إسمع يا دولة الرئيس: المقال الختامي

الشيخ محمد علي الحاج
بعدما تطوّعتُ صادقاً بكتابة عشرات الرسائل المفتوحة لأنقل لدولتكم بعضاً من هواجس وطموحات وآمال الناس؛ أختم من دون أن أكون قد انتهيت من استعراض مشاكل الناس وقضاياهم، ومن دون أن أتمكن من التعبير عن كامل آرائي؛ لكنني ابليت بلاء حسناً، مكتفياً بهذا القدر القليل المهم.

[إن كنتَ في إدبار والموت في إقبال؛ فما أسرع الملتقى] الإمام علي عليه السلام.

أستاذ نبيه؛

قد يعرف الكثيرون أكثر مما دوّنتُ، ولكن قلما يتمكنون من المجاهرة بقناعاتهم، وقد لا يفتح المجال لهم للتعبير، أو لا يحسنون ذلك.. وبالنسبة لي فإن ضميري، بل وثوبي، وأدبياتي الدينية، يمنعوني من عدم المجاهرة بهذه القضايا، ومن عدم قول كلمة الحق..

اقرأ أيضاً: إسمع يا دولة الرئيس(59): أوصاف الشيعة وعددهم.

أحمد الله على كل ما أصابنا – وعلى كل ما سيصيبنا – وأنا من مدرسة تقتدي بسلف علمائنا الصالح، الذين قلما تجود الحوزات العلمية بمثلهم، صدقاً، وجرأةً، وتعففاً، وإقداماً، وثباتاً.. ولئن كان عدد المعممين يتجاوز الألفين؛ لكن العلماء العلماء الذين يتحلون بالصدق والعفة والإقدام على عدد أصابع اليدين، تقريبا؛ وإن كان من غرور أو اشتباه في قولي فأستغفر الله، وأتوب إليه.. وطبعاً التاريخ خير منصف.

الأستاذ النبيه؛

بمجرد شروعي بنشر رسائلي المفتوحة لدولتكم أخذت الملاحظات تردني من هذا الشعب الكادح الطيب؛ تأمل مني نقل همومهم وهواجسهم لجنابكم، كونهم يحسبون أنكم تقرؤون هذه الرسائل، أو “تسمعونها”؛ ولا يعلمون أنني أخاطب الرأي العام، وأدونها للتاريخ، ورفعا للمسؤولية الشرعية؛ أكثر مما أخاطبكم بها..

أستاذ نبيه؛ لكم شعرتُ بسذاجة هذا الشعب الذي لا يدرك حقائق الأمور، ولا يعرف كيف يُدار، بل لا يفقه نظرة المسؤولين الدونية لشعوبهم..
بعض الناس لا يدركون أن القادة والمسؤولين أكثر معرفة بحاجات الشعب ومآسيه، وأن ما ينصاع له الساسة هو ما ينقله الإعلام، وما يتحول لرأي عام ضاغط وملح، على قاعدة تعريف الصدق ب: “الكذب الذي لم يعرف” وهكذا قضايا الناس التي يعكف على حلّها المسؤولون!

النبيه النبيه؛

كنت أتمنى أن لا يكون لديكم “حواجز” ليصل إليكم الشعب الذي أحبكم وقدّركم.. كما كنت أرغب إطلاعكم على مشاكل الناس الواقعية لو سمحت “الظروف” ولما لجأنا لوسائل علنية.. لكنكم تصرون على معرفة الواقع من خلال “بوابات” غير صالحة لنقل هواجس الشعب، ولا شك بأن “البوابات” يطلعونكم على قضايا الأمة من منظار مصالحهم الخاصة..!
فقد كان من المفترض إطلاعكم على هذه الأمور في غرف مغلقة، لكن السياسة الراهنة المتبعة تجاه تجاهل قضايا الناس؛ ألزمتنا أن لا نكون شهود زور على واقع مرير؛ ذلك بالرغم من عدم وجود مصلحة شخصية بنشر هذه الآراء والاعتراضات؛ لكنها للتاريخ أكثر منها للحاضر، و”ربّ ضارّة نافعة”.

