ندوة «شؤون جنوبية» عن قطاع المولدات الكهربائية… شعبان: لا للحلول المؤقتة والعشوائية!

نظمت شؤون جنوبية حلقة نقاش حول أزمة الكهرباء المستفحلة في لبنان تحت عنوان: "المولدات الكهربائية حل مؤقت أم سياسة مستدامة. شارك فيها المهندس بلال شعبان وهو ناشط ترأس لائحة صوت الناس في الإنتخابات البلدية الأخيرة عام 2016 في مدينة صيدا، والمهندس محمد السيد وهو مستشار رئيس البلدية وكان يتابع العلاقة ما بين بلدية صيدا و أصحاب المولدات الكهربائية في منطقة صيدا، ومنسق أصحاب المولدات الكهربائية في منطقة صيدا علي بوجي وذلك عند الساعة السادسة بعد ظهر السبت 27 نيسان 2019 في قاعة اشبيليا في صيدا. ادار النقاش الزميل وفيق الهواري.

قدم لحلقة النقاش الزميل الهواري الذي قال: مع بدايات ستينيات القرن الماضي حظي لبنان بشبكة كهربائية غطت لبنان بشكل شبه كامل، لكن مع نهاية عام 1976 بدأ الإنقطاع غير الدوري للتيار الكهربائي في بعض المناطق ما دفع المواطنين للإعتماد على المولدات الكهربائية الصغيرة. بعد عام 1992 بدأ الحديث عن إعادة انتاج الكهرباء وتوزيعها عبر وعود عرقوبية أطلقها الوزراء المتعاقبون على وزارة الطاقة لكن لم ينفذ منها شيء حتى اللحظة. ترافق ذلك مع الحديث عن خصخصة ما في قطاع الكهرباء. وفي ظل عجز السلطة المركزية عن معالجة المشكلة برز دور السلطات المحلية أي البلديات وهنا تفاوتت أدوارها. بعض البلديات لعبت دورها المسؤول بتأمين التيار الكهربائي لمواطنيها وفق أسعار مدروسة ويمكن تحملها، و بعض البلديات شكلت حماية لبعض أصحاب المولدات كما أن بعض أعضاء البلديات كان يمتلك المولدات الكهربائية نفسها. وبعض البلديات تصرف كأنه غير مسؤول عن الوضع برمته تاركا المواطن يواجه أصحاب المولدات وحيدا. فماذا عن أزمة الكهرباء العامة وما هو الدور الذي يلعبه أصحاب المولدات الكهربائية وكيف تتصرف الأجهزة الرقابية و المسؤولة عن هذا القطاع؟ هذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه في حلقة النقاش هذه.

اقرأ أيضاً: هل يتجه المستشفى الحكومي في صيدا نحو الخصخصة؟

بدأ شعبان حديثه قائلاً: كل الشكر لمنظمي هذه الندوة “شؤون جنوبية” ولدعوتي للمشاركة فيها.

حتى نستطيع أن نعرف أصل العلة علينا الرجوع إلى مسبباتها، ولكي نتعرف إلى الأسباب التي أدت إلى تنامي قطاع المولدات في السنوات الأخيرة علينا أن نتعرف ولو بعجالة على واقع قطاع الطاقة في لبنان وعجزه عن تأمين الكهرباء 24/24 ساعة في اليوم.

توالت الوزارات بعد اتفاق الطائف وكثرت الخطط وتنوعت والحال يسير من سيء إلى أسوء حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، وأصبح تعبير “مولد الكهرباء” من ثقافة المواطن اللبناني اليومية.

مؤسسة كهرباء لبنان هذه المؤسسة الأم والتي أقرضت الدولة في زمن ما قبل الحرب أصبحت واحدة من أهم المصادر التي تسببت بتراكم الدين العام على الدولة والبلد ولا أبالغ إن قلت أن حصتها بلغت ثلث الدين العام.

وأضاف: سأستعرض أمامكم منظومة هذا القطاع، تركيبته، واقعه، مشكلاته التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، وسأتحدث عن ثلاثة مستويات يتشكل منه هذا القطاع:

أولاً: قطاع الإنتاج الذي هو علة العلل.

