لذلك نرى في الحشود المليونية المتظاهرة من يرقص بشكل فاحش وأمام المسجد، ومن يغني ، ومن يعانق صديقته، بل نجد القبلات، ونجد من يخرج بثياب شبه عارية، ومن يلبس ثياب البحر، ونرى المطربين والموسيقيين، بل الفرق الموسيقية، ونرى الفنانين والممثلين، ونرى فرق الدبكة، ونرى من المظاهر التي تنتمي إلى ثقافة أخرى غير تلك التي تنتمي إليها الأحزاب التي تدَّعي أنها إسلامية ودينية وما شاكل. ولم تخلُ الأجواء الاعتراضية من الدينيين ومن كل الطوائف، بل ومن مناصري ما يُسمَّى بالأحزاب الدينية، وبدا ملفتاً حماس بعض مشايخ السنة والشيعة الزائد الذي أخرجهم عن المألوف في العبارات والحركات، وهذا أمر خرج للعيان ولا يحتاج لتكلف الحديث عن حقيقته.
اقرأ أيضاً: عندما تعيش الضاحية في كوكب آخر!
والعنصر الأهم – والذي فاجأ حزب الله بالتحديد – هو وجود قدرة على تجييش الشارع أكثر منه، فقد كان الحزب يعتقد أنه – هو وحركة أمل – الوحيدان القادران على حشد الجماهير وتجييش الشارع بشكل قوي، فتبين لهما أن هناك قوى سياسية أخرى تفوقت عليهما في ملأ الساحات والطرقات العامة.
لذلك بدأ كل منهما باستهداف الجموع بوسائله المعهودة.
اقرأ أيضاً: حزب الله يفتح الطرقات ومجموعاته تهدد القوات اللبنانية بـ«الدَّعس»!
ويُركز الحزب على النقد الديني للجموع المحتشدة متغافلاً عن أنها تنتمي إلى ثقافة أخرى. فالرقص والغناء وتشابك أيدي البنات والشباب ووو إلى ما هنالك ليس موجوداً في ثقافة الحزب في تحركاته الجماهيرية، وهو موجود في ثقافة الحراك الشعبي اليوم، لذلك يُصوِّب الحزب جام نقده وغضبه على المظاهر غير الدينية في مظاهرات اليوم، في الوقت الذي يعلم فيه أن المظاهرات متجهة لتطالب بدولة مدنية علمانية قد لا يكون للدينيين فيها نصيب، وهذا هو هاجس الحزب .الأكبر اليوم، وهو أن لا يكون له تمثيل رسمي يتمكن من خلاله ليعطي الشرعية لسلاحه ومقاومته لذلك يحاول أن يزج بمجموعات بين المتظاهرين ويظهرها لإعلامه وهي تردد بعض شعاراته السياسية، وتتمسك ببعض أدبيات ثقافته الدينية، فالحرب على الأرض اليوم بين هاتين الثقافتين بحسب الرؤية البدوية الماورائية غير المنظورة.