ملاحظات على هامش «بيان» القرف من الهيستريا العنصرية ضد اللاجئين السوريين!

هلا امون
على الرغم من أن هذا البيان يحمل رسالة إنسانية وأخلاقية نقدّرها كل التقدير، ومع كامل الاحترام للموقّعين عليه، إلا أن هناك بعض الملاحظات والأسئلة التي لا بدّ من طرحها:

– بعيداً عن المواقف المثالية والرومانسية و”المزاعم المعهودة” من ان “لبنان بلد الإشعاع والنور”، هل يستطيع لبنان بكل تعقيداته الداخلية وازماته البنيوية والاقتصادية والسياسية و”المُبتلى أصلاً بطائفيّة يبالغ في شحذ شفرتها، وفي استنفار غرائزيّتها زعماءٌ شعبويّون”، ان يكون “ملجأ للمضطهدين في الجوار”، فيما ابناؤه عاطلون من العمل، ويهاجرون الى ارض الله الواسعة، بعدما نالوا قسطهم من اليأس والاحباط و”اضطهاد” الطبقة السياسية الفاسدة لهم، وبحثاً عن الاستقرار المالي والنفسي والعائلي؟! أليس من المستحسن عدم تجميل الصورة القاتمة، وإنكار تفاصيل الواقع المزري ، وتجاهل تداعيات اللجوء السوري على الاقتصاد اللبناني ، في غمرة اندفاعنا العاطفي لمناصرة قضايا انسانية محقة؟!

–  مع الرفض التام لكل إعتداء او اضطهاد او ترويع للآمنين، او لتسليم أي معارضٍ الى جلاده وقاتله، إلا ان البيان يوحي ان جميع اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان هم مضطهدون . ليتنا نتذكر  الانتخابات الرئاسية السورية التي جرت منذ سنوات قليلة، وكيف تدفق عشرات الالاف من السوريين المقيمين في لبنان، والمؤيدين للنظام السوري، الى السفارة السورية لإعادة انتخاب “سيادة الرئيس”، في ذلك العرس الديمقراطي المهيب الذي عبّر خلاله المقترعون عن فخرهم واعتزازهم بما يفعلون. طبعاً لا يمكن تجاهل حقيقة أن هناك البعض ممَن أرغمته قوى الأمر الواقع في بعض المحافظات، على القدوم لتجديد البيعة لحليفهم في دمشق، ولكن الأكثرية كانوا ممَن يدينون بالولاء الكامل لمَن يقول البيان انه قتل شعبه وهجّره. فهل يمكننا اعتبار كل هذه الالاف مضطهدين، ويجب الدفاع عنهم حتى لا نُتهم بالعنصرية؟! 

– تمنيتُ لو لم تغِب عن ذهن كاتب البيان، واقعةَ ان عدداً كبيراً من هؤلاء اللاجئين، يعبرون الحدود اللبنانية – السورية اسبوعياً او شهرياً،  دون ان يتعرض لهم النظام السوري بأيّ أذى أو سوء، ثم يعودون لمزاولة اعمالهم ولممارسة حياتهم الطبيعية في لبنان. افلا يكون مجدياً، لو ضغطنا على السلطات اللبنانية – وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية – لاصدار تعليمات صارمة الى أجهزة الدولة اللبنانية،  باسقاط صفة اللجوء عن هؤلاء، ولاتخاذ كل الإجراءات التي تمنع مَن يحمل صفة لاجىء، من العودة مجدداً الى لبنان ، في حال مغادرته الى سوريا؟! أعتقد انه في حال تطبيق هذا الإجراء التنظيمي، لن يعد هناك مبرر للخوف من لجوء الدولة الى عملية “طرد جماعي”، لأن مَن تتوافر فيه شروط اللجوء، يبقى الى حين، ومَن لا تتوافر فيه، يغادر الى غير رجعة. وبهذا الاقتراح أو الضغط، نكون قد ساعدنا السلطة على التخفيف من عبء النزوح السوري على لبنان، بدل الإكتفاء بالادانة.

– حقّ اللجوء بالمعنى القانوني، يُعطى للشخص غير القادر على العودة الى موطنه الاصلي، بسبب تعرّضه لمخاطر جدية (الموت، الاعتقال، الخوف الشديد.. الخ)  او للاضطهاد بسبب آرائه السياسية أو معتقداته الدينية او انتمائه العرقي.. الخ. وانطلاقاً من هذا التعريف ، أرى انه كان من المفيد التمييز في البيان، بين اللاجئين المضطهدين الذين اقتلعوا من أرضهم، وتمّ تهجيرهم من بيوتهم على يد النظام السوري وحزب الله (وهؤلاء يجب حمايتهم والدفاع عنهم) واللاجئين غير المضطهدين الذين يقيمون في لبنان بمحض رغبتهم وارادتهم (وهؤلاء يجب المطالبة بعودتهم فوراً). ومن شأن هذا التمييز، ان يفرّق بين اللاجىء “المعارض” للنظام الذي هجّره ويهدده بالانتقام والتجنيد الإجباري والإعتقال في حال عودته، واللاجىء “الموالي” للنظام الذي يتخذ من لبنان مقراً للإقامة والعمل والادخار والتوالد والتناسل بلا حدود أو مسؤولية.

