الجزائر: هذا هو الفارق بين ثورتها والثورة السورية

الاحتجاجات الجزائر
تزامناً مع عودة الحراك الشعبي الى شوارع درعا في سوريا، وعلى أنغام "ارحل"، يصدح الصوت نفسه من الجهة الغربية من العالم العربي وتحديداً من شوارع الجزائر.

ما لم تحققه سوريا على مدار 8 سنوات، حققت الجزائر جزءاً منه، أو ما سماه بعض قادة الحراك الشعبي بـ”نصف الإنتصار”، خلال أسابيع، حيث جاب بلد المليون شهيد وأكبر بلد عربي وإفريقي أكثر من مليون متظاهر ومتظاهرة، طالبوا بها بعدم ترشح رئيس الجزائر الحالي عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة خامسة.

وعلى خلاف سوريا، ورغم استيلاء القوى الدستورية على الحكم في الجزائر، أي محيط بوتفليقة كون حالته الصحية غير مستقرة، وهناك تقارير تزعم بأنه حتى فقد القدرة على النطق، إلا أن هذه القوى لم تلجأ للعنف والقمع والإعتقال والتخوين بحق المتظاهرين.

ولم نستيقظ على وجود مفاجئ لقوى متشددة تعيث بالبلاد خراباً وتهدد وتشرع استخدام القوة وتحرف الأنظار عن المطلب الأساسي، ولم نشهد على نداء استغاثة من قبل السلطة لدول إقليمية للمساعدة على البقاء، إلا أن ما شهدناه من قرارات على أثر التحركات الشعبية، ليس إلا مخرجاً مبدئياً وتصحيحاً لخطأ لم يستسيغه الجزائريون متمثل بإعادة ترشيح رئيس ثمانيني غير مدرك لما يحصل حوله.

اقرأ أيضاً: الثورة السورية فكرة بلا ميعاد

فاليوم الإستثنائي الذي عاشته الجزائر أمس، كان بسبب القرارات المهمة التي صدرت عن الرئاسة، وكان أبرزها سحب ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، إلى جانب تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 18 نيسان المقبل، والتعهد بمؤتمر حوار جامع، وتعديل دستوري قبل تسليم مشعل الحكم.

وفي السياق ذاته، استقالت حكومة أحمد أويحيى، وتم تكليف نور الدين بدوي، وهو أحد المقربين لبوتفليقة، بتشكيل حكومة جديدة لم يعرف حتى الآن كيف ستكون، وإذا كانت ستفتح أمام المعارضة أم أنها ستضم شخصيات تكنوقراط فقط.

من يحكم الجزائر؟

في قراءة للمشهد الجزائري، قال الكاتب والمحلل السياسي راجح خوري، في حديث لجنوبية، أن القراءة لهذا المشهد تختلف عن القراءة في أي موضوع آخر، فمنذ تقديم بوتفليقة لترشيحه كان واضحاً أنه يريد الترشح لمدة سنة غير قابلة للتجديد، لترسيخ برنامج دستور جديد وإصلاح ومحاربة فساد وافساح المجال للشباب وغيرها.

وأوضح خوري أن هذا الترشيح يدل على أن هناك انقساماً بين من يحكم فعلياً الجزائر من مجموعة جنرالات بالإضافة لرئيس الحكومة المقال أويحيى ومجموعة من رفاقه في جبهة التحرير الوطنية، حول من سيرث الحكم، كون بوتفليقة يعيش آخر أيام حكمه، مما دفعهم الى طلب مهلة سنة لترتيب وضعهم الداخلي.

راجح خوري

وأشار الى أنه خلال هذه الفترة الأخيرة، أعلنت رئاسة الأركان أن الجيش مستعد لمواجهة أي إخلال بالأمن، ولا عودة الى العشرية الدموية التي حصلت سنة 1991 على خلفية إلغاء الجيش لانتخابات الجولة التي فاز بها الإسلاميون آنذاك، وأدت الى حرب أهلية امتدت 10 سنوات ذهب ضحيتها أكثر من 200 ألف قتيل.

وقال: “شباب الجزائر اليوم غير قادرين على استيعاب فكرة أن يكون رئيسهم مقعد بهذه الطريقة، فعندما زار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الجزائر العام الماضي، جال في الشوارع وحيداً، مما أثار حفيظة الجزائريين الذين سألوا أين رئيسنا”؟

واستكمل خوري استعراض المرحلة الأخيرة، فأشار الى أن بعد كلام الجيش، كبرت حركة الإنشقاق، ووصلت الى اعلان المحامين لإضراب شامل وهددوا بأنهم لن يشرفوا على الإنتخابات إذا استمر ترشيح بوتفليقة، بالإضافة الى رفض الجسم الطبي لتزوير أي افادة طبية تقول بأن بوتفليقة بصحة جيدة، ويأتي ذلك تزامناً مع اتساع التحركات الشعبية.

