حزب الله والشيطان الأكبر والسيناريوهات المرتقبة

يتكرر في ثقافة حزب الله منذ تأسيسه توصيفه للولايات المتحدة الأمريكية بالشيطان الأكبر ، هذا الشيطان الذي ما زال يلاحق حزب الله بمخابراته وعقوباته في جميع انحاء المعمورة.

لقد قام هذا الشيطان الأكبر مؤخراً بسلسلة من الإجراءات المؤذية لمشروع حزب الله وللأمة العربية والإسلامية حين عمد لاتخاذ قراره بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، كما قام بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة، إضافة إلى مجموعة من القضايا الجدلية التي أثارها وزير خارجيته في تصريحاته أثناء لقاءاته الأخيرة بالمسؤولين اللبنانيين في بيروت..

وكل ذلك دفع وبقوة يؤكد حزب الله في خطابه السياسي توصيف الولايات المتحدة الأمريكية بالشيطان الأكبر في ردوده المتكررة على كل تلك المجريات.. وبغض النظر عن دقة هذا الوصف ذلك أن الصهيونية العالمية هي المؤثر الأول في القرار السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي الأمريكي، وحتى هي المؤثر الأكبر في الثقافة والاجتماع في أمريكا والكثير من دول العالم .. فلو أردنا تحرِّي الدقة فمن باب أولى أن نوصِّف الصهيونية العالمية بالشيطان الأكبر وليس الولايات المتحدة الأمريكية، وكما كان يقول الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين: “الصهيونية عدوة اليهودية والمسيحية والإسلام”.. فبغض النظر عن عدم دقة التعبير في خطاب حزب الله في هذه المسألة ، فإننا نلحظ وبوضوح التناقض الأيديولوجي بين النظرية والتطبيق في هذا الجانب!

وهذه المسألة تفتح باب الجدلية في إمكانية من عدم إمكانية الاستغناء عن الاقتصاد الأمريكي في العالم في المرحلة الراهنة، فهل يمكن ترك كل الصناعات الأمريكية من دوائية وعلاجية وما شاكل.. وكل الزراعات الأمريكية من قمح وما شاكل؟

وهل يمكن الاستغناء عن كل التقنيات الأمريكية من انترنيت ووسائل تواصل وما شاكل؟

وهل يجوز نعت كل الأمريكيين بالشيطان الأكبر وفيهم العلماء والمخترعون والمكتشفون الذين رفدوا الإنسانية بعطاءات ساهمت في تخفيف آلآم البشر وتسهيل نُظُم الحياة؟

وهل يجوز تجاهل شريحة كبيرة من أفراد وجماعات من الشعب الأمريكي تتسم بالتعاطف الجيَّاش مع القضايا العربية والإسلامية المحقة؟

ألا يؤذي تعميم توصيف أمريكا بالشيطان الأكبر مشاعر هذه الفئة من الأمريكيين الذين ينبغي إظهار الحب لهم لكسب تعاطفهم مع القضايا الإسلامية أكثر بما لهم من تأثير على السياسات الداخلية والخارجية ضمن جماعات الضغط في أمريكا التي لها ما لها من التأثير على قرارات الإدارة الأمريكية مستفيدة من الديمقراطية المعتمدة في سياسة الولايات والمحترمة لرأي الشعب الأمريكي حيث أن القانون والدستور الأمريكي يعتبران الشعب مصدر السلطات..

ولا بد في مواجهة ومعالجة هذه الإشكالية من الاستفادة من النهج والطرح الفكري والدبلوماسي والسياسي والإستراتيجي في التعاطي مع الأمريكيين الذي كان يعتمده الرئيس الإيراني الأسبق الدكتور السيد محمد خاتمي، وبالخصوص عندما فتح حواراً مباشراً مع الشعب الأمريكي في إطار حوار الحضارات والثقافات الأمر الذي استغلته واستفادت منه إيران لصالح قضاياها المحقة، وانتهى برفع بعض العقوبات الاقتصادية في مرحلة لاحقة عنها تزامناً مع الاتفاق النووي. ونحن لا ننسى كيل الاتهامات الذي وجهه قصيرو النظر للخاتمية السياسية ، وإن كانوا قد جنوا ثماره فيما بعد .. فلماذا لا يكون طرح حزب الله في لبنان مستفيداً من الخاتمية السياسية؟

وهل تضر التهدئة في الطرح مع الشعب الأمريكي وجماعات الضغط هناك بمصالح الأمة ومستقبل شعب المقاومة، أم لا بد أن يبقى الغليان هو سيد الموقف؟

اقرأ أيضاً: عن أسئلة المواجهة وحساباتها بعد حساب السيد نصر الله لمساحة «دولة إسرائيل» في خطابه الأخير..

ولماذا لا نُٰحسن اللعبة السياسية تماماً كما نُحسن القتال وحمل السلاح؟ ألا يمكن لذلك أن يزيد مشروعنا قوة في مواجهة أهداف إسرائيل التوسعية وأطماعها في أرض لبنان ومياهه ونفطه وغازه وثرواته الطبيعية، خصوصاً ونحن نسمع اليوم استعداد الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامپ في فرنسا إذا كان ذلك لمصلحة إيران!

فلماذا لا يتم اللقاء بين حزب الله والأمريكيين لمصلحة لبنان؟ مع العلم أن أي اتفاق إيراني أمريكي مقبل فسوف ينعم حزب الله بخيراته بطريق غير مباشر، فلماذا لا يبادر لتحريك دبلوماسيته مباشرة بدلاً من تحريكها بواسطة الحلفاء في الداخل والخارج؟

والسيناريو المرتقب للعلاقة بين حزب الله وأمريكا ستحدده إيران التي بدأ الغزل الأمريكي لشعبها وقيادتها بالأمس في فرنسا، فإيران تُحسن توظيف قوتها في السياسة بخلاف حزب الله وبقية أذرعها في المنطقة.. وجهة نظر نطرحها على طاولة البحث وقد تكون حسابات خاطئة والله العالم..

السابق
ماكرون: محادثات مجموعة الـ7 هيأت الظروف لاجتماع واتفاق بين ترامب وروحاني
التالي
هل الشّيعة في لبنان مستعدون للحرب؟