محاربة حزب الله لعلماء الدين الشيعة (4): عزل الشيخ محمد عزالدين وموته مغموماً

إن علماء الدين الشيعة الذين تعرضوا لمختلف أنواع العدوان من حزب الله منذ تأسيسه كُثُرٌ، وهم بالعشرات كما ذكرنا في الحلقات السابقة من سلسلة رصد اعتداءات حزب الله هذه.

ولكن أكثر هؤلاء العلماء المعتدى عليهم يبغي السلامة في نفسه وعياله فليس لديهم القدرة على المواجهة لذلك لا يخرج أكثرهم الساحق للإعلام لبث الشكوى ويشكون إلى الله من ظلم ذوي القربى ويكتفون بالنقد الصامت في زوايا المناطق وفي بعض الأندية الضيقة وقضايا بعض هؤلاء ينبغي رفعها لمنظمات حقوق الإنسان، فالمحاكم المحلية عاجزة عن مواجهة عدوانية قوة حزب الله ضد هؤلاء.
هذه العدوانية التي حولت حياة بعض هؤلاء إلى جحيم على مستوى الاجتماع والاقتصاد، وبحق كما يقول مناوؤا هذا الحزب في السياسة: “إنه يستغل قوته الصاروخية والقتالية ويستثمرها في مختلف الملفات من سياسية وغيرها”.

اقرأ أيضاً: محاربة حزب الله لعلماء الدين الشيعة (1): مهاجمة من لا يؤمن بولاية الفقيه

ومن نماذج العلماء الذين اضطهدوا من هذا الحزب العلامة العامل الشيخ محمد عز الدين وهو ابن عم العلامة الفقيه آية الله الشيخ موسى عز الدين والأخير هو مؤسس: “جمعية علماء الدين في لبنان” التي كانت من أهم صيغ التجمعات العلمائية قبل تأسيس المجلس الشيعي، والشيخ موسى هو – أيضاً – مؤسس حوزة المدرسة الدينية الحالية في مدينة صور الجنوبية والتي خرَّجت الكثير من العلماء المستقلين في حياته، ومئات المعممين بعد مماته من الموالين لحزب الله بعد سيطرة الحزب على هيئتها الإدارية بواسطة بعض عملائه…

والشيخ موسى هو أول فقيه عند الشيعة بحث مسائل التأمين والضمان من الناحية الفقهية في كتابه الفقهي الاستدلالي الخالد: “الإسلام وقضايا الساعة”. والعلامة العامل الشيخ محمد عز الدين هو بدوره قام بتأسيس العديد من المساجد والحسينيات ومراكز العبادة والمكتبات العامة داخل لبنان وفي فترة تواجده في العراق، ولما كان جاراً للسيد الخميني في النجف الأشرف كان السيد الخميني لا يتناول طعام الغداء إذا لم يكن الشيخ محمد حاضراً على المائدة إجلالاً له واحترماً وتقديساً.
ولكن ما كان حظ هذا الشيخ في لبنان من أتباع الخمينية؟
كان حظه أن دخلنا يوماً إلى أحد المساجد في بيروت وهو مسجد “الناصر” في منطقة الأوزاعي ذات الأغلبية الشيعية وهو المسجد الذي ساهم الشيخ محمد في تأسيسه مع آل ناصر الكرام وهو المسجد الذي اعتدى عليه حزب الله مدة بإطلاق إسم الإمام الهادي عليه السلام، والإمام الهادي لا يرضى بذلك كونه خلافاً لإرادة الواقف ونص الوقفية.
ما لبث أن عاد إسم المسجد إليه بعد ترميمه من قبل السفارة الإيرانية التي تجنبت بذلك نزاعاً بينها وبين آل ناصر مُمَوَّلي تأسيس المسجد المذكور…

