إعادة النازحين على متن الكرسي الرئاسي؟

بعبدا
"لا يمكن الاعتداء على أرض عربية سورية أصيلة دون وقفة منا"، كلام تخاله صادراً عن الملك وليس عن ملكي أكثر من الملك، فـ"وزير خارجية لبنان" جبران باسيل تقمص الكلمتين الأوليين من لقبه وانفصم عن الأخيرة، حتى ليكاد المرء يخاله وزير خارجية سوريا، أو قل وزير خارجية النظام السوري، إذ لا كيان اليوم قائمًا يصح إطلاق تسمية سوريا عليه.

في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، الذي كان مخصصاً لبحث الاجتياح التركي لشمال سوريا حصرًا، خبّأ رئيس “الممانعجية” المسيحيين في جعبته أمرًا دُبِّر بليل ثم ألقاه وسط دهشة الحاضرين، فظهر خريجُ مدارس القلبين الأقدسين حين يسأل “ألم يحن الوقت بعد لعودة الابن المبعَد سوريا الى حضن الجامعة العربية؟” كمن تربّى في عرين العروبة القحطانية العدنانية وقد خالط شعارا “بلاد العُرْب أوطاني وكل العرب إخواني” و”أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة” شغافَ قلبه، داعياً إلى “رد من الجامعة بوجه العدوان التركي على أراضي سوريا العربية، كي لا يضيع شمال سوريا كما ضاع الجولان السوري”.

وباستخفاف يصور “هياكلَ” العُرْب الحاضرين، الذين ما عادوا يجيدون سوى قمع شعوبهم المستضعَفة، زعماء أمة ترد المعتدي، وكلًّا من أفرادهم – كما قال الشاعر- “ممشوقاً بهامته، له صدر يصد الريح اذ تعوي، مُهابًا في عباءته”، إذ يقول: “يرى البعض أن مصلحة لبنان هي في تأييد العملية التركية التي تسعى الى تأمين منطقة آمنة يعود اليها اللاجئون، لكن مصلحتنا الأكيدة هي في إجماع عربي مبدئي يحمي كل دولة عربية، كبيرة كسوريا أو صغيرة كلبنان من أي اعتداء”.

اقرأ أيضاً: ..زحفاً زحفاً نحو الأسد!

ومتقمصًا دور المنظِّر والفيلسوف الاستراتيجي لنهضة عربية طال انتظارها، والعطار الذي يسعى إلى إصلاح ما أفسده الدهر، دعا الحاضرين إلى “الإجماع على خطط المواجهة، فالأقل من ذلك لن يعيره التركي اهتماماً. ما الذي يمنعنا اليوم من فتح جبهات القتال بحثًا عن سلام خارجي؟ لا يمكننا وضع الرؤوس في الرمل فلا نرى الجغرافيا ولا نقرأ التاريخ. إن الحوار الصريح الذي لا يظن أحد فيه ضعفاً وهزيمة أو قوة ونصراً هو ما يقينا شر أعداء المنطقة الحقيقيين، فإما أن نعمل ونصل معًا أو يتم الاستفراد بنا واحدًا بعد الآخر”.

كما صاح الوزير “الممانع”: “إن وحدة الأوطان التزام مطلق ولازمة استراتيجية لنا، نظراً الى تداعيات أي تقسيم تحت أي مسمى كان: منطقة عازلة، أو آمنة، أو شريط حام، أو وجود أجنبي مؤقت… فبالله عليكم متى لم يتحول أي وجود مؤقت الى دائم؟ ومتى تمت إزالته إلا بمقاومة أصحاب الأرض؟”.

لم يكد لبنان يهدأ من تداعيات حادثة قبرشمون حتى أعادته إلى الاشتعال السياسي كلمةُ باسيل في الجامعة العربية التي شفعها بأخرى في احتفال ذكرى 13 ت1 في الحدث طالب فيها رئيس الجمهورية ميشال عون بالضرب على الطاولة وعدم الانتظار طويلاً، وأعلن نيته “إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم كما عاد جيشهم، لمواجهة توطين هؤلاء كتهديد وجودي لبنان”، أما الكيفية فبالذهاب –ويا للعجب- الى جزار سوريا ونيرون العصر ومجرم القرن العشرين والمتسبب الأول في تشريد هؤلاء، فأشبه بهذا من وصفه المثل الشعبي بمن “يطلب الدبس من ط… النمس”، معتبراً الجار الشمالي بعد خسارة الجار الجنوبي رئةَ لبنان الاقتصادية التي “لن نخسرها بسبب جنون الحقد والرهانات العبثية من السياديين الجدد الذين كانوا أزلاماً لها واليوم يستجلبونها إلى لبنان بحياكتهم المؤامرات ضدها!”.

وفي تجهيل للفاعل، اعتبر زعيم التيار الوطني الحر أن هناك من “يريدون إخضاعنا اقتصاديًا”، وأنهم “يلوحون بالانفراج إذا فجرنا وحدتنا الوطنية”، ويقصد مسايرة العقوبات الأميركية على حليفه الأقوى حزب الله، متناسيًا العملية الخطيرة المتمثلة بتسريب العملة الخضراء إلى سوريا من صناديق الـ”ATM” وكذلك النفط عبر بيع الأدوية والبضائع السورية والإيرانية المهربة  إلى لبنان من معابر حليفه الإيراني غير الشرعية في القصر والهرمل البقاعيتين ثم تحويل ثمنها إلى دولار في سوق الصرافة وشراء نفط وتهريبه عبر المعابر نفسها إلى سوريا.

