هل إبعاد أكبر الصقور والعقوبات يكفي لتراجع إيران؟

هل يعني إبعاد أكثر الوجوه تشدداً ضد إيران في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، أن المرحلة المقبلة هي للتفاوض مع هذه "الدولة المارقة" وزعيمة "محور الشر" كما تصنفها بلاد العم سام؟ وفي حال حصول هذا التفاوض هل سيؤدي إلى نتيجة؟

لو أن الشخصية المقالة حملت غير هذا الاسم لما أثارت أي لغط، إذ بات الأميركيون معتادين هذه الشنشنة من أخزم البيت الأبيض، الذي سجل الرقم القياسي في ماراتون الإقالات – أو الاستقالات – من إدارته، إذ بلغ عدد من أخرجهم من الإدارة الأميركية خلال الأشهر التسعة الأولى فقط من ولايته 16 شخصية من الصف الأول (انظر موقع “عربي 21” ومقال “رقم قياسي” لصلاح الدهني في 2 تشرين الأول 2017)، ثم تلتها استقالات آخرين كان آخرَهم مدير الاستخبارات الوطنيّة دان كوتس قبل أقل من شهر (في 15 آب الماضي) وحديثاً المبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط وأحد أبرز المسؤولين عن صياغة “صفقة القرن” جايسون غرينبلات في 6 أيلول الجاري، لكن أن يعلن الرئيس الأميركي في عز احتدام المعركة السياسية مع إيران في تغريدة عبر “تويتر” أنه أبلغ بولتون (داعية الحرب وصقر الادارة الأميركية ورأس حربتها لمواجهة أعداء أميركا، من كوريا إلى فنزويلا إلى روسيا، وأهمهم إيران، الذي كان الرأسَ المدبر للعقوبات عليها وانسحاب بلاده من الاتفاق النووي معها) بأنه “لم تعد ثمة حاجة لخدماته في البيت الأبيض”، لأنه اختلف “بشدة مع الكثير من اقتراحاته، وكذلك آخرون في الإدارة”، فأمرٌ ذو أبعاد ودلالات متعددة، قد تكون إحداها توجيه رسالة إلى إيران، فحواها أن باب التفاوض على المشكلات العالقة بين البلدين لا يزال مفتوحاً، وأن عرض ترامب بجعل إيران دولة ثرية وذات نفوذ في المنطقة شرط وقف برنامجها البالستي والنووي وتدخّلاتها في الإقليم لا يزال سارياً، وأن موقف بلاده بأنها “لا تبحث عن تغيير النظام في إيران” لم يتبدل.

اقرأ أيضاً: «طار» بولتون.. «غط» روحاني!

وبصرف النظر عن التصلب الايراني الظاهري إثر الإقالة، والذي تجلى في قول مبعوث طهران لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي إن “لا مجال للحوار ما دامت العقوبات سارية على إيران” (وهي عقوبات خانقة جعلت البلاد قاطبة تستنكف عن استقبال سفينة إيرانية تحمل نفطاً مهرباً تهيم في البحر شهراً على غير هدى)، وانتقاد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في صفحته على تويتر “فرض الولايات المتحدة المزيد من عقوبات الإرهاب الاقتصادي على طهران” (ولعله قصد عقوبات وزارة الخزانة الأميركية “على 15 قيادياً وفرداً وكياناً” من ضمنهم الحرس الثوري الإيراني، وشملت أيضاً “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطينيتين و”حزب الله” وتنظيمي “القاعدة” و”داعش” و”طالبان” الأفغانية) مع “تنفس العالم الصعداء لإطاحة رجل الفريق باء في البيت الأبيض”، ودعوته الأميركيين إلى “إزالة التعطش للحرب والضغوط القصوى مع غياب أكبر داعية للحرب”، وإعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال اجتماع مجلس وزرائه أن “إيران مستعدة للامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة إذا قام الأميركيون بالمثل، أي الالتزام مقابل الالتزام”، مؤكداً “سلمية” سياسة بلاده النووية، فإن الدلائل تشير بقوة إلى أن حوار طهران- واشنطن ما هو سوى مسألة وقت، وأن كلام روحاني ما هو إلّا ملاقاة في منتصف الطرق لكلامٍ صدر عن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مؤتمر صحافي في وزارته الثلاثاء 10 أيلول الجاري لإعلان العقوبات الأميركية الجديدة، وجاء فيه أن الرئيس ترامب “قد يجتمع دون شروط مسبقة مع الرئيس روحاني خلال اجتماع الأمم المتحدة المقبل” (يُفتتح في 17 الجاري). فهل تنجح سياسة ترامب بالضربة على حافر التنازل عن بولتون من جهة، والضربة على مسمار تشديد خناق العقوبات الاقتصادية على رقبة إيران أكثر من جهة أخرى في الحصول على جائزة حلِّ إحدى المشكلتين المستعصيتين مع إيران، وهي إما الملف النووي أو النفوذ الإقليمي، أم أن دولة ولاية الفقيه ترى في ما يعرضه ترامب ثمناً بخساً مقابل حسر نفوذها عن إمبراطورية أقامتها خلال أربعة عقود عجاف وباتت تلمسها عياناً، وترى أنها تستأهل التضحية أكثر والصبر أكثر فتستمر في شد الحبال مع المجتمع الدولي، وبالتالي زيادة التوتر في المنطقة والإقليم؟ إن تصور انسحاب إيران راضية عن منجزاتها الطويلة مجرد وهم، ومن يعشْ يرَ، وإن غداً لناظره قريب.

السابق
بالفيديو: عملية تهريب «مخدرات» الى الخارج تحبطها شعبة المعلومات
التالي
جنبلاط: على هذا المعدل بقي أن نقيم نصب لرستم غزالة