انتفاضة لبنان: ضرورة البقاء خارج الحكومة…

سيبدأون قريباً باستدراجنا، وهم بدأوا محاولاتهم. الانتفاضة يجب أن تبقى رقصاً على ضفة ما يحصل في أروقتهم. تراقب ولا تقبل. الحكومة العتيدة ليست حكومتنا. ستتشكل تحت ضغط حناجرنا، لكننا سنبقى في الخارج. سترتفع أصواتنا على وقع فسادها، وسينفجر غضبنا في وجوه أعضائها. يجب أن تعمل وهي مدركة أننا هنا متحفزون لها في الطريق، وأننا الساحة، ولسنا شارعاً في مقابل شارعٍ، على ما بدأوا يروجون.

الحكومة العتيدة لن تكون حكومتنا مهما كان شكلها. إنها حكومتهم، وحولها تنعقد شكوكنا. شكوكنا كلها. فهي تشكلت في أروقة السلطة نفسها، وأنتجها قانون الانتخاب نفسه، وسيرأسها واحد منهم. الرجال الـ”أنيقون” الذين انبث عدد منهم بيننا في التظاهرة نعرفهم. يريدون استدراج بعضنا إلى حكومتهم. وهم إذا ما نجحوا سيكونون قد نجحوا أيضاً في إشراكنا بفسادهم، وفي تعطيل قدرتنا على محاسبتهم، ذاك أننا سنكون شركاءهم. يجب أن تبقى التظاهرة بلا قيادة وبلا ممثلين. تظاهرة في الشارع تشتغل على وقعٍ آخر غير وقع تشكيل الحكومة. بينما هم سيكونون في تلك الأروقة يتهامسون ويسعون إلى لملمة الفضيحة.

التظاهرة أنجزت من دون أن تدعي. استقالت الحكومة، وصار صعباً على جبران باسيل أن يعود وزيراً، ووضع أمين عام “حزب الله” علماً لبنانياً خلف كرسيه وخاطبنا، وتراجع عن اتهامنا بأننا ممولون من “السفارات”. لم يضع أحد هذه الأهداف للتظاهرة. فعلتها من تلقاء نفسها. واليوم عليها أن تكمل المهمة بعيداً من المفاوضة. ستجري مياه كثيرة، وسنحقق المزيد من الأهداف، من دون السقوط في الأفخاخ التي ينصبونها لنا. الحكومة العتيدة من دون رموز فسادهم ستكون جزءاً مما أنجزته الانتفاضة، إلا أنها ليست حكومتنا، وهي يجب أن تعمل تحت ضغط التظاهرة، وتحت أعينها. فأعضاؤها هم أنفسهم. البدلاء سيكونون ممثلي الأصلاء. لن نأمن لهم، والشك والريبة يجب أن يكونا اللغة الوحيدة بيننا وبينهم. فتجربتنا معهم كانت مريرة وبشعة، وفسادهم بلغ أعناقنا.

اقرأ أيضاً: تنسيقيات لبنانية… «شبكة عنكبوتية مخيفة» و«أشباح» تدير الانتفاضة؟

وفي هذا الوقت، لن نكون “شارعاً في مقابل شارع”. الشعار الثاني بعد شعار “كلن يعني كلن” كان “14 و8 عملوا البلد دكانة”، فكيف استقام لهم اجتراح عبارة “شارع في مقابل شارع”. في التظاهرة انشقاقات كبرى عن “14 آذار” وعن “8 آذار”. هذه الظاهرة هي حديث الانتفاضة، وغبطتنا بها. وجوه أساسية من مشهد الانقسام انضمت إلى التظاهرة، وهالها أن يوصف المشهد بعبارة “شارع في مقابل شارع”. لقد انشق كثيرون منا عن أنفسهم وعن صحفهم وعن جوههم، وانضموا إلى التظاهرة. دهشة كبيرة أصابتنا حين التقينا في ساحات الانتفاضة وفي لياليها بمن التقينا. هذه المهمة أنجزتها الانتفاضة أيضاً، وصارت صعبة إعادتنا إلى ذلك المربع البغيض.

حين اعتلى جبران باسيل بالأمس المنبر وقال: “نحن أيضاً لنا شارعنا”، بدا هزيلاً وفاقداً القدرة على “شد العصب”، فمن توجه لهم بأصبعه ليسوا “الشارع الآخر” ولا الطائفة الأخرى، ولا يمكن له أن يحدد وجهاً لهم. والجواب المسائي كان جلياً. يمكننا أن نقول إننا حيال مشهد في مقابل مشهد. نحن لا نطمح لأن نكون أكثر من مشهد جميل في مواجهة طبقة سياسية قبيحة وفاسدة ومرتهنة. مشهدنا هز أركان سلطتهم. مشهد ساحتي رياض الصلح والشهداء عشية انعقاد مشهد شارعهم في بعبدا. وجوه الناس في الساحتين في مقابل وجه جبران باسيل الواحد الأحد في تظاهرة بعبدا. وهو إذ استقدم مناصريه من كل لبنان إلى بعبدا، جاءه جواب الساحات في طرابلس والنبطية وجل الديب، وهذه ليست شوارع طالما أنها ألغت خط الانقسام الذي لا تعرف الطبقة السياسية أن تشتغل من دونه.

يجب أن نحفظ للانتفاضة نجاحها حتى الآن في تعطيل رغبتهم في تحويلها إلى “شارع في مقابل شارع”. والأرجح أن الساعين لتثبيت هذه المعادلة غائبون عن الساحات. لا أحد يشعر هناك بأن عودة سعد الحريري تخاطبه، وأكثر من نصف المتظاهرين كانوا إلى الأمس القريب متحفظين على ضم نصرالله إلى “كلن يعني كلن”، لكنهم اليوم مقتنعون بذلك. والممعنون في السعي إلى “شارع في مقابل شارع” يزيدون الهوة بينهم وبين من ابتعد منهم خطوة، واستقل بنفسه وبوجهه عن “شارعه” وعن طائفته وعن حزبه. لقد اتهمهم “حزب الله” بأنهم ممولون من السفارات، ولم يوضح لهم قبوله بظاهرة الاعتداء على المتظاهرين، لا بل سبب إقدامه على ذلك، وقالت وسائل إعلامه إن سمير جعجع يحركهم. هم موجودون في الساحات، ويعايشون هناك حقيقة “كلن يعني كلن”.

وفي هذا الوقت، أبدت الساحات قدراً مذهلاً من الوعي في رفضها عروض “الشراكة” في حكومة ما بعد السقوط. فالوجهة أن نبقى خارج “التسوية” نراقب ونتظاهر ونضغط، حتى تتشكل حكومة ما بعد العهد. وهذه مهمة طويلة الأمد، لكن لا خيار آخر للبنانيين سواها.

السابق
السيد محمد حسن الأمين.. «بقية الشيعة»
التالي
بعد حجبها مساعدات أمنية.. واشنطن تضع شرطا لدعم لبنان!