الشيخ كوثراني يتحرك على قاعدة «عراق قوي حليف لإيران»

محمد كوثراني
أكد تقرير أميركي، أمس، أن طهران تواصل حراكها في بغداد عبر قائد فيلق القدس قاسم سليماني لضمان وصول شخصية موالية لها إلى رئاسة الحكومة المقبلة، ونشر على موقع “الحرة” نقلاً عن مصادر تحدثت إلى وكالة الصحافة الفرنسية “فرانس برس”، إن ” مسؤول ملف العراق في حزب الله اللبناني الشيخ محمد كوثراني، يلعب أيضاً دوراً كبيراً في مسألة إقناع القوى السياسية من شيعة وسنة في هذا الاتجاه.

المعروف أن الشيخ محمد كوثراني هو نجل المغفور له العلامة الشيخ محمود كوثراني، من بلدة الغسانية في جنوب لبنان، وانه اختار منذ صغره المحافظة على إرث عائلته العلمائي، فسافر الى مدينة النجف الاشرف في العراق حيث تلقى علومه الدينية في حوزاتها. وبحسب عدد من زملائه الذين عاصروه في تلك الحوزات في السبعينات من القرن الفائت، فقد كان من المتفوقين في دراسته في الفقه والأصول، الى جانب تحصيله الثقافي العصري الذي اشتهر فيه، وسعة علمه بالتاريخ الاسلامي تحديدا.

اقرأ أيضاً: تحالف «الفتح» يقترح اسمين لرئاسة الحكومة العراقية… والمحتجون يرفضون

سجنه صدام حسين في العراق مطلع الثمانينات مدة 4 سنوات وتعرّض لصنوف التعذيب، بسبب نشاطه مع حزب الدعوة الاسلامية، وذلك عقب اعدام زعيمه ومرشده الروحي السيد محمد باقر الصدر، وعندما عاد الشيخ الى لبنان أصبح قياديا من الصف الأول في حزب الله، حاز على ثقة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ليشرف على ملف العراق بعد سقوط نظام البعث عام 2003، فسافر الى بغداد وقام بانتقاء عدد من الكوادر السياسية الشيعية الحركية لتنظيمهم في أطر تنظيمات واحزاب سياسية حليفة، في حين ان الإيرانيين اهتموا بالجانب الأمني والعسكري وركزوا حلفهم مع مقتدى الصدر كقوة شعبية مقاومة للوجود الأميركي في ذلك الوقت، فساعدوه بتأسيس “جيش المهدي”، الى جانب منظمة بدر التي يرأسها هادي العامري.

نجح كوثراني بالمساهمة بإرساء توازن واستقرار سياسي  في العراق طيلة فترة 8 سنوات من حكم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2008-2014)، الذي قيل انه لم يكن يقطع أمرا دون مشورة صديقه الشيخ اللبناني رغم ملاحظات الاخير حول سوء الادارة والاهمال الذي اصاب ادارات الدولة والفساد الذي بدأ يستشري بسبب ذلك، فلم تسجّل طيلة تلك السنوات خلافات مع الجارة ايران ولا مع المحتل الأميركي من العراق الذي انسحبت قواته عام 2011، بعد توقيع اتفاقية استراتيجية مع الحكومة العراقية ومفاوضات صعبة، ساهم الشيخ كوثراني فيها بدفع المالكي الى الاصرار على عدم الابقاء على أي جندي اميركي، لقاء احترام الاتفاقات الاقتصادية المعقودة والتعاون العسكري بين واشنطن وبغداد، وعّدت ايران ذلك نصرا لها في العراق سمح بتعزيز نفوذها فيه وملء الفراغ دون الحاجة لتدخل مباشر منها.

بعد اجتياح داعش لمدينة الموصل وشمال العراق عام 2014، واستقالة المالكي من رئاسة الوزراء بسبب سوء الادارة والفساد الذي ضرب قطاعات الجيش نفسها، وصل قائد فيلق القدس قاسم سليماني الى العراق واشرف على تشكيل فصائل الحشد الشعبي، وقاد بنفسه العمليات البرية ضد داعش، قبل نجاح رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي خلف المالكي، باعادة ترميم الجيش واعادة تشكيل ألويته المقاتلة وتسليحها بمساعدة أميركية ليتسلم زمام المبادرة وينجح بعد ثلاثة أعوام بتحرير العراق من سيطرة التنظيمات الارهابية بشكل نهائي، بعد سقوط عشرات الآلاف من الضحايا.

غير انه ومنذ ذلك التاريخ، تسلّم سليماني الملف العراقي بشكل مباشر لمصلحة بلاده ونفوذها، فلم يكن يغادر مكتبه في بغداد الا ليعود مطبقا ما يراه سياسة صارمة تقضي بالسيطرة قدر الامكان على مفاصل الدولة العراقية تمهيدا للسيطرة على القرار السياسي، ولذلك دخل بخلاف مباشر مع العبادي الذي رسم خطوطا حمراء للنفوذ الايراني خصوصا على صعيد الجيش والقوات المسلحة، وكذلك حول القانون الذي شرعه العبادي ويقضي باعادة هيكلة الحشد الشعبي ودمجه في القوات المسلحة، لأن سليماني يريد الحشد ذراعا عسكريه مستقلة لا تعمل بأمرة الدولة العراقية، بل بأمرته هو شخصيا.

اقرأ أيضاً: انتفاضة النجف والناصرية تصفي نفوذ أحزاب موالية لإيران

ورغم تدخّل الشيخ كوثراني الايجابي لصالح رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي كان يرى فيه شخصية وطنية مستقيمة، استطاع تحرير العراق عسكريا وانقاذه اقتصاديا من الافلاس، وهو يستطيع ان يلبي المصالح الايرانية بحدها الأدنى وموازنتها مع المصلحة لعراقية التي تقتضي بوجود علاقات جيّدة مع الغرب ومع دول الجوار، الا ان رأي سليماني كان هو الغالب هذه المرة، فقام بمساعدة انصار من الحشد الشعبي يعاونهم انصار مقتدى الصدر بتنظيم تظاهرات مطلبية  استمرت أيام في ايلول 2018، ليعلن بعدها عن الاتفاق على تنصيب عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء بديلا عن العبادي.

اليوم بعد احتراق طبخة سليماني، واستقالة حكومة عبد المهدي في العراق بفعل الاحتجاجات المطلبية الشعبية العارمة ضد النفوذ المباشر لإيران الذي اطبق على مفاصل الدولة والجيش، وضدّ فساد الطبقة الحاكمة “الشيعية”، يعود اسم الشيخ محمد كوثراني ليبرز من جديد، بوصفه صاحب نظرية “عراق قوي حليف لإيران أفضل من عراق ضعيف تابع لا يفيدها”، وهذا لا يكون الا بالعودة لسياسة التوازن بين مصالح ايران ومصلحة العراق وشعبه، التي تقضي اليوم ببناء دولة حديثة خالية من الفساد، تقوم بتوزيع ثروته النفطية على اهله بالتساوي، لا على مافيات الاحزاب الدينية.

السابق
سجال التكليف يشتعل بين رئاسة الجمهورية ورؤساء الحكومات السابقين!
التالي
خليل يعطي إذنا لملاحقة موظف بوزارة المالية.. وهذه التهمة