– هناك ملاحظة ملفتة في هذا البيان، وهو ان كاتبه تحاشى ذكر اسم “حزب الله” الذي هو الحزب اللبناني المسلّح الذي شارك في القتال في سوريا، وكان سبباً مباشراً في تدفق هولاء اللاجئين الى لبنان. وقد تمّ الاستعاضة عن ذكره، بعبارة “طرف لبناني”: (ضدّ أفراد عُزّل هجّرهم من بلدهم نظامهم القاتل، فيما عاونَه على تهجيرهم طرف لبنانيّ يشارك اليوم، ومنذ سنوات، في حكومات بلدنا). والسؤال: كيف يمكن للكاتب ان “يقاوم” ما يسميه “هيستريا العنصرية والاسترقاق”، وهو يفتقد الحد اللازم من الجرأة والشجاعة الادبية التي تسمح له بتسمية المتورطين والمتهمين بأسمائهم؟! وكيف يمكنه ان يدافع عن المضطهدين، وهو نفسه مضطهد، بعدما اصبح عاجزاً عن ممارسة حريته الفكرية والتعبيرية والنقدية، لذلك لجأ الى عملية التعمية والطمس؟! ربما يكون الكاتب قد اجاب عن هذه الاشكالية في متن البيان، عندما قال: “ذاك أنّ القيم التي نزعم النطق بلسانها والتعبير عنها، مُهدَّدة في وجودها ذاته”!
ولكن في المقابل، لماذا لم يتبع نفس القدر من الحيطة والحذر مع وزير الخارجية “جبران باسيل” الذي ورد اسمه عدة مرات؟ فهل هذا إيحاء بأن الآخرين لا علاقة لهم بهذا الاضطهاد أو بهذه “الهستيريا العنصريّة”، وأن باسيل هو  المسؤول الوحيد عن حملة “اضطهاد اللاجئين“؟! مع العلم ان الكل يدرك جيداً ان “حالة” جبران باسيل الاستفزازية / التحريضية/ الهجومية/ الصدامية/الإرتجالية/الدونكيشوتية/الاستحواذية.. الخ ، لم تكن لتوجد لولا الرعاية والاحتضان والمباركة التي يوفرها “حزب الله” لتضخم هذه “الحالة”، ولكل المواقف العنصرية والطائفية التي تصدر عنها. فكيف نجهّل الأصل والسبب، ونوجّه اصابع الإدانة نحو الفرع والنتيجة؟! الا نكون بهذه الطريقة قد نسبنا الى باسيل أفعالاً، هو قادر بطريقته الشعبوية والدونكيشوتية، على تحويلها الى افعال “بطولية” يفاخر بها في حزبه وبيئته الضيقة والمسكونة بالمخاوف الوجودية والهواجس الأقلوية، باعتباره الحريص الوحيد على حقوق طائفته ووجودها، والمدافع الأكبر عن مستقبل لبنان؟!

–  لقد استوقفتني خاتمة البيان التي تهدد باللجوء الى “منظّمات حقوق الإنسان”، لحضّها على التحرّك بغية وقف الحملات العنصرية التي تستهدف السوريّين في لبنان. لأن ذاكرتنا لم تنس بعد ، حجم تقصير تلك المنظمات وتخاذلها عن القيام بواجباتها الأخلاقية والانسانية في وقف الجرائم اللاإنسانية والمجازر المروّعة التي تعرض لها السوريون داخل ارضهم. ذاك التخاذل بعينه هو ما تسبّب بأزمة لجوئهم المأساوية الى مخيمات الذلّ في لبنان وفي غيره من المنافي التي يجهد القيّمون على تلك المنظمات لإبقائهم فيها، لا حُبّاً فيهم ولا حرصاً عليهم، بل خوفاً من ان يصلوا عبر “قوارب الموت” الى شواطئ بلدانهم السعيدة!

اقرأ أيضاً: بيان عن العنصريّة في بلدنا

السابق
بسبب مبيعات كيماوية لسوريا ـ شركة ألمانية تحت مجهر النيابة
التالي
رئيس الجمهورية: تحية لكل جهد يبذل لانقاذ شباب لبنان من جحيم المخدرات