إرهابي طرابلس «عبد» للرحمن وغير «مبسوط»

غسان صليبي

اسمه عبدالرحمن مبسوط. لا اعرف عنه الكثير. غير انه شاب فقير يعيش مع زوجته وولديه في غرفة صغيرة مساحتها ثلاثة امتار مربعة. بحسب إعترافاته انتسب الى “داعش” وسافر الى الى سوريا لكنه لم يشارك في عمليات عسكرية، ثم هرب عائدا الى لبنان لان “داعش” طلب منه قتل صديق له من “النصرة” ورفض. وعند عودته، سجن في لبنان لمدة قصيرة واطلق سراحه منذ فترة. لا شك ان هذا الشاب الذي ولد في بيئة متدينة وفقيرة، حاول ان يكون اهلا لاسمه. اي ان يكون “عبدا” للرحمن و”مبسوطا” في آن واحد. على الارجح انه لم ينجح. فلم يقدر ان يكون “مبسوطا” بسبب ظروف الحياة القاسية ولا سيما في الاحياء الشعبية في طرابلس.

اقرأ أيضاً: هجرة اللبنانيين تحد من البطالة وتعزز الاقتصاد

ولم يستطع ان يكون “عبدا للرحمن” لانه كان يعتقد ان الله لا يريده ان يكون “مبسوطا”، وفي الوقت نفسه كان يسعى بطبيعته الانسانية لان يكون “مبسوطا”.

للخروج من أزمته الوجودية هذه، لعله قرر الخروج من الحياة وعليها، والاتكال على الله ليقرر عنه.

وبما انه لا يستطيع ان يلتقي بالرحمن، لجأ الى الذين يتكلمون باسمه والذين يتصرفون وكأنهم فعلا “عبيد” له، ينفذون اوامره دون سؤال او تفكير. وهكذا اختار “داعش” وانخرط في صفوفه.

ولانه غير “مبسوط” سهل على “داعش”عملية تطويعه وزرع الكراهية والنقمة في قلبه.

ولانه يطمح لان يكون “عبدا” للرحمن، اسلم عقله ل”داعش” الذي تكفل ان يدربه كيف يكون هذا العبد المطيع لاوامر الله والذي يدعي هو احتكار معرفته بها.

وهكذا وإنفاذا “لاوامر الله” بحسب “داعش”، قتل عبدالرحمن مبسوط في ليلة وقفة العيد، عسكريين ورجال امن في طرابلس قبل ان تتمكن القوى الامنية من قتله.

يبدو المسار مقنعا ومنطقيا ولو ان حيثياته الاولى بعضها القليل مستنتج ومفترض. مع احتمال ان تأتي معلومات جديدة ودقيقة، وتعدل في مسار التحليل بمجمله.

لكن الثابت ان هذا الارهابي، صدرت عنه اربع سلوكيات لافتة، بالمقارنة مع السلوك “الداعشي” المعتاد.

فهو لم يطلق النار الا إضطراريا على افراد مدنيين، بل ركز في اجرامه على القوى الامنية. حتى ان احد المواطنين صرح انه حين حاول الخروج من محله، انتهره الارهابي وطلب منه العودة الى محله مطلقا النار جانبا.

إحترام للمدنيين غير المسلحين ام نقمة خاصة على العسكريين؟

كما انه قبل ان يقوم “بغزوته في سبيل الله”، اعلم زوجته بذلك عبر تسجيل صوتي، معتذرا منها، ومبلغا اياها انه يطلقها وانه يمكنها ان تستخدم التسجيل الصوتي للدلالة على الطلاق امام المعنيين.

مشاعر انسانية وتسهيل لحياة زوجته بعد مماته؟

الملاحظة الثالثة هي ان الارهابي كتب الى صاحب البيت الذي اقتحمه للاحتماء فيه، قائلا له” سامحني اخي المسلم قدر الله…احبك…فالله لم اقصد”. التعابير ملفتة ولا سيما انها مكتوبة: سامحني، احبك، لم اقصد. كأنها عبارات حبيب يعتذر من حبيبته عن فعل خطأ بحقها.

مشاعر انسانية متناقضة، إنقياد، ضياع، ندامة؟

الملاحظة الاخيرة هي ان الارهابي قرر ان يفعل فعلته في وقفة العيد.

أرغبة منه في تمضية العيد في الجنة ام هربا من تمضية العيد مع زوجته واولاده في ظل ظروف البؤس والعوز؟

طبعا لن يتوقف المسؤولون عند هذه التساؤلات. ليس لانهم يعتبرونها تبريرا للقتل والاجرام، وهي ليست كذلك على الاطلاق، بل محاولة، متسرعة بعض الشيء ربما، للتساؤل حول شخصية الانسان الذي يتحول الى ارهابي.

فالمسؤولون مشغولون بالمماحكات السياسية، وخاصة بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، وكيفية استخدام دماء العسكريين لتغذية الصراعات فيما بينهما ومراكمة شروط السيطرة على مقدرات البلد.

وبعضهم يريد حصر المسألة بموضوع “الارهاب الداعشي” لما لهذا الموضوع من قدرة على نبش الاحقاد المذهبية وامتداداتها الاقليمية.

بيئتنا اللبنانية لا تحتضن الارهاب فحسب، كما يكرر البعض، بل تنتجه، لانها تنتج الفقر والطبقية والعنصرية والمذهبية والتعصب والفساد والتبعية للخارج.

اسوأ ما تنتجه بيئتنا وتحتضنه، هو هذه الطبقة السياسية التي تعتاش على دماء الشهداء، الموتى والاحياء.

السابق
الحجار ردًا على عبدالله: لا انت ولا غيرك يحق له التطاول على رئيس الحكومة
التالي
مركز روسي: لماذا تفشل روسيا وإيران في تكوين تحالف؟