تنتج المعامل الموجودة في مختلف الناطق اللبنانية على الورق ما يقارب 2400 ميغاوات من الطاقة موزعة بين معامل تعمل على طاقة الفويل أويل وأخرى على المازوت، وبعضها على الطاقة المائية وهي متواضعة الإنتاج، وإذا نظرنا إلى الخارطة التي أمامنا نرى توزيع هذه المعامل على الجغرفيا اللبنانية وأهمها:

الزهراني ينتج 420 ميغاوات

الجية ينتج 180 ميغاوات

الذوق ينتج 440 ميغاوات

البواخر تنتج 350 ميغاوات

دير عمار ينتج 430 ميغاوات

وغيرها من المعامل التي تؤمن الطاقة بنسب قليلة ومتفاوتة.

وبحسب الاحصاءات الصادرة عن وزارة الطاقة فإننا نحتاج الى 3500 ميغاوات حتى نؤمن كهرباء 24/24.

هنا نرى الفارق الأول في نقص الطاقة وهو بنسة 31%. وإذا استعرضنا واقع المعامل وقدمها وحاجتها الدائمة إلى الصيانة نرى أن هذه النسبة ترتفع لتصل الى 50%، معامل قديمة كان يجب أن تكون خارج الخدمة منذ زمن. وهذه المعامل، بالإضافة إلى عجزها عن تأمين الطاقة الدائمة تقوم بتلويث البيئة للبلد بسبب اهترائها ولأنها تنتج طاقة غير نظيفة وغير صديقة للبيئة.

ثانياً: قطاع النقل: تنتقل الطاقة المنتجة من المعامل عبر خطوط النقل 220,150 و66 ك.ف إلى المحطات الرئيسية، والتي تعاني أيضاً من عدم قدرتها على نقل الحمولة الكافية لتأمين الكهرباء 24/24 و لا بد من تحديثها وتطويرها، ولربما سمع العديد منكم عن مشكلة وصلة المنصورية التي تعاني وزارة الطاقة لإتمام وصلها بين محطتي عرمون والمكلس.

على الرغم من أن المؤسسة، في السنوات الأخيرة وبالاشتراك مع مقدمي الخدمات أنجزت العديد من التحديثات وتطوير بهذا القطاع مما سمح بنقل الطاقة المنتجة والهدر منها إلا أنها بحاجة للمزيد من العمل عليها.

المحطات الرئيسية والتي هي مسؤولة عن تحويل التوتر من عالي إلى متوسط، والقديمة منها تعاني أيضاً من نقص في التجهيزات من مولدات وغيرها، والتي لن تستطيع بواقعها الحالي من تحويل الطاقة لتأمين التغذية 24/24 وقد قامت مؤسسة كهرباء لبنان في السنتين الأخيرتين بوضع عدة محطات جديدة على الشبكة ونذكر منها محطات صيدا – الضاحية – الأشرفية – بعلبك.

ثالثاً: قطاع التوزيع؛ يعاني هذا القطاع من مشكلات عدة:

– تأمين الصيانة لشبكة التوتر المنخفض الهوائية والأرضية ومحطات التحويل بشكل منتظم وفعّال مع أن مؤسسة كهرباء لبنان أوكلت هذه المهمة إلى شركات مقدمي الخدمات الثلاث على مستوى لبنان، إلا أن هذه الخدمة بقيت دون المأمول منها وتفاوتت بين منطقة وأخرى وبقي المواطن يعاني في فصلي الشتاء والصيف من انقطاع التيار وتأخر فرق الصيانة من تصليح الأعطال بالسرعة المطلوبة.
وزاد شعبان: وهناك مشكلة تأمين الإنشاءات الجديدة من تركيب المحطات والشبكات وتركيب العدادات والتي أوكلت أيضاً إلى شركات مقدمي الخدمات، وما زال الآلاف من هذه العدادات لم يركب حتى اليوم وهذا يعني أنهم يستمدون التيار بشكل غير قانوني ما يزيد من خسائر القطاع على الرغم من مرور سبع سنوات على تسلُّم القطاع، وهنا أيضاً تفاوت بين منطقة وأخرى.