فلما دخلنا لهذا المسجد والذي كان يأمه لأكثر من ثلاثين سنة العلامة العامل الشيخ محمد عز الدين لم نجد وقت صلاة الجماعة وفي ليلة جمعة لم نجد خلف الشيخ في الصلاة سوى شخص واحد في الوقت الذي كان المسجد يعجُّ بالمصلين في تلك الليلة، فسألنا أحد الحاضرين عن علة ذلك فقال: “إن حزب الله يمنعون الناس من الصلاة خلف الشيخ” فسألنا عن السبب فقالوا: “يقولون إنه كتائبي”. فقلنا: “ولماذا؟” قالوا: “إنه زار رئيس الجمهورية الشيخ أمين الجميل”.

فلما تحرَّينا عن الأمر تبين لنا أنه عندما اتخذ الرئيس الجميل قراره بتوسعة بيروت إلى بيروت الكبرى إدارياً وجغرافياً وعزم على هدم البيوت المبنية على أرض الدولة في محيط بيروت الأولى وضواحيها وكان منها أملاك الدولة المبنية في منطقة الأوزاعي ذات الأكثرية الشيعية والتي تدين بالولاء التنظيمي لنفوذ حزب الله، قام الشيخ محمد بزيارة الرئيس الجميل في قصر الرئاسة بوصفه عالماً دينياً للمنطقة وبوصف الجميل رئيساً للجمهورية، وقد تمكن الشيخ محمد بزيارته هذه من تحييد المنطقة عن الهدم والمنع من تشريد أهلها وتجارها سنة وشيعة بعد أن كان الهدم قد أخذ طريقه في مناطق أخرى مجاورة وغير مجاورة.

فكان جزاء هذا العالم العامل الحامي للوجود الشيعي في تلك المنطقة والذي استفاد منه حزب الله بدوره لاحقاً كان جزاؤه هذه السمعة والدعاية المغرضة والحرب لمنع الصلاة خلفه جماعةً في منطقته، حتى مات مهموماً مغموماً مريضاً عاجزاً ولو كانت مثل هذه المعاملة يمكن تجريمها في القانون والشريعة لكان حزب الله قاتلاً لهذا الشيخ ولنظائره من الذين قتلهم معنوياً في العقود الأربعة الماضية من علماء وغير علماء.

اقرأ أيضاً: محاربة حزب الله لعلماء الدين الشيعة (2): استهداف الإمام شمس الدين

والقتل المعنوي أفتك في القلوب والأبدان، واليوم نجد من حاربوا الشيخ محمد لهذا السبب يتسابقون للتحالفات الانتخابية مع أسماء كانوا بالأمس يصنفونها في جملة السفاحين والعملاء.. ولكن يبقى الشيخ محمد هو العلامة العامل وإن كانوا قد أسقطوا صُوَرَهُ من على جدران المسجد الذي أسسسه وكان يصلي فيه فلن يتمكنوا من إسقاط حبه ومنزلته من قلوب المؤمنين ونفوس العلماء، وهو الذي اشتهر عنه أيام وجوده في النجف الأشرف أنه حمل رسالة رؤية من الإمام المهدي عجل الله فرجه إلى المرجع الراحل السيد محسن الطباطبائي الحكيم وتشتمل على مضامين علمية وفقهية وإرشادية.

ولما مات الشيخ محمد عزالدين وأقيمت عن روحه ثلاث مجالس عزاء حسينية في داره في منطقة الأوزاعي وكان خطيب هذه المجالس الخطيب المعروف الدكتور الشيخ إبراهيم العاملي وأثناء ارتقاء الدكتور العاملي المنبر ما كان من وفد قيادة حزب الله إلا أن دخل للمجلس ليؤدي واجب العزاء بالشيخ الفقيد على طريقة حزب الله في قتل القتيل والمشي في جنازته…

السابق
معركة طرابلس من منظار معارض
التالي
شيرين عبد الوهاب عالقة بين الاتهامات الوطنية والأطماع المالية!