تعليقا على جريمة طرابلس: ينشغلون بالنتائج ولا يعالجون الأسباب

طرابلس
منذ ان ارتكب الاسلامي المتشدد عبد الرحمن مبسوط جريمته ،التي اودت بحياة اربعة من العسكريين والامنيين وعدد من الجرحى ليلة عيد الفطر في طرابلس، والسجال يتواصل بين القوى السياسية السلطوية وكل منها يحاول النيل من الاطراف الاخرى بتحميله مسؤولية ما حصل.

لا يختلف اثنان أن الجريمة بشعة والخسارة فادحة،البعض يقول أن أطرافاً سياسية تدخلت وضغطت على القضاء للإفراج عن مبسوط قبيل الانتخابات النيابية كسباً للأصوات، والبعض اللآخر يحمل الاجهزة الأمنية مسؤولية التفلت والفوضى في البلد.

منذ تسعينيات القرن الماضي وبعض السياسيين والمهتمين يوجهون أصابع الاتهام الى مناطق الشمال بصفتها بيئة حاضنة للتيارات الاسلامية المتشددة، ويطالب بحلول امنية صارمة بحق العناصر المتشددة.

وتنحصر المتابعات الاعلامية بتسليط الضوء على ما يحصل من حوادث هنا وهناك، وعن هجرة شباب من ابناء هذه المناطق للقتال في العراق وفي سورية.

اقرأ أيضاً: «ذئب طرابلس» ليس منفرداً

مؤخراً جرى الحديث عن اوضاع السجون وما يحصل فيها من بناء أفراد من ذوي الاتجاهات المتشددة وكأن السجناء هم المسؤولون عن السجون وإداراتها.

أنهم يسلطون الضوء على النتائج التي تطفو على سطح المجتمع، لكن أحد لا يحاول دراسة الاسباب التي تدفع بقوى اجتماعية الى التشدد.

حتما انهم ليسوا مرضى نفسانيين وليسوا عملاء للامبريالية العالمية… انهم بشر وجدوا في مناطق الأطراف التي لا تصلها الخدمات وهي حق من حقوقهم، هل سأل أحد عن التعليم الرسمي وجودته في المنطقة؟

هل يعلم أحد عن الرعاية الصحية الرسمية والاستشفاء الرسمي في المنطقة؟ أين هي خطط التنمية المستدامة التي يتحدث عنها الزعماء ومستشاريهم ساعات أمام شاشات التلفزة؟

ما هي فرص العمل المتاحة أمام الشباب والمواطنين بشكل عام؟

كيف تصرفت السلطات بإشاعة مفهوم المواطنة في مواجهة الهويات الفرعية والأولية وزعماء المنطقة والطائفة يريدون الناس اتباعاً لهم وليس مواطنين أحرار، كي لا يخسروا مواقعهم السلطوية.

هل نسينا كيف كانت تدار المعارك بين التبانة وجبل محسن وكيف كانت تمول؟

كل هذه السياسات تجعل الشباب أمام خيارات محدودة، أما الهجرة للعمل خارج البلد لمن استطاع إليها سبيلاً، أما العمل في أطر تابعة للزعماء تستخدمهم متى واين تشاء.

وهناك خيار آخر يراه البعض وهو العودة إلى الأمس السحيق وأن الاسلام هو الحل، وبناء إمارة إسلامية هي التي تعيد لهم حقوقهم، وكلها خيارات لا تؤدي إلى بناء وطن ومواطنين.

اقرأ أيضاً: إرهابي طرابلس «عبد» للرحمن وغير «مبسوط»

المشكلة أن ذاكرتنا مثقوبة. لنعد الى العام 2007 أيام معارك نهر البارد، ظن البعض ان المشكلة انتهت بتدمير مخيم نهر البارد واعتقال آلاف الشباب، ولكن لم يقدم أحد من السلطة على قراءة مختلفة تؤمن تنمية للمنطقة.

الحل الأمني لم يمنع العشرات من الانتقال إلى سورية والقتال هناك ولا أعتقد أنهم مرضى كما يتوهم البعض، أو أن العامل الايديولوجي هو الحاسم لديهم، إنه انسداد الأفق والإحباط من إمكانية العيش بكرامة.

الحلول الأمنية مهمة، لكنها مسكنات لا تجدي اذا لم تترافق مع تنمية المنطقة وتحسين الخدمات للمواطنين وتأمين فرص عمل للشباب، وغير ذلك اضاعة للوقت ومزيد من التعبئة الطوائفية يستفيد منها أصحاب المحاصصات لزيادة حجم قطعة الحلوى من جسد الوطن.

السابق
سرقة جسر في روسيا طوله 23 م
التالي
حزب الله الحاكم الفاشل للبنان