شؤون جنوبية171

وأيضاً هناك الجباية التي تعاني أيضاً من خلل كبير، والتي أوكلت أيضاً إلى مقدمي الخدمات وما زالت المليارات من الليرات لم تجبها المؤسسة من المشتركين مما يزيد من خسائر المؤسسة، ولعل العديد منكم يرى أنه يدفع الفواتير عن سنة سابقة.

بالإضافة إلى ذلك هناك التعديات على شبكة المؤسسة وما يطلق عليه الهدر غير الفني، ولا أبالغ إن قلت أنه يزيد عن نسبة الـ20% التي أعلنت عنها وزارة الطاقة، والتي لم تستطع لا المؤسسة ولا مقدمي الخدمات من الحدّ منه، على الرغم من كل المحاولات التي تقوم فيها المؤسسة ومعها مقدمي الخدمات.

إلى ذلك هناك الهدر الفني والذي يصل إلى 17% أيضاً حسب إحصاء وزارة الطاقة والذي هو ناتج عن قدم الشبكات ومحطات التوزيع المناطقية، وعدم الصيانة الدورية لها، مع أن الوضع اليوم أفضل، ولكن ليس كافياً، وهو بدرجات متفاوتة بين منطقة، وهذا أيضاً يسبب عجز بميزانية هذه المؤسسة وقدرتها على تأمين التيار 24/24.

استمرار الأزمة

وعن استمرار الأزمة أوضح شعبان: بالنظر إلى ما تقدم نستطيع أن نصل إلى نتيجتين حتميتين: الأولى أن هذا القطاع الأمّ عاجز عن تأمين التيار 24/24، وهو يتدنى إلى نسبة 40% في أحسن الأحوال ويرتفع العجز عن ذلك كلما ارتفعت الحاجة إلى استهلاك الطاقة خاصة في فصلي الصيف والشتاء.

الثانية، العجز المالي للمؤسسة والذي يكلف خزينة الدولة سنوياً بحدود المليار ونصف دولار من الخسائر والذي تتسسبب به البنود التالية:

أولاً: الهدر الفني وغير الفني الذي يصل إلى 30% بين الطاقة المنتجة والمفوترة.

ثانياً: تسعيرة الكيلوات ساعة من الطاقة المنتجة والمفوترة، حيث تم تثبيت التعرفة في العام 1994 على أساس سعر برميل نفط 20 دولار أمريكي وهو أقل بكثير من قيمته الحالية في السوق العالمية، وقد وصل سعر برميل النفط في بعض الأحيان إلى حدود الـ100 دولار أمريكي، وهو اليوم بـ70 دولار، ويمكن أن نتخيل هذا العجز بين المنتج والمفوتر.

ثالثاً: معامل قديمة وذات فعالية متدنية تتطلب صيانة دائمة، مما يؤدي إلى كلفة إنتاج مرتفعة أيضاً تتكبدها المؤسسة.

وحول نتائج هذا الوضع رأى شعبان: بعد هذا العرض الموجز لواقع قطاع إنتاج الطاقة وتوزيعه المترهل عبر المؤسسة الأمّ، كان لا بد للمواطن في السنوات العشرين الأخيرة من إيجاد البدائل لتغطية هذا العجز خاصة مع ازدياد حاجة الناس إلى الطاقة الكهربائية والتغير المناخي في منطقتنا وتطور البشرية تكنولوجيا، والذي يحتاج إلى الطاقة الكهربائية الإضافية. وإذا كنا بالأمس نستطيع العيش بلا كهرباء أصبحنا اليوم بدونها كأننا نعيش في العصر الحجري.

من هنا نما قطاع المولدات الخاصة والذي استطاع أن يسد هذا الفراغ الهائل من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، وأصبح أمراً واقعاً لا يمكن الاستغناء عنه، واستمد واقعيته من الحالة التي نحن عليها اليوم، إلا أنه وبرغم من إيجابيته الوحيدة وهي سد العجز فقد تسبب هذا القطاع بعدة مساوىء كلفت المواطن اللبناني أعباء عديدة:

