محاربة حزب الله لعلماء الدين الشيعة (1): مهاجمة من لا يؤمن بولاية الفقيه

الشيخ حسن طراد
في الوقت الذي نشأ حزب الله في لبنان قبل أكثر من ثلاثة عقود في بيئة دينية وبشعارات دينية بتعبير أدق وحاول احتواء عدد كبير من علماء الدين الشيعة وغير الشيعة ليتغطى بهم في معاركه السياسية والعسكرية المتعددة، سواء أجماعة الوحدة الإسلامية أم جماعة التعايش الإسلامي المسيحي وما شاكل، بالرغم من كل ذلك ولكن هذا الحزب لم يُنْصِف أكثر علماء الدين الشيعة بل اعتدى على الكثيرين منهم في مسيرته النضالية والجهادية الطويلة. وقد اتخذت هذه الاعتداءات أشكالاً متعددة وحججاً مختلفة اختلفت من عالم دين لآخر كل بحسبه..

فقد كان مطبخ الاعتداءات في الحزب المذكور يُعِدُّ الاعتداء المناسب للشخصية المناسبة وبما يتناسب مع شأنية وظرفية المعتدى عليه.. فالبعض اعتدى عليه بالسياسة والبعض بدعاية النساء وهي الأكثر والقليل بالعمالة والتبعية وهكذا…

ونبدأ من رأس الهرم ،وهذه معلومات موثقة في سجلات علماء الشيعة في لبنان. فقد كان المرجع الراحل الشيخ محمد تقي الفقيه أعلم فقهاء الشيعة في لبنان وأفقه علماء الدين الشيعة اللبنانيين على الإطلاق في النصف قرن الأخير. وبالرغم من تقوى الشيخ الفقيه وعدم تدخله في السياسة وانصرافه لتدريس علماء الدين لبحوثه الحوزوية في مختلف المراحل الدراسية فترة تزيد عن سبعين سنة بين النجف الأشرف وبيروت وجبل عامل وبالخصوص تدريسه لطلاب مرحلة البحث الخارج في الفقه والأصول، وبالرغم من إخراجه لعشرات المؤلفات من فقهية وأصولية وغيرها، وبالرغم من موقفه من القتال بين حزب الله وحركة أمل وذلك لما أرادوا أخذ الفتوى منه بتغطية قتال إقليم التفاح بين الفريقين فقال يومها كلمته الشهيرة: “لا تستفتوننا إلا في الدماء؟!، رافضاً إعطاء الغطاء بالقتال بين الشيعة في حرب إقليم التفاح الشهيرة. فهذا الفقيه بالرغم من كل ذلك لم يشفع له كل ذلك عند حزب الله حتى كانوا يُروًّجون عنه في لبنان والعالم بالقول: إن لديه أفكاراً أمريكية!

اقرأ أيضاً: إصلاحا للخلل القانوني في المجلس الشيعي(8): تنظيم عمل الساحة الدينية في لبنان

ولما توفاه الله وعلى طريقة هذا الحزب في مصادرة الجهود ومحاولاته المفضوحة البائسة لاحتواء المستقلين من الشيعة بعد موتهم، ففي هذا الإطار قام بوضع صورة الشيخ الفقيه بعد موته وذلك عبر لوحة إعلانية ضخمة أمام بيته في بلدة حاريص بهدف التأثير على جماهير الجنازة بما يخدم مصالحه، فلما وُضِعت الصورة استنفر أحد أولاد الشيخ الفقيه يومها وقام باقتلاع الصورة ورفض بقاءها وقال لجماعة الحزب يومها : ” بالأمس كنتم تقولون عنه عنده أفكار أمريكية واليوم تريدون احتواءه بصورة؟!”، ومنعهم يومها من تنفيذ هذا المخطط في حق أعلم من مر على الحوزة العلمية اللبنانية في النصف القرن الأخير.

