هل تحرير فلسطين وقف على الطائفة الشيعية؟

جدلية تحرير فلسطين ووقفها على الشيعة حسب نظرية انصار ولاية الفقيه، ما زالت قائمة على الصعيد الفقهي منذ أن تم احتلال فلسطين سنة 1948 وحتى يومنا هذا.

إن كان فقهاء الشيعة قد حسموا هذا الجدل في الفتاوى العملية وفي استفتاءات الكتب الفقهية ورسائل الوكلاء، وقد ازداد إلحاح الإجابة عن هذا السؤال بعد الهزائم العربية أمام المشروع الصهيوني في المنطقة، وتفاعلت الإجابات بعد قدوم القائد المغيب السيد موسى الصدر وانتصار الثورة الخمينية في إيران، وسقطت كل التحليلات أمام الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على التراب اللبناني في الجنوب والبقاع الغربي ومناطق أخرى  في 1948 و 1967 و 1973 و 1982 و1996 و 2006 وما بينها وبعدها من الاعتداءات ليكون الجهاد الدفاعي هو سيد الموقف، وهو الذي ليس بحاجة للفتوى لوضوحه كما لا يحتاج لولاية الفقيه، فنهض شيعة لبنان من الجنوب والهرمل والبقاع وبيروت والأطراف لدحر العدو ورده فكان التحرير عام  2000، وجاءت عملية خطف الجنود الصهاينة لتجدد المعركة والتي أثارت الجدل الفقهي في مشروعيتها عقب حرب تموز 2006، فقد رأى بعض الفقهاء وجوب التزام شيعة لبنان بالخط الأزرق كونه معاهدة غير مباشرة بين المسلمين واليهود ترعاها القوانين الدولية والمواثيق الأممية المبدئية التي التزمت بها المقاومة من طرفها، وشاركت في ترسيم الحدود الجنوبية بالخط الأزرق يومها، بل تنازعت مع العدو على بعض النقاط وحدودها عند الخط الأزرق، مما يُفهم منه بجلاء التزامها بالخط الأزرق من الناحية العملية.

لذلك مال بعض الفقهاء للتردد في مشروعية اختراق الخط الأزرق كونه يمثل معاهدة بين المسلمين واليهود بطريقة غير مباشرة ترعاها الأمم المتحدة عبر ترسيم الخط الحدودي واعتراف أطراف النزاع به .

وعلى مقلب آخر رأى بعض علماء الشيعة حرمة الالتزام بالخط الأزرق مع بقاء احتلال مزارع شبعا اللبنانية وتلال كفرشوبا والشق اللبناني من قرية الغجر.

في حين رأى فريق ثالث من العلماء حرمة الالتزام بحدود مع الكيان الغاصب مع وجود قرىً لبنانية محتلة منذ سنة 1948 والتي اشتهرت تسميتها بالقرى السبع، وهي في واقع الحال مع مزارعها أكثر من سبع، بل تزيد على العشر بحسب الدراسة التي قدمها النائب الأسبق المحامي حسن علوية في كتابه المطبوع حول القرى الحدودية الجنوبية المحتلة.

وفريق رابع من الفقهاء ومراجع التقليد كالسيد الخوئي والسيد السيستاني يرى وجوب التزام الضوابط القانونية المتعلقة بالنظام العام والتي بحسب فهمنا تُلزم المقاومة اللبنانية بالقوانين والإجراءات التي تراها الدولة اللبنانية مناسبة لحفظ النظام العام، والتي قد يكون من ضمنها ترك استرجاع ما بقي من الأراضي اللبنانية للجهد الدبلوماسي وتجميد الأعمال الحربية عملاً بالقرار الأممي 1701 الذي نجم عن حرب تموز 2006 .

وتبقى الجدلية الفقهية قائمة في كل هذه المفردات عند غير فريق ولاية الفقيه العامة. أما أتباع ولاية الفقيه العامة فيتجاوزون كل هذه الاعتبارات الاجتهادية ليكون قرار الولي الفقيه هو الحاسم للتدخل العسكري في أي جبهة من الجبهات التي تدين للولي الفقيه بالمرجعية والتقليد .

   ونحن لو رجعنا قليلاً إلى الوراء بخصوص إشكالية وجوب تحرير فلسطين على شيعة لبنان خاصة ، مع وجود مشاركة من فصائل جهادية فلسطينية في الداخل الفلسطيني تساهم بالعمل المقاوم وقليلة في الخارج قد تساهم في ذلك، ومع قعود عام عن الجهاد لتحرير فلسطين لدى السواد الأعظم من أبناء الأمتين العربية والإسلامية، مع كل ذلك ومع حماس إيران وشيعة لبنان لإنجاز هذا المشروع بمرأى ومسمع من بقية المعنيين بالقضية الفلسطينية.

مع كل ذلك نعود بالذاكرة لفتوى المرجعية الدينية العليا عند الشيعة في النجف الأشرف، وذلك حين سُئل المرجع الأعلى عند الشيعة في عصره يومها الراحل السيد محسن الطباطبائي الحكيم، فقد سُئل عن وجوب تحرير فلسطين على شيعة لبنان، فقال في نص الفتوى : ” إذا قام معهم العرب والمسلمون فيجب ، وإلا فلا “.

وسُئل المرجع الأعلى عند الشيعة في عصره الراحل أستاذ المراجع المعاصرين وزعيم الحوزات العلمية عند الشيعة السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي عن أحكام الجهاد في حال أقدمنا على قصف العدو فبادرنا بتدمير شامل ، فأفتى ما نصه : ” يجب الجهاد إن كان مؤثراً في رد العدو أو دفعه ، وإلا فلا ” .

    ولا يوجد للمرجع الأعلى المعاصر عند الشيعة في النجف الأشرف السيد علي الحسيني السيستاني فتوى تُلزم شيعة لبنان ولا شيعة العراق ولا شيعة إيران ولا شيعة الخليج ولا بقية الشيعة في العالم بتحرير فلسطين.

فلماذا كل هذا الحماس عند انصار ولاية الفقيه لتحرير فلسطين باللحم الحي الشيعي، في حين ان بقية العرب والمسلمين في سكوت؟

السابق
دولار «الهيبة» في أدراج نتفلكس!!
التالي
العقلية العصبية الشمولية في سلوك حزب الله