عشوائية التسعيرة خاصة في البدايات حيث لم تتدخل لا الوزارات المعنية ولا السلطات المحلية أي البلديات بها، ولم يتحسن هذا الوضع فيما بعد، حتى مع تدخلهم حيث بقي المواطن يعاني من تسعيرات متفاوتة مع دون العدالة بالتسعير، ولعل تدخل وزارة الاقتصاد في السنة الأخيرة بفرض تركيب العدادات على أصحاب المولدات هي النقطة المضيئة الوحيدة من قبل السلطات المسؤولة على هذا الصعيد.
كما أن المشتركين بالكهرباء عبر مؤسسة كهرباء لبنان يتميزون بعقد قانوني، حيث يمثل اشتراكه مع المؤسسة بعدّاد عقد شرعي يحمي المؤسسة والمشترك في آن، ويخضعهم للقوانين المرعية الإجراء، وهذا ما لم يحصل عليه المواطن مع قطاع المولدات لأنها أساساً استثمرت بالقطاع العام من دون امتياز قانوني أو عقد شرعي من قبل الدولة، والتي لها الحق الحصري في قطاع إنتاج الطاقة وتوزيعه.
ونرى أن استثمار قطاع المولدات ومدّ شبكاتها على منشآت مؤسسة كهرباء لبنان ما تسبب لها بعدة مشاكل وكذلك على أملاك البلديات.
كذلك هناك عشوائية تموضع بعض المولدات بين الأحياء السكنية وما تسبب من أضرار بيئية بسبب دخانها المتصاعد، والتي لا تخضع لمواصفات تراعي الشروط البيئية المطلوبة والآمنة للمواطن وصحته أيضاً أثكلت كاهل المواطن الذي يعاني أساساً من الأضرار البيئية التي تسببها معامل المؤسسة المترهلة.

بنود مبادرة اقتراح حلول

وعليه، نعود إلى عنوان ندوتنا وسؤالها المشروع هل المولدات حل مؤقت أم سياسة مستدامة؟

استناداً إلى ما تقدم نجد أن المواطن في لبنان يدفع الفواتير، وليس فاتورة واحدة مالية – اجتماعية – بيئية –قانونية – صحية، ولا يمكن، وبالإجابة على السؤال، أن يستمر الوضع على الحال الذي هو عليه أما المطلوب إيجاد البدائل وتصحيح الخلل.

اقرأ أيضاً: مستشفى تبنين.. تجاوزات للسقف المالي تخطّت الـ6 مليارات

على وزارة الطاقة ومعها مؤسسة كهرباء لبنان ومعهما الدولة اللبنانية أن يأخذوا المبادرة ويعملواعلى التالي:

– زيادة إنتاج الطاقة عبر معامل جديدة وتأهيل الموجود منها على أن تعمل على وقود نظيف صديق للبيئة.
– تأهيل الشبكات على مختلف المستويات وصيانتها بشكل دائم.
– إيقاف الهدر الفني وغير الفني بتطبيق القانون وإيقاف سرقة التيار.
– العمل على وضع خطة لجباية أموال المؤسسة وتحصيلها من المشتركين بشكل مدروس لا ترهقهم بظل ظروف مادية صعبة وهم أصلاً لا ذنب لهم بهذا التقصير.
– وضع تسعيرة جديدة توقف خسائر هذا القطاع وتجعل المواطن يدفع فاتورة واحدة بدل الفاتورتين وتكون بالمحصلة أقل كلفة عليه.
– تركيب العدادات لجميع المواطنين حتى لا يبقى مواطن يستمد التيار دون وجه حق.
– أن تبقى مؤسسة كهرباء لبنان هي صاحبة الحق والراعية لهذا القطاع حتى لو اشترك القطاع الخاص معها بتأمين مصالحها سواء على صعيد الإنتاج أو خدمات التوزيع لأننا لا نؤمن ببيع مؤسساتنا الوطنية للقطاع الخاص بالكامل.
وهكذا يمكن أن نبدأ بتصحيح المسار ويمكن أن نجد لسؤالنا إجابة، لا للحلول المؤقتة لا للحلول العشوائية لا لإخضاع المواطن لفاتورتين نعم للحلول المستدامة العادلة نعم لحق المواطن بكهرباء 24/24 نعم لعداد واحد بتسعيرة عادلة. وشكراً.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 171 ربيع 2019)

السابق
قيادة حركة فتح في لبنان تكرم اللواء داوود النايف «علاء الأفندي»
التالي
هؤلاء أهم مرشحي انتخابات الكنيست الإسرائيلي الثانية