع سلاح حزب الله القرار فيها.

ببساطة بدا التخلي عن جعجع ومحاولة عزل القوات، قرار كلفته اقل بكثير لدى اصحابه من قيمة سمسرة على صفقة باخرتي كهرباء.

السابق
معرض بيروت للكتاب.. في دورته الـ61
التالي
هكذا يستعدّ حزب الله ليسلّم سلاحه إلى الجيش اللبناني