«كسرة خبز»: روايات حروب تركت آثاراً ولم تندمل!

الجوع

الكاتب حسن ابراهيمي – دار المختار عام 2018 (المغرب)؛
“كسرة خبز”… عنوان يحمل الكثير من فقرٍ واضطهادٍ وحربٍ وجوعٍ. عنوانٌ للتأمل، فكم من “كسرةِ خبزٍ” حلم بها طفل خلال الحصار؟ وكم أم بكت لجوع أطفالها؟ وكم من أبٍ حمل طفلًا مات من الجوع؟

يبدأُ الكاتبُ بإهداء كتابه لعائلته وأرواح الشهداء، ومنها يطل على نصوصٍ تحمل الأوطان وسيل الدماء بين حروفها. شبق لنصوص صدحت لثمالة الافواه على الرصيف، دماء، حرية شذارت نسجت اغاني العزة لدماء الشهداء. الحرية مطلب كل من ثار وخرج الى الشارع مطالبًا بتغيير حكم الدكتاتور، لنزعِ محتل من ارضه! لكن الثورة في بلادي يترجمها الحكّام والدول الخارجية بسفكِ الدماء، ويدخل اليها جماعات متطرفة بإسم الدين تسبي وتهتك الاعراض وتذبح بإسمهِ، فأين النجاة؟

في كل سطرٍ بهذا الكتاب نشهد حكاية شهيد، ومشرد، وفقير، نتذكر حكايات شعوبٍ تشردت وتهجرت لرفع الصوت ورفض الاستسلام.
نشهدُ حكايات شعبٍ ولد في وطن يسجنها، يلف حبل القمع حول رقبتها بحجة انه حامي الاوطان والخلاص، حامي شرفها المهتوك. من السخرية ان ترى الشرف والعرض مباحًا خلال الحروب في اوطانٍ يحكم فيها المشرعون القتل بإسم “الشرف”!

اقرأ أيضاً: أنا «فاسد»… حاكموني

يقص الكاتب لنا كل ما مر في الوطن العربي، يحمل وجعه ووجعنا كجسد ممزق أُعيد الى الحياة لينتقم بالكلمة فيقول على سبيل المثال: “يستف الموت إسفلت التاريخ، بكل أزقة الهزيمة تعوي اشلاء الموتى. وتتراقص دماء الشهداء… وبعدما تصرخ تدير الحياة وجهها لبزوغ الفجر”، ويضيف “في شوارع الرصاص انتحرت الارض رفضًا لانجاب مدن جديدة للعدو”. حامي الاوطان يقف تحية للعدو يتفاوض معه على جثث الشهداء، هل المدن تحمل ضميرًا لم يعرفه الحكام يومًا؟ هل جثث الاطفال هي اضاحٍ قدمها العرب قربانًا للعدو حفاظًا على دكتاتوريتهم؟

منذ احتلال فلسطين، مرورًا بكل الحروب التي شُنت من الشرق الى الغرب والمطلب واحد: كسرة خبز وحرية، فيما الضحية واحدة “الاطفال”، اي طفلٍ هذا الذي يقهر الدكتاتوريات الكبرى فتستخدمه طعمًا، واي جوعٍ هذا الذي تحاربه به لنموت؟ ألم تعرف هذه الديكتاتوريات ان الموت هو من شيم الشرفاء؟ وان وهم حمايتنا قد زال ولم نعد نصدقه وان في كل مرة تقتل طفلاً تعطينا سببًا جديدًا للثورة؟

يحدثنا الكاتب ايضا عن شعبٍ أخذ البحر طريقًا لنجاته… فقتلته الطريق. يقول: “في أكياس الهجرة يحمل البحر أشلاء وطن جريح، بتموجات المخفر يحمل تعبه. يحمل انكسار الكلمة وامتداد العبور فوق أشلاء يتقاذفها النسيان… لا شيء هنا يتراءى في فلق القفل سوى انسداد البحر”.

اما عن حالة الضياع فيقول: “قادني النوم إلى حيث لا أدري، وحين استفقت أيضًا أخذني إلى حيث لا أدري، رفاقي لم أكمل المسير وانتهى الأصيل”.

يثير الكاتب في شذراته الكثير من القضايا، فشذرات حسن الإبراهيمي هي شظايا حرب تترك اثرها ولا تندمل، فالمعروف ان كتابة الشذرات عبارة عن تأملات ماورائية صارمة، تتناول مواضيع الحياة وتعبير شاعري عميق عن تجارب ذاتية، تحمل صورا دلالية عميقة.
يقول نيتشه في هذا الصدد: “إن مرماي أن أقول في عشر جمل ما يقوله غيري في كتاب.. ما لا يقوله في كتابٍ بأكمله”. كل سطر في هذا الكتاب كان كفيلاً أن يوصل وجعًا بحجم كتابٍ، وبحجم عمر من الألم.
يستحق الكتاب القراءة بعناية ودقة، كما يستحق الوقوف عند كل قضية يثيرها. قضايا تشبه الى حد بعيد آلامنا اليومية، وألم بلادنا العربية وخيانة حكامها.

السابق
بيت المستقبل ينظم ندوة حول الانهيار الاجتماعي والسياسي في لبنان وسبل النهوض
التالي
هل يتمنى نتنياهو لو كان لبنانياً؟