وأضاف: “هذا ما جعل الفريق الحاكم يصدر القرارات الأخيرة، إلا أن قرار تأجيل الإنتخابات لسنة يعد قراراً مشابهاً لقرار الترشيح لمدة سنة”.

الجزائر على مفترق طرق

تعليقاً على سؤال حول مستقبل الجزائر، قال خوري أنه علينا أن نسأل هل هذا المستقبل يتعلق بعملية الصراع داخل الأجنحة بعد مرحلة بوتفليقة؟ أم أنه فعلاً هناك توجه لانتخابات ديمقراطية بعد سنة؟

ورأى خوري أن الأمور لن تكون سهلة، إلا إذا حصل اتفاقاً جدياً بين الجيش والجهة الحاكمة على الإتيان بمرشح يرضي الشعب، كرمطان المعامرة، وزير الخارجية السابق، الذي يعتبر مقرباً من الشعب على الرغم من علاقته المتينة ببوتفليقة.

وقال: “يبقى حسم الإجابة حول الى أين تذهب الجزائر رهناً للأيام المقبلة”.

بماذا تختلف الجزائر عن سوريا؟

في هذا الإطار، عدّد خوري عدة فروقات بين الجزائر وسوريا، وقال: “الجزائر لديها تجربة حرب أهلية ل10 سنوات بين الجيش والتيار الإسلامي، في حين أن تجربة سوريا بالحرب حديثة، أما الفارق بين التجربتين هو أن التيار الإسلامي منهك في كل المنطقة، وليس لديه القدرة على اشعال معارك جديدة، وبالتالي أستبعد أن تتحول الجزائر الى سوريا جديدة”.

وأضاف: “لم نرى في الجزائر أي صدامات بين الجيش والمتظاهرين، وذلك لأن الجيش وقياداته يعلمون تماماً تجربة سنة 1991، وأتذكر تماماً أن من قام بالتسوية حينها هو بوتفليقة نفسه، وعلى أساس تلك التسوية أصبح رئيساً”.

وأردف: “نتيجة التجربة الجزائرية بالحرب، رأينا بوتفليقة يقف بجانب الأنظمة الحاكمة منذ ثورة الياسمين في تونس وصولاً الى ليبيا ومصر”.

وأشار الى أن ما قد ينجح الثورة الجزائرية ويجعلها ربيعاً مختلفاً عن غيره، هو أن يكونوا قد تعلموا من تجربتهم السابقة، وأن يذهبوا الى اصلاح فعلي وبدون دم، فالإقتصاد الجزائري منهك حالياً نتيجة انخفاض سعر النفط، وعليه يجب أن يرتكز تفكير الجهة الحاكمة بالإصلاح أكثر من التصارع على السلطة.

اقرأ أيضاً: عن هزيمة الثورة السورية

جدل قانوني حول القرارات

على الرغم من شعور الشعب الجزائري بالنصر، مما دفعه للاحتفال بمسيرات كبيرة عقب القرارات، إلا أن عقبة قانونية واجهت هذه القرارات، متمثلة بعدم استناد قرار تمديد ولاية بوتفليقة الى أي مادة دستورية.

وتفسيراً لهذه الحالة من التمديد، تنص المادة 107 من الدستور الجزائري على أنه “يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها”.

وتتيح هذه الحالة لرئيس الجمهورية بأن يتخذ إجراءات استثنائية التي تستوجبها المحافظة على استقلال الأمة، والمؤسسات الدستورية في الجمهورية. إلا أنه لا يمكن للرئيس اتخاذ هكذا إجراءات إلا بعد استشارة رئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس المجلس الدستوري، والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن، ومجلس الوزراء، يجتمع البرلمان وجوبا.

لكن الرئاسة لم تشر إلى السند القانوني لهذه القرارات، ولم توضح ما إذا كانت عقدت اجتماعات مع الهيئات المعنية كما ينص على ذلك الدستور، كما أن البرلمان لم يجتمع بدعوة من الرئيس للنظر في هذا “الوضع الاستثنائي” الذي استدعى هذه القرارات، وهذا ما اعتبره بعض المعارضين والمرشحين الرئاسيين إعتداءاً على الدستور، وفرضاً لشرعية الأمر الواقع.

السابق
«مدينة المليون نائم» قصص تسرد أحلام «عاطل عن الأمل»!
التالي
هل نجت ريما كركي من فخّ «منا وجر»؟