الرئيس الحبيب؛

أنظر إلى الطبقة الحاكمة؛ فأراها كالشمس الغاربة، وهل أدائها إلا فند، وأيامها إلا عدد، وجمعها إلا بدد !؟ وينطبق عليها ما قاله الإمام الكاظم عليه السلام وهو في سجنه للرشيد: “لن ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء، يخسر فيه المبطلون”

[شرعوا أبوابكم وقلوبكم]

لا يخفى على جنابكم أن المجتمع الذي يتاح فيه النقد والنقاش هو مجتمع متعافٍ، حيث إن الحوار الداخلي دليل صحة، ويولّد بالضرورة تطورا لهذا المجتمع.
وكي لا نوسّع دائرة البحث، فإن هذا الأمر مفقود داخل الطائفة الشيعية؛ وأنتم أبناء مدرسة الإمام موسى الصدر الذي يعتبر القيادة مسؤولية وليست وجاهة وزعامة، هي تكليف ورسالة، والمسؤول خادم للشعب، ويجب عليه أن يبذل جهده لتحقيق آمال شعبه وطموحاته؛ وهذا أمير المؤمنين علي يقول لابن عباس: “فلا يكن حظك في ولايتك مالا تستفيده، ولا غيظا تشتفيه، ولكن إماتة باطل وإحياء حق”.

اقرأ أيضاً: إسمع يا دولة الرئيس (50): الوصية، مجدداً

فتولي المسؤولية في أدبياتنا الدينية عبارة عن فرصة لخدمة الناس، ومتابعة شؤونهم وشجونهم، وليست فرصة للتسلط عليهم..

الرئيس النبيه؛

انطلاقا من كل ذلك، فإني أتوجه إليكم بجملة تمنيات، هي وصاياي العشر لدولتكم، أنهي بها رسائلي إليكم:
-الأولى: شرعوا أبوابكم أمام الناس، والغوا الحواجز معهم.
-الثانية: قربوا أصحاب الكفاءات، وارفضوا مبدأ الواسطة والمحسوبية.
-الثالثة: اتركوا القضاء يعمل عمله، واطلقوا سراحه ويده لبسط العدالة.
-الرابعة: قفوا على رأي الناس فيمن يرغبون بتمثيلهم في السلطات، ولا تفرضوا عليهم الحزبيين.
-الخامسة: رتبوا أولويات الشيعة اليوم، ليكون مجتمعهم مجتمعا ناهضا منتجا.
-السادسة: افصلوا بين الجسمين السياسي والديني، رأفةً بدين الله، واحتراما للعمل السياسي وللدولة.
-السابعة: حاسبوا المجرمين وأصحاب الموبقات، لاسيما المختلسين، ومَن تعدى على المال العام.
-الثامنة: افسحوا المجال للفقهاء والعلماء والأدباء لبلورة فكر ديني عاملي، إعادةً لمجد حوزة جبل عامل الغابر.
-التاسعة: اسعوا لتحويل الكثير من المؤسسات التي هي على اسم أفراد أو جمعيات لأوقاف للطائفة، ومنع استفراد البعض بها والهيمنة عليها..
-العاشرة: ركزوا على إزالة التشنجات المذهبية السنية – الشيعية، لكونها تبقى هماً محوريا وأساسيا في المدى المنظور.. وينبغي إيلاؤها الاهتمام اللازم.

أخيراً؛
هذا ما نأمله من دولتكم، أنتم الذين حملتم إرث الإمام موسى الصدر، رجل الدين المتنور والمكافح في سبيل رقي مجتمعه ووطنه.

 

السابق
خليل المتبولي: «هي وهنّ» – الطلاق نغمة حزينة بين الرجل والمرأة!
التالي
تعيينات حزب الله في المناطق (1): بين التبرّم الخارجيّ والضغط الداخليّ