صندوق خامنئي الصغير

ايران

لدى ايران نفس طويل، مالي واقتصادي لاجتياز مرحلة ترامب او تغير الظروف حتى تتوفر إمكانيات أخرى لإزالة العقوبات.
قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب فرض عقوبات جديدة على ايران – هذه المرة موجهة ضد الزعيم الاعلى علي خامينئي – يطرح السؤال لماذا لم تفرض مثل هذه العقوبات من قبل، وكيف سيكون ممكنا انفاذها. وفقا لتقديرات الولايات المتحدة يتحكم خامينئي برأسمال قدره 200 مليار دولار. ولكن هذا ليس مالا خاصا فالرجل معروف بنمط حياته المتواضع، بل هذه مؤسسة مالية هائلة تأسست في زمن زعيم الثورة آية الله الخميني.
المؤسسة معروفة باسم Setad – وهي اختصار لقيادات تنفيذ تعليمات الزعيم الأعلى”، والتي أقيمت لتطوير صندوق لتمويل أجهزة الثورة من خلال مصادرة وسلب ممتلكات كانت تابعة للشاه ومؤيديه ومعارضي الثورة. ووفقا لتحقيق نشرته “رويترز” في 2013 درج ممثلو هذه المنظمة على أن يدخلوا الى بيوت المواطنين ويطالبونهم بوثائق الملكية. من لم يكن بوسعه أن يعرض هذه الوثائق، كان بيته يصادر على الفور. ويباع العقار المصادر ويضاف ثمنه الى الصندوق الذي كان رصيده قبل ست سنوات يقدر بـ 95 مليار دولار. واستثمر الصندوق مبالغ طائلة في مشاريع، أجهزة اعلام، وجزء ذهب للبنى التحتية وكذا لتمويل جيش المساعدين لخامينئي الذي كان يعد في حينه نحو 500 موظف.

اقرأ أيضاً: رهانات ترامب وإيران… ورهانات العرب

افترض تحقيق “رويترز” بان هذه مبالغ اكبر بكثير مما نشر في الوثائق الرسمية وفي المعطيات التي جمعت في البورصة. هذا، لان جزءا من الأموال استثمرت سرا ولا توجد هيئة عامة يمكنها أن تراقب عليها، كون الصندوق معفي من الرقابة البرلمانية بموجب القانون. من هنا أيضا الصعوبة في أن نفحص الان اين تستثمر أموال الصندوق وكيف يمكن فرض العقوبات عليها. ولكن مجرد وجود صندوق يحوز على ممتلكات واموال بنحو 200 مليار دولار، إضافة الى صناديق ومؤسسات أخرى تدل على الخلفية الاقتصادية التي لدى ايران كي تتصدى للعقوبات الامريكية على مدى فترة زمنية طويلة.
يمكن لهذه البطانة المالية ان تخدم عند الحاجة الحكومة التي تحاول التصدي للعقوبات القائمة وتدير “اقتصاد مقاوم” يسمح للدولة بان تمدد الزمن الى أن يتغير شيء ما – ان يخسر ترامب في الانتخابات القادمة للرئاسة، ان تنجح الدول الأوروبية في إقامة مسار التفافي للعقوبات من خلال آلية تجارية عديمة الدولارات، او نشوء ظروف بخوض مفاوضات جديدة.
غير أن المشاكل الجارية لا تنتظر المعجزة المنشودة. فمن أجل التسهيل على الأقل في مجال السكن، أعلنت الحكومة عن خطة جديدة لتمويل السكن العام وفي اطاره ستبنى في غضون سنتين نحو 400 الف شقة صغيرة ومتوسطة بحجم 70 – 100 متر مربع في صالح قليلي الدخل. اما الأرض للشقق، والتي سيبنى نصفها في طهران ومحيطها فستقدمها الحكومة بالمجان للمقاولين الخاصين الذين سيحصلون على امتيازات في القروض والدعم الحكومي لشراء مواد البناء. وضمن أمور أخرى سيحصل المقاولون على بطاقات شراء يمكنهم ان يشتروا بها احتياجات مباشرة للبناء من المنتجين – وهكذا يتجاوزون بدل الوساطة.
تُذكر هذه الخطة مواطني ايران بقصة بادر اليها الرئيس السابق محمد احمدي نجاد حين نفذ خطة Mehr لبناء نحو 400 الف شقة. هذه الشقق – التي بنيت على عجل بمواد رخيصة وتخطيط عليل – أبعدت المواطنين عن المشروع الذي بقي منه اكثر من 100 الف شقة للبيع. ولكن حتى لو حظيت الخطة الجديدة بالنجاح فانها بعيدة عن ان تحل مشاكل السكن إذ ان الطلب هو نحو 800 الف شقة في السنة. عندما ارتفعت أسعار الشقق في السنوات الستة الأخيرة بأكثر من 200 في المئة وعندما يصل سعر المتر المربع في طهران الى اكثر من 2.900 دولار، فان قليلي الدخل في الطبقات الوسطى سيضطرون الى أن يواصلوا السكن في شقق مستأجرة، كلفتها هي الأخرى لا تكف عن الارتفاع.
احدى المشاكل هي ان الكثير من أصحاب البيوت يحوزون الاف الشقق الفارغة بانتظار ارتفاع أسعارها، في ضوء الظروف السياسية غير المستقرة – هكذا بحيث أن افق السكن هذا لا يمكنه ان يساهم في التخفيف من الضائقة الا اذا اتخذت الحكومة قرارات متشددة تفرض ضرائب جسيمة على أصحاب الشقق للاستثمار وهذه لا تبدو في الأفق بسبب الخصومات السياسية الداخلية.
تلقي الحكومة بكل الذنب على العقوبات التي لم ترفع، مثلما يفترض الاتفاق النووي، ولكن الزعيم الأعلى بالذات هو الذي يرفض هذا الادعاء وبقدر كبير من الحق. برأيه، فان إخفاقات الإدارة وغياب التخطيط يعودان في اصلهما الى العهد ما قبل التوقيع على الاتفاق النووي. وفي ا لشهر الماضي أوضح بان الحكومة لم تنجح في تنفيذ الخطط الاقتصادية التي وضعتها هي نفسها – مثل تنفيذ الخصخصة، إصلاحات في البنوك وفي السوق المالية، تقليص التعلق بالنفط وتقليل البيروقراطية الثقيلة التي تمس بالمبادرة الخاصة. وقد طلب خامينئي من الحكومة أن تنفذ بسرعة قراراتها والا تتهم العقوبات بكل شيء.
ولكن الحكومة أيضا تقف عديمة الوسيلة بسبب الاملاءات التي تتلقاها من القيادة العليا ولان الحرس الثوري يسيطر على اكثر من نصف الاقتصاد الإيراني وامام معارضة أصحاب المال الذين يخافون من أن تضر الإصلاحات الاقتصادية. لا خلاف في ايران على أن العقوبات تمس بالاقتصاد الإيراني، ضمن أمور أخرى بسبب مصاعب استيراد العناصر والمواد الخام المخصصة للصناعة، ولكن الافتراض هو أن إدارة اكثر حكمة واكثر نجاعة يمكنها أن تطيل الفترة الزمنية التي يكون فيها بوسع ايران ان تعتمد على مصادرها رغم العقوبات.

السابق
أستاذ فلسطيني في السجن منذ 6 اشهر بسبب تشابه في الأسماء!
التالي
الخارجية اللبنانية تتابع ملابسات وفاة سارة سليمان في الكويت