وكالحالم بنموذج ديكتاتوريات العرب، حيث الرئيس أيقونة معصومة عن الخطأ والانتقاد، قال باسيل: “يتهموننا بكمِّ الأفواه فيما أفواههم مفتوحة شائعات وأكاذيب، نسكت عنهم فيستضعفوننا، نتكلم عنهم فيتهموننا! نقدم الأفكار والقوانين والحلول والخطط والمشاريع والدراسات والمناقصات وآليات العمل للاسراع بتنفيذ  Mackenzie و Cedre و CIP وووو… فنواجَه بأننا نعتدي على الصلاحيات… إلى متى نتحمل؟ إلى المخربين نقول: ما ترونه اليوم في الحدث مشهد مصغر لما يمكن أن يكون، فكما الماء نحن نجرفكم إن انتظرتم مرور جثتنا عند حفة النهر!”.

وتوجّه إلى “المتطاولين على رمز الدولة” بالقول: “اليوم 13 تشرين وبكرا 31 تشرين تاريخ مرور نصف الولاية الرئاسية؛ الوقت يمر، والناسُ ونحن نطالبك بألا تنتظر طويلًا، وفي اليوم الذي تشعر بأنك لم تعد تستطيع التحمل اضرب على الطاولة ونحن مستعدون لقلبها. وأنت تعود إلى التصرف كالعماد عون، فربما يكون أحسن من الرئيس عون”.

ردود كثيرة طاولت مواقف باسيل، كان أقواها كلمة وزير الصناعة وائل بوفاعور في ساحة الشهداء وسط الحشد الذي وصل إليها راجلاً من تقاطع الكولا، ومما جاء فيها: “الطاولة طاولتكم والقرار قراركم والوزراء وزراؤكم والأزلام أزلامكم والطاولة ومن عليها لكم، فعلى من تقلبونها؟ ومن تهدّدون؟”، مضيفًا: “تتحول الأجهزة الأمنية اليوم إلى بوليس سرّي يلاحق الديمقراطيين والأحرار بطلب من المتحكمين بالسلطة، ولذا نطالب رئيس الحكومة سعد الحريري بأن يضع حداً لاعتدائها على الحريات، ولن نقبل بجهاز بوليسي كما في الأنظمة الديكتاتورية”. وتابع: “حررنا لبنان من هذه الساحة وسنحرر لبنان من الطغمة الجديدة الفاسدة، التي تتجرأ على الطائف والحريات”. وفي رد على كلام الانتظار على ضفة النهر قال بوفاعور: “لا تستحقون أن ننتظركم ولا حتى على ضفة بستان صغير في البساتين وقبرشمون”، مضيفاً: “قال قائلهم البارحة إنه سيذهب إلى سوريا لإعادة النازحين، وهم كما قالوا سابقاً إنهم ذهبوا لاستعادة المفقودين ولم يعيدوهم”، وتابع: “إنكم لا تذهبون إلى سوريا إلا لتتوسلوا الرئاسة، لأنه قيل لكم إن طريق الرئاسة يمر من دمشق، ولقد آن الأوان لأن يقول لكم الشعب ارحلوا”.

وتوجه بوفاعور إثر كلمته إلى جلسة مجلس الوزراء، وقال بعدها للصحافيين إن “ما قلته في ساحة الشهداء هو 10 بالمئة من الذي قلته في مجلس الوزراء”.

اقرأ أيضاً: 13 تشرين… يوم سقط الوهم

وأمام الاقتناع الكامل لدى جميع الأطراف في لبنان بوهْم الهدف “الباسيلي” المعلن لزيارة عاصمة الأمويين، وبأن عودة النازحين لم تعد بيد النظام أو أي قوة على الأرض السورية، بل باتت مرتبطة بالحل النهائي في سوريا انطلاقاً من القرار الدولي رقم 2254، الذي يعتمد بيان جنيف وبيانات فيينا الخاصة بسوريا أساسًا، ويعتبرها الأرضية الوحيدة لتحقيق عملية الانتقال السياسي عبر المفاوضات بهدف إنهاء النزاع… هل ستهدد الزيارة إذا أقدم باسيل عليها بصفته الحزبية لا الرسمية، الوضع الداخلي اللبناني، وخصوصاً مصير الحكومة، انطلاقًا من المتضررين من ترويج باسيل نفسه رئيسًا مستقبليًا؟ وهل عدم افتعال رئيس الحكومة سعد الحريري مشكلة في شأن ذلك يخفي وراء الأكمة أموراً ربما يكون أحدها اعتماد باسيل وسيطاً مع النظام لمقايضته اليوم بشبه اعتراف مقابل فتح المعابر أمام البضائع اللبنانية وتسليم مرتكبي جريمة تفجير مسجدي “التقوى” و”السلام” في طرابلس، والمفقودين والمخفيين قسرًا في السجون السورية، وربما غداً لمتابعة ما سينتج عن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السعودية، الراعي الإقليمي للحريري، والتي تفيد التحليلات بأنها ليست سوى تتويج للتوافقات السعودية الروسية الواسعة حول المسائل الأمنية الإقليمية وعلى رأسها عملية السلام السورية، وبأن بوتين سيحاول فيها إقناع الرياض بتسهيل عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، لما لها من وزن وتأثير في تليين مواقف بقية دول مجلس التعاون الخليجي؟

أسئلة تنتظر أجوبة في قابل الأيام، وإن غداً لناظره قريب.

السابق
في جرد عاليه.. سيارة اشعلت حريقا ولاذت بالفرار!
التالي
شكوك بحرائق مفتعلة تحرّك النيابات العامة!