مأزق السلطة أم الإنتفاضة؟!

الاحتجاجات في لبنان

يعتقد البعض ان الانتفاضة في مأزق أو انها تحمل إمكانية ضربها بسبب تعدد أطرافها وعدم بروز قيادة منها، او على الاقل عدم الاتفاق على ممثلين لها يحملون مشروعاً إنقاذياً بديلاً للخطة الإصلاحية التي قدمتها الحكومة. وان عدم تسمية وزراء لها في الحكومة العتيدة سيؤدي إلى أن تسمى السلطة عنها ممثليها. وترى هذه الوجهة ان تركيبة المنتفضون مشكلة من قوى سلطوية لها مشاريعها الخاصة والتي لن تتعايش طويلا مع المنتفضين الذين يحملون فعلا أهدافا تغييرية متقدمة. وهذا الرأي يصدر عن أناس حريصين على الانتفاضة ويدركون جيدا الانجازات التي تحققت ويقدرونها أيضا ولذلك فهو جدير بالمناقشة من زاويتين، المثالي والممكن.

اقرأ أيضاً: محاباة أميركية لحكومة «حزب الله» لا تنسحب على مناورات الإلتفاف على العقوبات !

المثالي هو أن تكون الانتفاضة موحدة تحت قيادة واحدة وتحمل برنامجاً موحداً ولها أطرها المنظمة. وهذا ممكن لو كانت الانتفاضة بقيادة حزب جماهيري منظم له برنامجه التغييري او الإصلاح، ومتحالف مع قوى أخرى متوافقة معه على هذا البرنامج.

الانتفاضة قد تمر بأوقات صعود وأخرى هبوط، ولكن الباقين سيستمرون

الممكن هو الاتفاق على عدد من البنود الإصلاحية التي لها الاولوية لأي حكومة اصلاحية مؤقتة ومن الممكن تحقيقها خلال المرحلة الانتقالية، وبرنامج أشمل لمرحلة لاحقة. وهذا البرنامج ليس من الصعب أن يضعه عدد من أصحاب العقول النيرة ويمكن المغامرة بالتشديد على وضع القوانين التي تمكن من جعل السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيزية وتطهيره  ممن ثبت فسادهم من القضاة والمحامين. وبوجود قضاة شرفاء في المجلس الدستوري ونقابة المحامين ونادي القضاة وحقوقيين مشهود لهم بالنزاهة والاستقامة يجعل وضع أسس هذا المشروع ممكنا وسريعاً.

الخطة الإنقاذية

المطلب الثاني الأساسي هو إعادة بناء وتفعيل الهيئات الرقابية المركزية وحمايتها من تدخل السياسين في عملها. ثالثا وضع التشريعات والقوانين اللازمة لاعادة فتح ملفات السرقات والسمسرات والصفقات المشبوهة واستعادة أموال الشعب المنهوبة. رابعا، وضع خطة انقاذية لانتشال البلد من الهاوية وتقديم اقتراحات محددة تتعلق بالمصارف والسياسة الضريبية. هذه المطالب لها الاولوية برأيي وتحقيق أي مطلب آخر بما فيه قانون انتخاب عادل (وهو بند خلافي مع المكون المسيحي) لا قيمة له ومعرض لشتى الاختراقات بدون تنفيذ هذه المطالب والتي كما قلت هذه مهمة العقول النيرة، ونحن محظوظين بوجود نقيب للمحامين يتمتع بالكفاءة والنزاهة.
برنامج الخطة الانقاذية هو عنصر التوحيد الفعلي وليس مهما اذا نشرته بالإعلام او اوصلته باليد للحكومة العتيدة بإسم الانتفاضة.

أما المطالبة بأطر تنسيقية لم تنضج ظروفها بعد وتهدد تماسك الحراك فلسنا مضطرين للمضي بها خاصة وان لكل ساحة من ساحات الانتفاضة خصوصيتها وقد نجحت هذه الساحات بالتواصل وبدعم بعضها البعض وقت الشدائد.
اما بالنسبة إلى تسمية وزراء للانتفاضة العتيدة فإنني اعتقد انه من الخطأ التفكير بهكذا اقتراح. ففتح هذا الباب لن يفيد الا بدخول الخلافات والتباينات إلى صفوف المنتفضين منه، هذا من جهة والى تكبيلهم بدعم  قرارات قاسية ومجحفة بحق الناس بعدما نهبوا البلد واورثوه الديون من جهة أخرى.

اقرأ أيضاً: هذه هي الخيارات أمام الرئيس المكلف.. أحلاها مُرّ!

السلطة في مأزق

هل الانتفاضة في مأزق؟ طبعا لا، السلطة هي التي في مأزق. فهي منقسمة على نفسها منقسمة حول خياراتها الوطنية وتحالفاتها الإقليمية ومنقسمة حول سبل الخروج من الازمة المالية والاقتصادية. خياراتها صعبة وتبدو الحلول مستحيلة خاصة في ظل تشابك المصالح الداخلية مع الإقليمية والدولية. فلا هي قادرة على بيع المصلحة الوطنية حتى ولو رغب بعضها بذلك للحصول على الدعم الخارجي ولا هي قادرة على التوافق على استرجاع المال المنهوب لأنه يطالها هي، ولا هي قادرة على الاستمرار بحل مشاكلها بسرقة الناس بوجود الانتفاضة ،ولعدم قدرة الناس على التحمل اكثر مما تحملت. فمن هو الذي في مأزق؟ الانتفاضة قد تمر بأوقات صعود وأخرى هبوط، قد يرجع بعض جمهورها إلى حضن طوائفه وقياداته الطائفية، ولكن الباقين سيستمرون وستتوسع صفوفها لأنه لا أفق للحل أمام طبقتنا السياسية، فقط المطلوب الصمود وتطوير التواصل وفنون النضال والمحافظة على بريق التحدي والتفاؤل في عيون المنتفضين.

السابق
«ثوار الشوف»: مستمرون.. دياب لا يمثل الإرادة الشعبية!
التالي
«ثوار البقاع»: نرفض تسمية دياب أو أيّ وجه آخر من المنظومة الحاكمة!