ويأتي من بعد الشيخ الفقيه آية الله الشيخ حسن طراد أستاذ العلماء، ففي أيام حرب الضاحية الجنوبية بين حزب الله وحركة أمل وقف الشيخ طراد موقف المعارض للحرب وإن كان لم يُصَرِّح بفتوى في ذلك ولكنه كان يدعو الطرفين لإلقاء السلاح، وكان مستمراً في إمامة مسجده مسجد الشيخ حسين معتوق في منطقة الغبيري، وهو المسجد الذي اعتدى حزب الله على حرمته حين حَوَّل إسم هذا المسجد لمسجد الإمام المهدي عجل الله فرجه بدلاً من مسجد الشيخ حسين معتوق كما نص الواقف والوقفيةً، وكل ذلك كان من الحزب حتى لا يبقي ذكراً للفقيه المجاهد الشيخ حسين معتوق الذي توفي عام 1980 أي قبل ظهور حزب الله بأعوام، لا لشيء سوى لأن الأخير لا يقول بالولاية العامة المطلقة للفقيه، فلما كان صهره الشيخ طراد يؤمُّ الصلاة ويُعطي دروسه في المسجد المذكور جاء أحد مسلحي حزب الله يوم حرب الضاحية الجنوبية بين الشيعة وهدد هذا المسلح الشاب الذي لم يبلغ العشرين من العمر، هدَّد الشيخ طراد بالقتل بطريقة غير مباشرة ليمنعه من الحضور للمسجد ويومها قال له: “لا تأتِ للمسجد بعد اليوم لئلا تصيبك رصاصة طائشة بالغلط!”، وبهذه الطريقة مُنع الشيخ طراد يومها من ممارسة أعماله في المسجد المذكور وليقوم الحزب باحتلال المسجد نهائياً في مرحلة لاحقة وليمنع الشيخ طراد – أيضاً – من التدريس في حوزة معهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بعد تحوُّلها لوِكْرٍ مخابراتي لأمن حزب الله على المشايخ وعلماء الدين وطلبة الحوزة العلمية اللبنانية.

ومن نماذج علماء الدين الشيعة المعتدى عليهم من الحزب المذكور أحد تلاميذ السيد الخوئي ومن وكلائه عنيت به العلامة المفكر السيد أحمد زكي تفاحة صاحب المؤلفات التي تربو على ثلاثين تأليف في السيرة والعقائد والفقه والفكر، فقد كان مسجد السيد تفاحة وحسينيته في منطقة المصيطبة محور الحالة الإسلامية في بيروت الغربية في بداية انطلاقتها، ولما اختلف حزب الله معه في طريقة العمل الإسلامي قام الحزب بتكفير السيد تفاحة واتهامه بفساد العقيدة ومن ثم الترويج لحرمة الصلاة خلفه وتفسيقه مرة أخرى، وقد دفعته مواقفه المبدئية الرافضة لنهج حزب الله في التعاطي مع الداخل الشيعي ليقول يومها كلماته الشهيرة حول حزب الله بأنهم خوارج هذه الأمة وكان يعلنها من على المنبر بالقول: “قَلِّموا أظافرهم فإنها إن بقيت تجرح وإن طالت تذبح”. وبالفعل هذا ما كان من الحزب لاحقاً في حربه الدموية مع حركة أمل.

اقرأ أيضاً: المنابر الدينية في لبنان بخدمة مشاريع الأحزاب السياسية

ومن نماذج العلماء المُحَاربين من هذا الحزب شيخ الشعائر الحسينية في بيروت وفي منطقة خندق الغميق بالخصوص عنيت به العلامة الشيخ مرتضى عياد فقد كان حزب الله يكتب لهذا الشيخ الشعائري في بداية انطلاقته على حائط المسجد عبارة : ” عَدُوُّ الإسلام مرتضى عياد”.. وكان الحزب لا يعترف بعِلْمِ الشيخ مرتضى وهو الذي قضى خمساً وعشرين سنة في الدراسة الحوزوية في النجف الأشرف وهو سليل إمام الشيعة في لبنان في زمانه العلامة المجاهد الشيخ محمد عياد، الذي كان آية الله القائد المغيب السيد موسى الصدر دائماً يلجأ إليه بالمشورة.. وكل ذلك لأن الشيخ مرتضى لم يأذن يومها لحزب الله بممارسة الأنشطة الحزبية في مسجده في منطقة خندق الغميق وحال ذلك دون سيطرة الحزب على المسجد وإن كان قد اخترقه مؤخراً بطريقة غير مباشرة بعد مرض الشيخ مرتضى وتَقَلُّد مهام المسجد من قبل ولده…

وللبحث صلة…

السابق
السيد من مجلس النواب: الأجوبة الحكومية لم تكن مقنعة
التالي
الحديث عن قوننة زراعة الحشيشة زاد عدد المدمنين والمتاجرين