محاربة حزب الله لعلماء الدين الشيعة (2): استهداف الإمام شمس الدين

مهدي مهدي شمس الدين
لأن علماء الدين الشيعة المعتدى عليهم من قبل حزب الله وبأشكال مختلفة طيلة مسيرته في العمل السياسي والاجتماعي، لأن هولاء العلماء ليس لهم جهة قضائية تنصفهم ولا لهم جهاز محاماة نزيه ومستقل يدافع عنهم ويحمي حقوقهم ولأن أحداً منهم لم يتقدم بدعوى قضائية ضد حزب الله بسبب اعتداءاته المتكررة على البعض، ولأن القضاء سينحاز إلى الحزب في أي دعوى قضائية بسبب قوة تدخل الحزب في العمل القضائي ضد الذين لا ظهر لهم يحميهم من الجهات السياسية الفاعلة في البلد، لكل هذا فقد عزمنا في حلقاتنا هذه أن نسلط الضوء - للتاريخ والحاضر - على المظلوميات الصامتة والناطقة التي تعرض لها مئات علماء الدين الشيعة من قبل عناصر ومسؤولي وقياديي حزب الله في عقود قيامه .

يستطيع القارئ أن يُطلق علينا صفة محامي علماء الدين الشيعة المستقلين الذين لا ظهر لهم يحميهم، فبيت الطائفة الذي ينبغي أن يقوم هو بهذه المهمة هو ذاته تعرض لاعتداءات مماثلة، فبعد غياب مؤسس بيت الطائفة القائد المغيب آية الله السيد موسى صدر الدين الصدر وتقلد الفقيه والمفكر الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين زمام الأمور في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وغيره، بعد السيد المغيب بدأت هنا الحكاية مع الشيخ شمس الدين وبدأت على أشدها خلافاته مع بعض الساسة الشيعة على طريقة إدارة الملفات كافة ومنها إدارة سلطة المجلس الشيعي وحركة أمل والقضايا الأخرى المرتبطة بالشأن الشيعي العام.

وعندما تفاجأ الجميع باجتياح إسرائيل للبنان سنة 1982 اجتهد الإمام شمس الدين وآخرون من فاعليات الشيعة يومها في تحييد ضاحية بيروت الجنوبية عن آلة الحرب الإسرائيلية، خصوصاً بعد مجازر صبرا وشاتيلا، وكان اللقاء المعروف في دارة آل سليم في منطقة الغبيري.

اقرأ أيضاً: محاربة حزب الله لعلماء الدين الشيعة (1): مهاجمة من لا يؤمن بولاية الفقيه

وهنا بدأت حرب ضروس ضد الإمام شمس الدين ناعتة إياه بنعوت العمالة لإسرائيل واستغل كل ذلك حزب الله لاحقاً ليُروِّج الدعاية المغرضة ضد “الشيخ” متهماً إياه بالعمالة لإسرائيل، وقد أثقلت حرب حزب الله ضدّ الامام شمس الديت نهجهم في التعاطي مع الداخل الشيعي، ما دفعه مرة للقول: “لو أصبح حزب الله بحجم الله لبقي عندي صفراً”، وطرحه هذا كان من باب فرض المحال الذي هو ليس بمحال، وقد قال هذه الكلمة يومها في أحد الإحتفالات في مدينة النبطية. وقد أضعفت حرب حزب الله ضدّ الشيخ حضوره الشعبي وفرَّقت عنه كثير من الناس وبقي يتحرك في دائرة إرثه القديم من العلاقات ولكنه تمكن من تطوير علاقاته وتجاوز المحنة في اخر أيامه نسبياً، ولكنه ظل يعاني من تجاهل حزب الله وملاحقاته التي دفعته بقوة للجوء إلى حركة أمل ليملأ مسجده يوم افتتاحه عند دوَّار شاتيلا، ولكن استمرت أزمة ضعف الحضور خلفه في الصلاة والخطب لحين وفاته وكانت قناة حزب الله التلفزيونية وإعلام الحزب لا يُعطيانه حقه من الألقاب العلمية عندما يضطرون لذكر اسمه في النشرات الإخبارية مع أن كتابه: “الاجتهاد والتجديد” نال المرتبة الأولى في مسابقة علمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وقد اتصل الامام شمس الدين بقناة المنار مرة ليطلب عدم ذكر اسمه في إعلام الحزب ما لم يكن مقروناً بألقابه العلمية لكثرة ما كان هذا الواقع يؤذيه، واستمرت معاناته لحين حملت جنازته على الأكتاف ليشارك حزب الله فيها بقوة طمعاً في الحصول على شيء من إرثه التاريخي كعادة الحزب في سياسته مع الأقوياء من مستقلي الشيعة بعد موتهم .

