أنا «فاسد»… حاكموني

في حمأة الحديث عن "إختفاء" الـ11 مليار دولار، سألني جاري ساخراً قال.. يا جار هلق نحنا إللي قبضنا تعويضات حرب تموز من حكومة السنيورة سنة 2007 وقت إللي كان محاصر بالسراي، نحنا منعتبر "فاسدين وشركاء" للسنيورة. ضحكت وقلتلو مش بعيدة يطلع معهن هيك، وضحكنا سوا.

في الحقيقة هذا الحديث أثار لدي شجون وذكريات عن تلك الأيام ومدى المعاناة التي مررنا بها ككل العائلات المتضررة التي أصابتها حرب تموز على حين غرة وقلبت حياتها رأسا على عقب، ووجدت نفسها بين ليلة وضحاها مهجرة في وطنها، لا تلوي على شيء. يومها كنا لا زلنا مهجرين من بيوتنا، وكان حزب الله قد دفع يومها بدل إيجار لكل عائلة وبعض الأموال على دفعات بغية إعادة ترميم أو إعمار البيوت المتضررة، وكان الوضع السياسي متأزما جراء إستقالة وزراء الشيعة يومها من حكومة السنيورة التي وبسحر ساحر إنقلبت من حكومة المقاومة السياسية إلى حكومة “فيلتمان”.

اقرأ أيضاً: معركة محاربة الفساد… تصفية حسابات سياسية

وكان الإعتصام الشهير، ومعركة نهر البارد والإغتيالات وحصار السراي الحكومي والمطالبة بإستقالة السنيورة. في هذه الأجواء المتوترة والغير طبيعية وكنا لما ننتهِ بعد من ترميم المنزل فإذا بالفرج يأتي عندما أعلمنا أحد الأصدقاء بأن كشوفات التعويض الحكومية قد صدرت وبدأ دفع التعويضات، وهكذا كان وإنتهينا من ترميم المنزل وبدأنا التحضير للعودة إليه وكنا في أواخر العام 2007 تقريباً، في العام التالي ذهبنا لبلدية حارة حريك بناء على دعوة البلدية للمواطنين بدفع الرسوم المتوجبة عليهم للبلدية وكان أن أعفينا من رسوم 2006 ويتوجب علينا رسوم 2007، وعندما حاولنا الإستفسار من أحد “الحجاج” الموظفين هناك إن كان يتوجب علينا الدفع نحن الذين عدنا أواخر الـ2007 لأن البيت كان مدمراً، وهو مجرد سؤال للإستفهام لا أكثر ولا أقل، فإذا به يهب في وجوهنا مع بعض الجيران وبشراسة وقلة ذوق قائلاً “هلق كل ما واحد إحترقت عندو لمبة صار يقول بيتي إتدمر”، فكان أن خرجنا من مكتبه مصدومين حيث كاد الأمر يتطور إلى تضارب بينه وبين بعض الأشخاص الذين لم يتمكنوا من “بلعها”.

لن أدافع هنا عن فؤاد السنيورة، ولكني أيضاً لن أذمه، فالرجل قد قام بواجبه وإجتهد قدر الإمكان وفي أصعب الظروف كي يبقى البلد قائما، في الوقت الذي كان غيره يعمل ولأجندات سياسية داخلية وخارجية على تعطيل كل مظاهر الحياة في وطن مثخن بالجراح ومواطن يعاني الأمرين من آثار الحرب والأزمة السياسية. قد يكون الرجل تجاوز القانون والتشريعات المتبعة في الظروف العادية، لكن الوضع لم يكن عاديا وكان يحتاج لإجراءات طوارئ غير عادية.

واليوم والكل شرب حليب السباع وبعد أكثر من عشر سنوات على ترك السنيورة لرئاسة الحكومة، وفي “همروجة” محاربة الفساد أعلن بأنني “فاسد” وأنني “شريك” السنيورة في الـ11 مليار دولار وقد نالني منها نصيب لإكمال إعمار منزلي، أنا والكثيرين مثلي الذين نالهم ما نالهم من ألم وتعب وقهر وتهجير وخسارة جراء السياسات والرهانات الخاطئة والحسابات الغير مدروسة. نعم يا سادة… أنا “فاسد”… فحاكموني…

السابق
مستشفى جزين: لا توظيفات سياسية.. ولإبعاد الأحزاب عن المستشفى
التالي
الحروب ضد حزب الله تزيده قوة… والسلام يقضي عليه