ومن النماذج التي تعرضت لحرب ضروس من قبل حزب الله من علماء الشيعة في لبنان الفقيه الكبير آية الله الشيخ إبراهيم سليمان الذي كان قاضياً لشيعة الكويت لست سنين من قبل مرجع الشيعة في عصره الراحل السيد محسن الطباطبائي الحكيم وقد كان للشيخ إبراهيم رأيه في السيد الخميني كونه قد عرفه في النجف الأشرف وباحثه لستة أشهر في الفقه والأصول باللغة العربية في الفترة التي نُفي فيها السيد الخميني إلى العراق من قبل الشاه وكان حزب الله يسأل السيد الخميني عن حقيقة رأي الشيخ إبراهيم به فكان يُجيب بالقول : ” مجتهد وله رأيه ” ..

ولكن ذلك لم يشفع للشيخ إبراهيم فتعرض لمختلف أنواع الأذى وبلغ الحال بأحد عناصر الحزب أن زاره في داره مرة في بلدة البياض في جنوب لبنان وطلب من الشيخ أن يأذن له بتقبيل رقبته فلما أذن له الشيخ إبراهيم بذلك قال هذا الحزبي للشيخ بكل وقاحة: “قبَّلتُ منك موضع سيف الإمام المهدي عجل الله فرجه”!

وهكذا هي جرأة هذا الحزب بعناصره وقياداته على إهانة العلماء وأذيتهم! وكأن الإمام المهدي عجل الله فرجه أعطاهم صكَّ البراءة من النار ومن غضب الجبَّار.

ومن كبار علماء الدين الشيعة في جبل عامل ومن الفقهاء الأفذاذ الذين تعرضوا للأذى مدة مديدة من حزب الله لرفضه سياسات الحزب الداخلية آية الله الشيخ بدر الدين الصائغ عالم بلدة قانا الجنوبية وهو الذي لم يعطه حزب الله مساحته من إعلامه عقاباً له على مواقفه وكان الحزب ينعته بالنعوت السيئة في حياته حتى اتهموه بالخَرَف، وبأدنى زيارة لبلدته قانا يدرك المتتبع فداحة كلام السوء الذي كان يروِّجه حزب الله ضد هذا الفقيه الجليل في بلدته ومحيطها..

والشيخ بدر الدين هو فقيه ما ترك التدريس لحين وفاته وكان من أساتذة حوزة معهد الدراسات الإسلامية البارزين في مدينة صور .. وولده الفقيه المجاهد الراحل الشيخ جعفر الصائغ هو مؤسس الوجود الشيعي في ساحل العاج في أفريقيا، وحفيده صاحب التقويم الشيعي الأول في العالم الذي هو أعلم علماء الفلك عند الشيعة، ولكن كل ذلك لم يشفع للشيخ بدر الدين ليكف حزب الله عنه أذاه ولا حول ولا قوة إلا بالله…

السابق
باميلا أندرسون تعلق على اعتقال أسانج
التالي
ترامب وبوتين: تكريس إسرائيل شرطيّاً للمشرق